المادة 102 في الجزائر.. شغور منصب المعارضة أم الرئيس؟


المادة 102 في الجزائر.. شغور منصب المعارضة أم الرئيس؟

10 سبتمبر 2017
(الناشطة أميرة بوراوي)
+ الخط -

يتفاعل مستخدمو الشبكات الاجتماعية في الجزائر منذ عدة أيّام، بكثير من السخرية، مع الجدل القائم في البلاد حول المادة 102 من الدستور الجزائري والمتعلقة بالإعلان عن شغور منصب الرئيس بسبب وضعه الصحي.

وفي الوقت الذي انقسم فيه ناشطون سياسيون، إلى معارضين يطالبون بتفعيل المادة 102 والاحتجاج على الوضع القائم والمستقبل المجهول للبلاد، ومشكّكين في حالة الرئيس الصحيّة والتأكيد على عدم قدرته على إدارة شؤون الدولة، وبين موالين يؤكّدون على شرعية استمرار الرئيس في منصبه وقيامه بمهامه ومحافظته على صلاحياته، جاء تفاعل الشباب الجزائري فيسبوكيًا مع الحدث ساخرًا من الجميع.


سخرية من الطرفين
تداول مستخدمو فيسبوك منشورات وتعليقات ساخرة ردًا على المدافعين عن شرعية الرئيس وضرورة بقائه في منصبه، حيث جاءت المنشورات في شكل صور كاريكاتيرية تظهر الموالين في حالة تزلف ومحاباة لتحقيق مصالح شخصية، وعلى رأسهم رئيس مجلس الأمة عبد القادر بن صالح، الذي وصف المطالبة بتفعيل المادة 102 بالمطلب غير القانوني وذهب إلى حد وصفه بغير الأخلاقي أيضًا، مؤكدًا على أن رئيس الجمهورية يستمدّ شرعيته من إرادة الشعب التي حسمت في الانتخابات الرئاسية لسنة 2014.

وأثار تصريح بن صالح سخرية الشباب الذين نصحوه بالتقاعد واعتزال السياسة. وتحمل المنشورات الساخرة سخط وغضب الشباب من الأوضاع التي تشهدها البلاد على جميع الأصعدة، حيث يقول نبيل، في منشور له: "منذ ولدت لم أعرف رئيسًا غير بوتفليقة، حلمي أن أشاهد كيف يتم تسليم مهام لرئيس جزائري جديد". وفي منشور آخر يقول الشاب أحمد: "بن صالح قال لكم انتخابات شرعية، يا جماعة "ألي سوطا"، بمعنى: "الذي صوت، يرفع يده". وتداول ناشطون فيسبوكيون صورة كاريكاتورية تظهر بن صالح يلمع حذاء الرئيس بوتفليقة مرفوقة بعنوان "هذا هو المطلب الأخلاقي".

الانتقادات الساخرة التي وجهها الشباب الجزائري للمدافعين عن بقاء الرئيس لم تمثل إلا جزءًا صغيرًا من جملة الانتقادات التي وُجّهت للمعارضين ممن يدعون لتفعيل المادة 102، حيث وعلى غير المتوقع لم يلق هؤلاء الترحيب بدعوتهم بعدما كانوا يتطلعون لجذب الشباب إلى صفهم والحصول على دعمهم والتأكيد على مطلبهم، فقد قابل مستخدمو فيسبوك دعوة المعارضة من ناشطين وأحزاب للإعلان عن شغور منصب الرئيس بكثير من التهكم والسخرية أيَضًا، بسبب انتماءاتهم السياسية التي يعتقد كثير من الشباب الجزائري أنّها لا تمثّلهم.

ومع نشر وتداول أخبار وصور اعتقال مجموعة من الناشطين السياسيين، من بينهم نساء، بسبب إرتدائهم لقمصان بيضاء تحمل شعار مطلب تفعيل المادة 102 من الدستور الجزائري، انفجرت التعليقات الساخرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وقال المعلقون: "عندما سمعت بأمر الاعتقال ظننتهم خرجوا عارين فاتضح أنهم يرتدون قميصًا أبيض عليه كتابة سوداء فظننتهم فريقا رياضيًا، إن الأمور اختلطت علينا فكل عهدة وأنتم طيبون". وفي منشورات ساخرة استفسر الشباب عن مكان العثور على هذه القمصان إذا كانت توزّع مجانًا "القمصان مجانية، ابعثوا لي واحد وأعدكم أن ألبسه فقط في البيت".

ولم يظهر المعارضون الذين نزلوا إلى الشارع يرتدون القمصان كأبطال لدى كثير من الشباب الجزائري الذين يعارضون بقاء الرئيس في منصبه، والذين تفننوا في السخرية منهم، وهناك من دعاهم: "لمن يبحثون عن الرئيس، اذهبوا إلى الغرفة 102 من شارع الدستور، ستجدونه هناك واحتجوا براحتكم". واتهم الفيسبوكيون المعارضين بالمعارضة من أجل تحقيق مصالحهم الخاصة والشخصية مستهزئين بأساليبهم في المطالبة بالتغيير "حتى لو رسمتم هذه المادة وشمًا على أجسادكم لن تغيروا شيئا". وفي تعليق آخر: "ملك الموت الوحيد القادر على تفعيل هذه المادة".

شباب بلا تمثيل سياسي
التفاعل الساخر من قبل شباب جزائري مع هذا الحدث السياسي الذي يصنع جدلًا واسعًا منذ أيّام، يعكس مستوى فقدان الثقة لدى الشباب الذي وصل إلى مرحلة متقدّمة من العزوف عن الانخراط في العمل السياسي والإندماج في الصراع بين الموالين والمعارضين وعدم السماح للأحزاب والناشطين السياسيين بتمثيله سياسيًا واستغلال ظروفه الإجتماعية والاقتصادية المتدهورة من أجل تعبئته بما يخدم مصالحهم. وأظهر قدرته على صناعة رأي عام خاص به يحمل قناعته بعدم إمكانية تفعيل هذه المادة وعدم جدوى المطالبة بذلك في ظل الظروف الحالية التي تمرّ بها الجزائر.

وبدأت حالة الوعي هذه، ملخصّة في لجوء الشباب للتعبير عن أنفسهم بطريقة ساخرة عبر فيسبوك تبرز أكثر منذ الانتخابات التشريعية الأخيرة التي عكست حجم فقدان الشباب الجزائري للثقة في السلطة والمعارضة من برلمانيين من جميع الأحزاب السياسية بعدما فشلوا معًا في تحقيق طموحاته وتطلعاته. ومع اقتراب الإنتخابات المحليّة يمكن توقع سيناريو مشابه من الحملات الساخرة التي يبدع فيها الشباب فيسبوكيًا.
سارة جقريف

المساهمون