الميراث في المغرب: للأُنثى حظ الذّكر (1 – 2)

الميراث في المغرب: للأُنثى حظ الذّكر (1 – 2)

08 مايو 2017
(على الحدود بين مليلية والمغرب، تصوير: ديفيد راموس)
+ الخط -
المرأة ترث نصف نصيب الرّجل، هكذا نصّ القرآن، منذ خمسة عشر قرنًا. في زمن مختلف تمامًا، اجتماعيًا واقتصاديًا. زمن كانت فيه المرأة بالكاد تحمل صفة "إنسان" في مجتمع تلك الفترة، لذا كانت الأحكام التي جاء بها القرآن على المستوى الاجتماعي تشكّل ثورة على ما كان سائدًا. بينما الآن، أصبحت المرأة مسؤولة في حالات كثيرة عن نفسها أولًا، وعن أسر كاملة في بعضها.

ولم يعد الرّجل معيلًا وحيدًا للأسرة، ولم تعد المرأة "عالة" عليه، تنتظر ما يقدّمه الأب والأخ والزوج والابن، وتنتقل بين بيوتهم جميعًا إلى أن تموت. بل تعمل، وتقيم وحدها، أو مع أولادها في حالات الطّلاق أو الترمّل. أصبحت المرأة الآن أكثر من أي وقت بحاجة إلى كلّ الموارد المالية التي يمكنها الحصول عليها، لتعيش. فهل تبقى قسمتها هي نفسها في الميراث؟ ألا يمكننا تقديم قراءة أخرى للنصّ القرآني؟.

منذ توصية المجلس الوطني لحقوق الإنسان، منذ سنتين، في تقرير بتغيير مدوّنة الأسرة لمساواة نصيب المرأة مع الرّجل في الميراث، تدور في المغرب رحى نقاش حاد حول الموضوع. وبعد أن هدأت الزّوبعة التي أثارها تقرير المجلس لبعض الوقت، أثيرت مرّة أخرى، مع تصريحات محمد عبد الوهاب رفيقي، أحد الوجوه السّلفية المعتدلة. الذي بعد ظهور مثير للجدل في برنامج تلفزيوني، ذهب إلى ضرورة مراجعة أحكام الميراث، وظهر في عدة فيديوهات يواجه بها الانتقادات، ويشرح موقفه بشكل أكثر تفصيلًا.


الشرع يُحترم في الميراث فقط
لماذا لا تنفّذ كلّ الأحكام الشّرعية الأخرى، وتتوقّف عند عدم تجاوز النص القرآني على مسألة الميراث فقط؟ من هذا المنطلق يبدأ رفيقي النقاش حول أحكام الميراث، ويقول إن هناك متغيّرات حتمية تفرض النّقاش حول الموضوع، متغيرات اجتماعية بين القرن الأوّل هجري والقرن الخامس عشر. إذ تعرّضت المرأة لظلمٍ كبير سابقًا، لكن بما أننا الآن نحن في عصر ندافع فيه عن المرأة، يجب تغيير منظومة القوانين المتعلّقة بالمرأة، وقانون الميراث من القوانين التي تلمسُ المرأة في الصميم.

ويجب أن نناقش أحكام الميراث، بالرّغم من البطاقة الحمراء التي تُرفع في وجه كلّ من أراد أن يفتح النّقاش حول الموضوع. بدعوى أن النّصوص قطعية، ولا مجال لتغييرها. ويسأل رفيقي: لكن كيف نعرف أن النّص قطعي ولا يمكن تغييره؟ وهل قطعية الدّلالة والثبوت كافية لنزول حكم؟ ويجيب، إنه حتى عند الفقهاء والأصوليين، لا تتحقّق النّصوص إلا بتحقق المناط، أي بتحقق المقاصد التي شرعت لأجلها.

وحده فتح باب الحوار حول الموضوع، يمكّن من معرفة ما إذا كان السّياق ما زال صالحًا للآية. إذ يجب في ما يتعلق بالأحكام الاجتماعية في القرآن، مراعاة السّياق الاجتماعي، ومن خلال العودة إلى سياق نزول الآية، ندرك أنه في ذلك الحين لم تكن المرأة ترث شيئًا، بل كانت هي نفسها، تُورث مع متاع الرجل.

