التسوّق في مصر.. المشهد الذي أصبح خيالياً

التسوّق في مصر.. المشهد الذي أصبح خيالياً

21 مايو 2017
(أسواق القاهرة، تصوير: سبنسر بلات)
+ الخط -

المال لا يشتري السعادة، هذه نظرية صحيحة، فالمال الكثير هو من يشتريها، هكذا تثبت الدراسات والأبحاث العلمية، وليس فقط تجارب الآخرين، وحكاياتهم الشخصية، فتلك منحها عقد من الألماس سعادة عارمة حين فاجأها به حبيبها في صباح يوم ميلادها، وهذه اشترت لنفسها سيارة ذات موديل حديث، كمكافأة عن متاعب عمل عام كامل، أما الأخرى فقد كفل لها السفر عبر عدّة دول سعادة أنستها مضايقات البعض عن عمرها الذي تجاوز الثلاثين دون زواج، في الولايات المتحدة أثبتت الإحصائيات أن نصف عدد الأميركيين يتحسّن مزاجهم بالذهاب إلى التسوّق.

وأوضحت دراسة أخرى في البرازيل، أن 70% مممن خضعوا للاختبارات، تحسّن مزاجهم فور قيامهم بعملية التسوّق، أما العلماء الإنكليز، فقد أثبتت أبحاثهم أن نصف نساء العالم مهووسات بالشراء، وأن ذلك يمنحهن فرصة للتخلّص من أعراض الوحدة والاكتئاب.

سكّان الخليج كذلك منحتهم الدراسات قدرًا خاصًا من الاهتمام، فقد أثبت بعضها أن المرأة الخليجية تصرف أكثر من 2 مليار سنويًا على عمليات الشراء، وأن 33% من نساء المملكة العربية السعودية يتسوّقن أكثر من خمس مرات شهريًا للخروج من شعورهن بالاكتئاب، أما مصر فقد حارت في أمرها الدراسات، فقد أثبتت مؤخرًا أن نسوتها لا يخضعن للقواعد، وأن كل الإحصائيات والبيانات، والقواعد النفسية، لا تصلح للتطبيق في مصر، التي لا يعالج فيها التسوّق الاكتئاب، لكنه ربّما يدفع للانتحار.

في صباح بدا عاديًا منذ بدايته، قررت ريم أن اليوم مناسب لإتمام عملية التسوّق، التى أجّلتها منذ مطلع الصيف، لكن هذا اليوم بدا مثاليًا لتنفيذ ما بدا مستحيلًا في غيره، كان اليوم هو مطلع الشهر، ليس أوّله بالتحديد، لكنه اليوم الذي تلا قبض راتبها، إذن فهو مطلع الشهر، مهما تأخّر، سددت ريم ما كانت قد استدانته لشقيقها الأكبر، واطمأنت أن المتبقّي سيعينها على قضاء المهمّة المستحيلة، وخرجت ريم إلى الأسواق، من شارع قصر النيل، إلى ميدان روكسي، ثم عباس العقاد ومجموعة من المولات.

لم تختلف الأسعار في أي منها، ولتكتشف الفتاة العشرينية أن راتبها بأكمله سيضيع فداءً لزيّ جديد، ربّما لا يكتمل بحذاء وحجاب ملائمين، إحباط واكتئاب، خرجت بهما ريم من جولتها للتسوّق، غابت عنها كل الصور المفرحة للفتاة التي تحمل حقائب الشراء، تلقيها على سريرها، ثم تلقي نفسها بينها، ذلك المشهد الذي أصبح خياليًا، أيقنت ريم أنه سيكلّفها راتب خمسة أشهر على الأقل كي تستطيع شراء ما تمنته أثناء الجولة.

موجة جديدة من الغلاء، ارتفاع آخر في الأسعار، الحكومة تبدأ في وضع خطة تقشّف جديدة، أخبار يومية يتابعها الرجل الستيني، الذي خرج على المعاش منذ سنوات، لكن معاناته الحقيقية بدأت منذ شهور قليلة، يزداد عبوس وجه العم سيد، في كل مرّة تضطره الظروف للنزول إلى السوق، لا يذهب الرجل بعيدًا نحو المولات الكبيرة، والهايبر المستحدثة، فقدماه لا تعاونانه على الارتحال بحثًا عن عروض وهمية "العروض دي تفرّق لناس بتشتري كميات لكن أنا هشتري إيه يا حسرة"، منذ بدأت موجات الغلاء، عرف سيّد وزوجته طريقهما للعروض، لكنها عروض مختلفة "شروة قوطة نصها مفعص.. أو كام كيلو بطاطس اتخزّنت غلط.. أو كام كيلو هياكل فراخ الفرارجي بيحوشهم لينا كل كام يوم".

التسوّق في مصر، لم يعد مجلبة للسعادة، وأضحت لحظة الوقوف أمام ماكينة الكاشير، تتشابه إلى حد كبير مع الوقوف على الصراط المستقيم، في انتظار القرار إما بنعيم الجنة، أو بلهيب النار، تلك اللحظة التي ذاق مرارتها أكرم، أثناء وقوفه أمام إحدى ماكينات الكاشير مع بداية التجهيز لشهر رمضان، فوجئ أكرم بالزيادة المبالغ فيها في أسعار الياميش، فقد وصل كيلو التمر الذي اشتراه العام الماضي بـ 15 جنيها إلى 27 جنيهًا.

الزيادة لم تكن في التمر فقط، بل طاولت كافة أنواع السلع الرمضانية، الزبيب، والقراصيا، والمشمشية، والتين، وقمر الدين، زيادة لم تكن للضعف فقط، بل وصلت في بعض الأحيان إلى ثلاثة أضعاف، قرّر أكرم وزوجته الاكتفاء بكميات قليلة من الياميش، ومنع المكسرات على إجمالها، لكن ما أن ذهب الشاب حديث الزواج إلى قسم اللحوم، حتى عرف الكارثة الكبرى، فقد ارتفع سعر كيلو اللحم مجددًا، فوصل إلى 140 جنيها بعد أن توقف لفترة عند حدود 125 جنيها للكيلو، لم يشتري أكرم لحومًا لرمضان، فقد قرّر تمضيته مع أسرته توفيرًا للنفقات، مع الاحتفاظ بأمل أخير بأن يمرّ رمضان "كريماً" .

المساهمون