السلاح الفرنسي... مطلوب عربياً

السلاح الفرنسي... مطلوب عربياً

08 ابريل 2017
لعبت البنوك الفرنسية دورا كبيرا في تمويل الصفقات(فرانس برس)
+ الخط -
يعد قطاع الدفاع رافعة للاقتصاد الفرنسي خلال السنوات الأخيرة، فعلى الرغم من المشاكل التي تعيشها بعض القطاعات الحيوية الأخرى كصناعة السيارات، التجهيزات والسياحة، إلا أن القطاع الحربي يشكل استثناء حقيقيا، حيث بلغ رقم معاملات بيع السلاح الفرنسي 16 مليار يورو سنة 2015 ما يمثل ضعف ما بيع سنة 2014.

وحسب تقرير المعهد الدولي للبحث حول السلام باستوكهولم فإن فرنسا هي ثالث بائع للسلاح بالعالم خلف الولايات المتحدة الأميركية وروسيا في ظل ارتفاع نسبة التسلح العالمي بحوالي 20% في الفترة ما بين 2010 و2015 مقارنة بين سنتي 2005 و2009. علاوة على ذلك، يشغل قطاع الدفاع ما يقارب 165000 شخص ومن المنتظر أن يصل إلى 200000، بعدما نجحت فرنسا في إبرام العديد من الصفقات الحربية.

ويساهم قطاع الدفاع بشكل كبير في الرفع من الناتج الداخلي المحلي لفرنسا، وتقوية الشركات المتخصصة في الصناعة العسكرية وامتصاص البطالة خاصة لدى التقنيين المختصين في صناعة الطائرات الحربية والمعدات العسكرية.

الدول العربية سوق هام للأسلحة الفرنسية
ومما يلاحظ في هذا الشأن، أن الدول العربية وعلى رأسها السعودية، الكويت ومصر مثلت أهم سوق لبيع الأسلحة الفرنسية خلال الثلاث سنوات الأخيرة، فقد أكد وزير الدفاع الفرنسي "جان-إيف لودريان" أن الدول العربية تعتبر سوقا هاما بالنسبة لفرنسا وقد نجحت فرنسا في الحصول على صفقات كبيرة كصفقات بيع طائرة الرافال، مؤكدا أن الدول العربية تشتري السلاح بكميات كبيرة وتدفع مقابله نقدا وبشكل كامل دون أي تعسر مالي أو مشاكل في سداد قيمة الصفقات، كما أشاد الوزير الفرنسي بالصفقة العسكرية مع مصر واصفا إياها بالهامة والسابقة من نوعها بين فرنسا ومصر، حيث كانت مصر تتجه في العقود الأخيرة نحو المصنع الأميركي لاقتناء الأسلحة، فالتحولات الجيوسياسية التي يعرفها الشرق الأوسط ساهمت في هذا التغيير الاستراتيجي ونزوح مصر إلى فرنسا لشراء أسلحة بما قيمته 5.2 مليارات يورو.

وقد حظيت الصفقة العسكرية مع مصر باهتمام إعلامي واسع في مراحلها الثلاثة، حيث بدأت الصفقة بعقد تسليح ينص على توريد فرنسا 24 طائرة مقاتلة من طراز "رافال"، علاوة على فرقاطة متعددة المهام من طراز "فريم" لمصر، فضلًا عن تزويد القوات المسلحة المصرية بالأسلحة والذخائر اللازمة للطائرات والفرقاطة.


أما المرحلة الثانية فتجلت في عقد شراء حاملتيّ المروحيات من طراز "ميسترال" في نهاية سنة 2015، ثم المرحلة الأخيرة التي خصصت لشراء 4 مقاتلات بحرية من طراز "جوييد".

وكان مكتب الرئاسة الفرنسية قد أصدر بلاغا رسميا في سبتمبر/ أيلول 2015، أعلن فيه نجاح الصفقة العسكرية مع مصر، كما أكدت صحيفة "لاتربيون" الفرنسية أن الرئيسين الفرنسي والمصري اتفقا على تفاصيل الصفقة وأن هناك رغبة كبيرة لدى الجانب المصري لشراء أسلحة أخرى لتعزيز الأسطول البحري، ومعدات الصواريخ، وتكوين المقاتلين في إشارة إلى فعاليات المرحلة الرئيسية للتدريب المشترك "رمسيس-2016" والذي شاركت فيه عناصر من القوات الجوية والبحرية المصرية والفرنسية أمام سواحل مدينة الإسكندرية والمجال الجوي المصري في شهر مارس/ آذار 2016، وذلك في إطار خطة التدريبات المشتركة للقوات المسلحة لكلا البلدين.