وردًا على الانتقادات التي طاولت آراءه حول الميراث، بالقول، إن أحكام الميراث، قطعية، يقول رفيقي، أليست هناك أحكام قطعية الدّلالة والثبوت، لا يتمّ العمل بها لأسباب مختلفة؟ منها آيات القتال والجزية والعلاقة مع الآخرين من الدّيانات المختلفة؟. وجهاد الطلب، وغزو الآخر، وقتاله، وتُفَسّر بأنها جاءت في سياق تاريخي يتميّز بالصراع بين المسلمين وغيرهم. بالإضافة إلى آيّات الرق، التي قُدمت بشأنها تعليلات تتعلّق بكونها محددة في الزّمن الذي أُنزلت فيه، والذي كان يعرف وجود ظاهرة الرق.

وإذا تعاملنا بشكل غير قاطع مع بعض النّصوص القطعية النّزول والإثبات، فيجب أن نفعل معها جميعها، ولا نتوقّف عندما نصل إلى المرأة، التي كانت دائمًا كائنًا ضعيفًا في مجتمعنا.


الأنصبة ليست خطًا أحمر
ماذا عن الأنصبة؟ كيف سيتمّ تقسيمها، لتحقيق المساواة في الميراث بين الرجل والمرأة؟ "لم أطالب بتحقيق المساواة بين الرّجل والمرأة في الميراث" يجيب رفيقي المعروف بأبي حفص، في حديث إلى"جيل". "لأنّ الأمر أعقد مما يمكن تصوّره، فلا يمكن مناقشة موضوع الميراث بمعزل عن منظومة الأسرة، وعن الحقوق والواجبات المترتّبة في حقّ كل طرف، لذا لا تنبغي المجازفة بطلب المساواة، دون الانتباه لكلّ هذه التّشابكات".

"لكن تغيّر البُنى الاجتماعية، وتغيّر أدوار الفاعل الاجتماعي يجعل من الواجب علينا تعديل منظومة الميراث بما يتوافق مع هذه المتغيّرات، ولذلك أقترح إعادة النّظر في مفهوم التعصيب (الميراث بالتعصيب، هو أن يأخذ الوارث كل التركة إذا لم يوجد وارث غيره، أو ما بقي منها إذا وجد معه وارث بالفرض)، لأنه منبنٍ على نمط اجتماعي لم يعد قائمًا اليوم، فلم يعد لابن العم، ولا لابن الأخ، واجب تجاه البنت حتى يناصفها الميراث".

ويضيف رفيقي "منطق القبيلة الحامية ليس له وجود اليوم، وبالتّالي أصبح النّظر في أحكام التّعصيب ضرورة. اقترح اليوم أيضًا، تفعيل نظام الوصيّة، وتعديل القوانين التي تمنع الوصية للورثة، والوصية بأكثر من الثلث، لأنّها مبنية على أخبار آحاد، وروايات لا يمكنها معارضة القرآن الذي نصّ على الوصية للوالدين والأقربين، بهذا نحلّ كل الإشكالات ونحقق مقصد العدل الذي هو قيمة القيّم في الإسلام.

وحين سألناه عن طريقة تحقيق الإنصاف في الميراث، ومراجعة حكم الآية القرآنية "للذّكر مثل حظ الأنثيين" الذي ناقشه بشكل عام، أجاب رفيقي، إنه لم يتناول الأنصبة، ولكن ليس لديه مشكل مع من يناقشها، فـ"لا أعتبرها خطًا أحمر".


للأنثى حظّ الذكر
محمد الصبّار الأمين العام للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، في تصريحات صحافية أخيرًا، دافع من جديد عن المساواة في الميراث بين الرّجال والنساء، لوجود حيف يطول هذه الفئة الهشّة بالمجتمع، بحكم تسلّط الأقارب على الفتيات أثناء توزيع الميراث بعد وفاة معيل الأسرة، مع أنّ أغلب الفتيات يساهمن من أموالهن في تشييد منازل الأسر، وتأثيثها، والمساهمة في المصاريف اليومية، فيما يستفيد آخرون أبعد عن الأسرة، فقط لأنهم ذكور.

ويضيف الصبّار، أن هناك مليون امرأة تدبّر شؤون الأسر لعقود من الزمن، ويتمّ هضم حقوقهن، لوجود حيف في القوانين التي تخص النّساء في مسألة الميراث. وتمّ طرح الموضوع للنقاش لأنه مسألة تتعلّق بالمعاملات، وليس بالعبادات.

كما أنّ المساواة في الميراث بين المرأة والرجل، ليس مطلبًا جديدًا، فقد كان محطّ نقاش منذ بداية الستينيات، من طرف مفكرين مغاربة منهم علال الفاسي، وعبدالله العروي وآخرون ممن أثاروا قضايا الميراث وتحديد المناصفة، بالإضافة إلى جمعيات نسائية، وحقوقية. وفي سياق متصل، دعا الصبّار إلى ضرورة الخوض في نقاش التّجديد الديني، إذ لا بد من ذلك من أجل حلّ عدد من القضايا التي تُطرح بشدّة في عالمنا المعاصر.


