طلّاب المسرح في سورية.. الاحتجاج في دور البطولة

طلّاب المسرح في سورية.. الاحتجاج في دور البطولة

11 مايو 2017
(طلاب المعهد العالي للفنون المسرحية بسورية/ فيسبوك)
+ الخط -
في سورية، لا يوجد سوى أكاديمية واحدة مختصّة في تدريس فنّ التمثيل، وهي المعهد العالي للفنون المسرحية، والذي تتجّه نحوه كل أحلام الشباب العاشق لهذا النوع من الفنون؛ وفي المعهد تتكسّر أحلام الشباب عادةً، ففي حين يتقدم كل سنة ما يقارب ألف طالب للدخول إلى المعهد، فإن الإدارة لا تقبل منهم سوى 15 أو 20 طالبًا في أفضل الأحوال؛ فيبدو هؤلاء في أعين الآلاف، بأنهم المحظوظون الذين أتاحت لهم الإدارة والظروف الدخول إلى الأكاديمية السورية التي تخرّج منها أشهر نجوم الدراما السورية.

وبعد أن يتجاوز المحظوظون أسوار المعهد الحصينة، يصطدمون بالواقع، وتبدأ أحلامهم تتكسّر تدريجيًا، ومع مرور الزمن، لا يبقى لهؤلاء المحظوظين أي حلم يجمعهم بالمعهد، سوى حلم مشروع التخرّج، الذي يحظى بحضور جماهيري، ويتابعه بعض المخرجين السوريين، ويقدّم الطلاب بشكل علني إلى سوق العمل.

وكما جرت العادة، فإن التغييرات تتمّ داخل سورية من خلال جرّة قلم وقرارات إدارية؛ وذلك ما حدث في المعهد العالي للفنون المسرحية، حيث قامت عميدة المعهد جيانا عيد، بشطب أحلام الطلّاب من خلال توقيعها على قرار يلغي عرض مشروع التخرّج، ويستعيض عنه بامتحان تمثيل مغلق، لا يحضره سوى لجنة التحكيم التي تختارها إدارة المعهد، وأرفق القرار بتهديد تضمّن فصل أي طالب يمتنع عن المشاركة في العرض المغلق ويعترض على السياسة التي اتّبعتها إدارة المعهد.

أثار هذا القرار غضب طلاب السنة الرابعة في المعهد، فالتقطوا له صورة ونشروها على مواقع التواصل الاجتماعي، وطلبوا من أصدقائهم وزملائهم أن يناصروهم، من خلال استخدام هاشتاغ "أنا بدي مشروع تخرّج للرابعة".

وما هي إلا ساعات حتى انتشر الهاشتاغ على صفحات السوريين، وشارك في التعليق عليه مجموعة كبيرة من نجوم الدراما السورية، على اختلاف انتماءاتهم السياسية، مثل أمل عرفة وعابد فهد وإياد أبو الشامات وغيرهم، ما جعل الهاشتاغ ينتشر بصورة شعبية؛ الأمر الذي حوّل "ثورة الطلاب" على إدارة معهدهم إلى حركة احتجاج طلابية، تشبه إلى حدّ بعيد حركات الاحتجاج والثورات التي قام بها الطلاب في أوروبا منتصف القرن الماضي، رغم أن الطلّاب توجهوا إلى ساحات فيسبوك الافتراضية، بدلًا من التوجّه لساحات المدن السورية.

ورغم أن حركة الاحتجاج الطلابية التي انطلقت من طلاب المعهد العشرة، والذين حالفهم الحظ للدخول إلى الأكاديمية العريقة والوصول إلى سنة التخرج، تمكّنت من جذب فئات كبيرة من الشعب السوري والمشاهير السوريين للمشاركة بها، إلا أنها وجدت أيضًا من يتصدّى لها؛ فالفنانون السوريون الذين اعتادوا أن يومئوا برؤوسهم للموافقة على أي قرار تصدره أجهزة الدولة السورية، حمّلوا الطلاب المسؤولية كاملةً، واعتبروا أن تمرّد الطلاب على قرارات الإدارة، ومشاركتهم من قبل في تحقيقات صحافية تفضح فساد المعهد، وخلوه من الأساتذة المختصّين، هي التي دفعت الإدارة لاتخاذ التدبير اللازم، ودعوا معجبيهم للتصدّي للحركة الطلابية الشرسة، ومناصرة إدارة المعهد، وغزا هؤلاء تعليقات زملائهم لتؤكّد على ضرورة تفهم القرارات الحكيمة وعدم الانقسام.

وبالنسبة للطرق التي عبر بها المتضامنون مع طلاب المعهد عن تضامنهم، فغلب على بعضها الطابع الثوري، فنشر أحدهم صورة للافتة، كتب عليها "أنا بدي عرض تخرّج للرابعة"، في منطقة الدخانية، ويتضّح من الصورة آثار الدمار التي حلّت بـ سورية خلال الحرب، فتبدو الصورة وكأنها جزء لا يتجزأ من حركات الاحتجاج السورية ضدّ النظام ومؤسّساته.

من جهتهم، تحفّظ طلاب المعهد على نسب احتجاجاتهم للفعل الثوري، خشيةً من اتخاذ قرارات جائرة تؤدّي لتدهور أوضاعهم المهنية والأمنية، فاكتفوا بنشر بيانات توضّح القصّة التي أدّت للقرار الذي تسبب في حركة الاحتجاج، وطالبوا بالدعم لإيصال صوتهم وحمايتهم؛ وانتشر العديد من البيانات الموجّهة للصحافيين لتوضح الأمر، ومنها البيان الذي نشرته الطالبة والممثلة السورية الشابة مروى الأطرش، والذي ورد فيه وصف دقيق لمعاناة الطلاب، فأكّدت أن هؤلاء الطلاب درسوا في المعهد في أصعب الظروف، وفي ظل انقطاع الكهرباء، ودرجة الطقس الباردة في استوديوهات المعهد، وإصابة بعضهم بقذائف الحرب السورية في وقت سابق، ورأت بأن القرار الجديد هو قرار جائر ولا يليق بمعاناة هؤلاء الطلاب.

ولم تفلح كل تلك الحملات والصدى الإعلامي بتغيير شيء، ومن جهتها، أكدت طالبة وممثلة  في حديث إلى "جيل" أن "إدارة المعهد لم تصرّح بأسباب القرار حتى اليوم، بل هي ترفض أن تقابل أيًا منا، وترفض بشكل قطعي مناقشة الأسباب؛ وأما القرار فهو جاء بعد أن رفض العديد من الأساتذة الاستمرار بالعمل مع الدفعة على عرض التخرّج، بسب ازدحام التصوير التلفزيوني مع اقتراب رمضان، وبسبب خلافات بسيطة بين اثنين من طلاب الدفعة؛ فقد سبق وأن جلبت الإدارة كلًا من عبد المنعم عمايري وأحمد الأحمد وغسان مسعود وتامر العربيد، وكلفتهم بالإشراف على مشروع التخرّج وانسحبوا".

وفي ظلّ هذا الاحتدام، وإصرار إدارة المعهد على موقفها، لا يمكن التنبؤ بمصير هؤلاء الطلاب، وبفعالية حركة الاحتجاج الطلابية التي قاموا بها.