تمويل الصفقة المصرية
وقد أثار تمويل الصفقات العسكرية المصرية الكثير من الجدل، حيث يرى العديد من المحللين أن السعودية والإمارات ساهمتا في تمويل صفقة الأسلحة الفرنسية، كما أكدت صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية أن السعودية والإمارات هما الممولان الرئيسيان لصفقة "ميسترال". وعلى العكس من ذلك، كشف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في مقابلة تليفزيونية في فبراير/ شباط 2015، عن أن صفقاته المتعددة لتسليح الجيش المصري تتحمل فاتورتها القاهرة وحدها، حين قال إن باريس أقرضت القاهرة 3.2 مليارات يورو لتمويل صفقة رافال والسفن العسكرية، وكان مجلس النواب المصري قد وافق في مطلع سنة 2016 على اتفاقية قرض مثيرة للجدل بين الجيش المصري ممثلا بوزارة الدفاع المصرية وبنوك فرنسية بقيمة 3.4 مليارات يورو بضمان وزارة المالية دون تحديد تفاصيل لمدة القرض أو طرق سداده ولا نسبة الفائدة.

وقد لعبت البنوك الفرنسية دورا كبيرا في تمويل هذه الصفقات، حيث تضمنت الاتفاقية قرضا بين وزارة الدفاع ومجموعة من البنوك الفرنسية، من خلال بنك كريدي أغريكول للشركات والاستثمار، بمبلغ 3.4 مليارات يورو تمثل 60% من قيمة عدد 4 عقود لتوريد معدات تسليح لمصر، قيمتها الإجمالية 5.6 مليارات يورو على أن تقوم وزارة المالية بضمان وزارة الدفاع والإنتاج الحربي في سداد هذا القرض.

وذكرت بعض المصادر الصحفية الفرنسية أن تمويل الصفقة تم من خلال تركيب مالي، أشرفت عليه الهيئة الفرنسية لتأمين التجارة الخارجية كوفاس المدعومة من الدولة الفرنسية التي قامت بضمان العقود المبرمة بين الجانبين بنسبة 50% من قيمتها، مقابل قيام مصر بدفع مبلغ أعلى بقليل من القيمة الأصلية للصفقة. ويتكون هذا التركيب من عشر مؤسسات مالية تقودها ثلاثة بنوكٍ فرنسية كبرى هي "كريديه آغريكول" و"سوسييتيه جنرال" و"بي إن بي باريبا"، وهي مؤسسات بنكية فرنسية ذات حضور وازن في مصر وأفريقيا عامة.

معارضة فرنسية للصفقة المصرية
من جانب أخر، لاقت صفقات السلاح العربية معارضة قوية داخل العديد من الأوساط الفرنسية التي ألقت باللوم على الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، منبهة إلى أن هذه الصفقات تتم ضد تقدم حقوق الإنسان بالدول العربية، وقد أبانت مجموعة من المنظمات الأهلية امتعاضها من هذه النوعية من الصفقات واصفة الدولة الفرنسية بازدواجية الخطاب، حيث اعتبرت أن فرنسا التي تعد مثلا في الديمقراطية والحريات والتي ما فتئت تسعى لنشر الحريات العامة والحقوق السياسية تبيع أسلحة لدول تعيش تقهقرا في أوضاع حقوق الإنسان. بالإضافة إلى ذلك، قامت مجموعة من النواب الفرنسيين الممثلين للحزب الاشتراكي الحاكم ومنهم: فرنسوا لونكل، بينوا أمون، وبوريا أميرشاهي، بانتقاد هذه النوعية من الصفقات مذكرة بضرورة حظر بيع السلاح الفرنسي للدول التي تشهد انتهاكات لحقوق الإنسان وقمعاً للحريات.

ختاما
يمكن تفسير هذا الجموح العربي نحو السلاح الفرنسي بديلا عن الأميركي الذي شكل مصدرا رئيسيا لتجهيز الجيوش العربية خاصة بعد تفتت الاتحاد السوفياتي برغبة القيادات العربية بتنويع مصادر السلاح، وكذلك ردا على سياسات الإدارة الأميركية السابقة والتي اعتبرتها بعض الدول العربية استفزازية كالاتفاق النووي مع إيران والموقف الأميركي من القيادة المصرية.

ويبقى بذلك التساؤل مطروحا حول ما إذا كان هذا التحول العربي نحو السلاح الفرنسي ظرفيا فقط كرد على المواقف الأميركية السابقة، وربما قدوم دونالد ترامب قد يغير مواقف الدول العربية ويرجعها إلى الحاضنة الأميركية، أم أنه تحول استراتيجي نابع عن قناعة تامة بأهمية تنويع السلاح وإقامة علاقات عسكرية مع دول أخرى قادرة على أن تكون سندا للدول العربية في مواجهة تحدياتها الدولية والإقليمية.