القوامة والميراث
وفي السّياق نفسه الذي تحدّث عنه رفيقي المتعلّق بمراجعة منظومة الحقوق والواجبات داخل الأسرة، يذهب تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان، إلى أنّ مدوّنة الأسرة باستمرارها في التّنصيص على المهر كشرط لصحّة الزواج، وإلزام الزّوج بالنّفقة على الزوجة في المادة 194، والأبناء في المادة 198، تكرّس مفهوم قوامة الرّجل على المرأة. الذي يحيل على تفوّق الرجال على النساء، وهو المفهوم الذي تقوم عليه كافة القوانين الوطنية، ويتعارض مع معطيات الواقع، الذي تتكفّل فيه المرأة اقتصاديًا بالأسرة، أو بجزء من تكاليفها، فهذه القوانين لا ترى في المسؤولية الاقتصادية موجبًا للمسؤولية القانونية.

فإذا كانت مدوّنة الأسرة تنصُّ، على سبيل المثال، على أن النّفقة تجب على الأم إن كانت "ميسورة" وعجز الأب كليًا أو جزئيًا عن الإنفاق، إلّا أن هذه المسؤولية المادية لا تخوّل لها الحق في الوصاية القانونية على الأبناء، ولا الحقّ في اقتسام الممتلكات المكتسبة أثناء الزّواج، ولا حتّى المساواة في الميراث، إذ تكرّس المقتضيات التّشريعية المتعلقة بالميراث عدم المساواة بين الرّجال والنساء، انطلاقًا من مبدأ القوامة.

وتخوّل مدوّنة الأسرة حاليًا لأولاد البنت المتوفاة قبل الأب، الحقّ في الاستفادة من "الوصّية الواجبة" التي كانت تهمّ في ما مضى، فقط أولاد الابن المتوفّى قبل الأب، هذه الوصية الواجبة تكون بمقدار حصتهم مما يرثه أبوهم عن أصله المتوفّى، على فرض موت أبيهم إثر وفاة أصله المذكور، وتكون حصّة أولاد البنت دون حصة أولاد الابن، فلا يحق للنّساء، نظرًا لأنهن يرثن بالفرض ( النصيب المقدر للوارث شرعًا) الحصول إلّا على حصّة مقدرة من الميراث، وفقًا لدرجة قرابتهن من المتوفّى، وصفة باقي الورثة لا غير. في حين أن الرّجال، الوارثين بالتعصيب، أي الذين تربطهم علاقة قرابة بالمتوفّى من جهة الذكور فقط، يحقّ لهم أخذ جميع التركة.

ويحق في الميراث للذّكر مثل حظ الأنثيين، وترث البنت الوحيدة بالفرض نصف التّركة، وتتقاسم ابنتان فأكثر الثلثين، بشرط انفرادهما عن الابن، ويذهب الباقي إلى باقي الورثة، وإلى الدولة في حال عدم وجود ورثة آخرين؛ أما الابن الوحيد الذي يرث بالتّعصيب، فيأخذ جميع التّركة بعد أخذ ذوي الفروض فروضهم؛ وتأخذ الزّوجة ثُمن تركة زوجها في حال وجود أبناء، بينما يأخذ الزوج ربع تركة زوجته مع وجود الأبناء.


الحيف في الميراث يعمق فقر النّساء
تساهم القواعد المنظمة لمسألة الميراث، يختم تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان،" في جعل الفتيات والنّساء أكثر عرضة للفقر والهشاشة، حيث تضطر العديد من النساء، إلى التخلّي عن حصّتهن من التركة لفائدة أقاربهن من الذكور، بذريعة الحفاظ على الأملاك داخل الأسرة، أو الاستسلام لبعض الممارسات العرفية التي تقوم بتجريدهن من نصيبهن في التركة، أو من الأرض كما هو الشأن في القواعد التي تحكم الملكية الجماعية للأراضي".

لهذا تسعى الأسر بشكل متزايد، إلى التّحايل على تطبيق المقتضيات المرتبطة بالميراث، من أجل حماية مصالح بناتهن، أو من أجل تحقيق الإنصاف بين الأبناء الذّكور والإناث، عبر اللّجوء إلى كتابة الأملاك باسم الزّوجة، أو الأبناء بالاسم.

المساهمون