مقابلات بوتين.. ثرثرة مزعجة بين قصوره وطائرته الخاصّة

مقابلات بوتين.. ثرثرة مزعجة بين قصوره وطائرته الخاصّة

25 يونيو 2017
(فلادميير بوتين، تصوير: ميخائيل سفيتلوف)
+ الخط -

بثّت شبكة Showtime سلسلة "مقابلات بوتين" المؤلّفة من أربعة أجزاء الأسبوع الماضي، حاور فيها المخرج أوليفر ستون الرئيسَ الروسي في موسكو على مدى عامين، بين تموز/ 2015 وشباط/ فبراير 2017، وأوليفر ستون لمن لا يعرفه مخرج سينمائي حائز على ثلاث جوائز أوسكار، واشتهر بطرحه مواضيع إشكالية تزعزع مفهوم الحلم الأميركي في أفلامه كما أنه سبق وحاور تشافيز وكاسترو.

استُقبلت السلسلة بموجة من الاتهامات والتخوين لستون؛ من قبيل أنه يحاور مجرمًا وعدوًا، وفي استضافة ستيفين كولبيرت للمخرج عبر برنامجه الحواري استُقبل ستون بصرخات الاستهجان وتمّ حذف جزء من حديثه عند البث؛ عندما قال الأخير أن إسرائيل تدخّلت في الانتخابات الأميركية أكثر من روسيا.

من الواضح أن خلفية ستون السياسية وآرائه في السياسة الخارجية الأميركية هوت بالمقابلة، فبدلًا من أن يحكم على ضيفه بالأسئلة أو يأخذه في سياق الحديث إلى بقع غير مريحة، بدت المقابلة ساذجة لا تحمل جديدًا ولا مكاشفاتٍ غير مسبوقة بل مساحةً لتمرير الإطراءات ونقل الرواية الروسية عمّا جرى ويجري؛ في أوكرانيا وسورية وبالطبع العلاقة الأميركية- الروسية.

في المقابلة الشهيرة للرئيس نيكسون مع الإعلامي ديفيد فروست عام 1977؛ كان فروست قادمًا من قطّاع الترفيه ولم يشارك في أي اقتراع سياسي في حياته، لكنّه كان عالمًا بمجال التلفزيون ومدركًا كيف يدير حواره والجميع يذكر سؤاله الأوّل حين قال للرئيس الأميركي المستقيل "لماذا لم تحرق الأشرطة" على أعقاب فضيحة ووترغيت. بينما ستون بدأ بشكل تقليدي وغير موفّق بالحديث عن نشأة بوتين ووالديه وزوجته؛ فأخطأ في ذكر وظيفة الأب والأم، ولم يوفّق في ذكر تاريخ زواج بوتين، فصحّح له الأوّل جميع المعلومات الخاطئة سيما وأنه تزوّج لمرّة واحدة، وهذه الحال لم تتغّير طوال المقابلة بتمكّن بوتين من أن يكون ذا اليد العليا دومًا.

صُوّرت المقابلات في مختلف مكاتب بوتين بين قصوره وطائرته الخاصّة، إضافة لملعب هوكي حين كان يمارس الرئيس الروسي هوايته الجديدة، وتتضّح مدى العشوائية في الأسئلة عبر الأجزاء الثلاثة التي صوّرت قبل انتخاب ترامب، بينما خُصص الجزء الأخير للحديث عن اتهام روسيا بالتدخّل في الانتخابات الأميركية.

المشكلة الأساسية في الحوار، أنه ليس كذلك بل أقرب للحديث، فلا يوجد تعقيبات من ستون ويكتفي بالانتقال إلى سؤال آخر بعد أن يختم بوتين حديثه، فيعامل كل كلام الرجل على أنه حقيقة محضة ومستقلّة؛ أثناء حديث بوتين عن أن روسيا لا تقوم بمراقبة الاتصالات ولا تتجسّس على مواطنيها يسأل ستون إن كان هذا الكلام مطبّقًا على المسلمين الروس أيضًا ويؤكد بوتين ذلك. في وقت تصوير الجزء التالي كان هناك قرار روسي يشرعن مراقبة الاتصالات، وعزّى بوتين ذلك لوجود إسلاميين روس في سورية يقاتلون مع "داعش" ويجب الحفاظ على سلامة الدولة من وصول الإرهاب إلى البلاد، ويمرّ هذا التعارض أمام ستون دون أن يستغلّه ويكتفي بالانتقال لحديث آخر.

خصّص للسينما مساحة جيّدة من الحديث؛ فمعظم الحديث عن إدوارد سنودن يتخلّله مشاهد من فيلم سنودن الذي أخرجه ستون أيضًا، ولابدّ من الإشارة أن صورة سنودن في الولايات المتحدة لاتزال مثار جدلٍ بين من يراه خائنًا أو بطلًا ضحّى بكلّ شيء، وبإمكاننا الجزم أن حديث بوتين عن تواصل الروس معه منذ كان في الصين لن يجمّل صورته في عيون الأميركيين.

يستحوذ الحديث عن علاقة روسيا مع الولايات المتحدة على مجمل اللقاءات، وفي معرض ذلك يذكر ستون فيلم Dr. Strangelove or How I Learned to Stop Worrying and Love the Bomb للمخرج ستانلي كوبريك داعيًا الرئيس لمشاهدته بكونه كلاسيكيًا ويتناول العلاقات الروسية - الأمريكية، بعد عدة مشاهد نرى ما يشبه "أمسية سينمائية"، يشاهد فيها بوتين فيلم كوبريك بينما ينظر ستون غامزًا بعينيه ليرى ردّة فعل الرئيس الروسي على خاتمة الفيلم، ولا يبدو أن بوتين قد استوعب فعلًا ماهية الفيلم الساخر بقوله أن الفيلم يستدعي التفكير رغم أن ما يعرض على الشاشة ليس حقيقيًا.

إن الغموض الذي يلّف روسيا بالنسبة للأمريكيين لا يتبدّد عبر هذه الحوارات، ويأتي ذكر بعض المواضيع الحساسة بشكل مريب ووفق الرواية الروسية مجددًا؛ فبحسب بوتين لا يوجد محظورات بالنسبة للمثلية الجنسية في روسيا، وتقتصر القوانين على التغرير بالقصّر. وأثناء سؤال ستون إن كان بوتين يحظى بأيّام سيئة، يرد بوتين أنه ليس إمرأة حتى يكون لديه أيّام سيئة.

يتداعى كل شيء عند الحديث عن سورية، فالمخرج الأميركي لا يبدو ملمًّا بمجريات الأمور ويبدي صدمته من عدد الغارات الروسية اليومية على سورية، ويتقوقع على نفسه في حديث بوتين عن وجود القوّات الروسية الشرعي في سورية، متسائلًا عن حجم المشكلة ومستفسرًا عن الدول التي تدخل الأجواء السورية؛ والتي لا يبدو أن بوتين بنفسه يعرفها جميعًا، وينتقل بوتين لعرض مقطع فيديو لغارة تنفذها روسيا على "الإرهابيين" في سورية؛ تبيّن لاحقًا أن المقطع المذكور هو فيديو لغارة أميركية على أفغانستان عام 2013.

خيّبت السلسلة الوثائقية توقّعات الجميع وبقيت محصورةً في خانة الثرثرة المزعجة حتى من الناحية التقنية؛ بظهور صوت المترجم معظم الوقت، وسط ابتسامات بلهاء من ستون ورباطة جأش هائلة من بوتين الذي يأخذ وقته في الحديث ويهيمن بشخصيته القويّة على ضآلة المحاور، اختتم ستون سلسلته بقوله أن بوتين ليس عدوًا والإشارة إلى استعمال الرئيس الروسي مصطلح "الشركاء الأميركيين" طوال الوقت.

المساهمون