موريتانيا: "تجويع" طلبة الدراسات العليا في الخارج

موريتانيا: "تجويع" طلبة الدراسات العليا في الخارج

04 ابريل 2017
(أمام سفارة التعليم العالي، صفحة طلاب موريتانيا/ فيسبوك)
+ الخط -



من خلال احتجاجاتٍ تتكرّر دومًا، في داخل البلاد وخارجها، يعبّر الطلاب الموريتانيون عن تذمّرهم من الوضع الصّعب الذي يعيشونه في مسارهم بالدراسات العليا. يتفقُ في هذا الطلبة في داخل موريتانيا وخارجها، خاصّة في الدوّل القريبة جغرافيًا من موريتانيا كالجزائر والمغرب وتونس والسنغال. وما يدفع الطلبة هنا إلى الاحتجاج في كلتا الحالتين هو وضعية التهميش التي يعيشونها في مسيرتهم التعليمية، والتي تشكّل خطوةً متقدّمة في التعليم العالي المُصنّف معيارًا تنمويًا مُهمًّا في تقدّم البلدان.

هذه الوضعيّة التي يعيشُ الطلبة الموريتانيون تتعلّق بتلك المتطلّبات الأساسية في عمليّة التحصيل، سواءً تعلّق الأمرُ بالوسائل اللوجستيّة التي تسهّلُ من مواصلة الدراسة، أو تعلّق بالمنح الماليّة، والتي من شأنها مساعدتهم في إتمام عمليّة التحصيل بأريحيّة. لهذا فهم، ومنذ عامين تقريبًا، منخرطون في عمليّة احتجاجٍ مستمّرة، طلبًا لحقوقٍ أساسيّة، اعتبروا أنها أُلغيت مع تولي سيدي ولد سالم وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في عام 2014، بعد التعديل الحكوميّ الطفيف الذي حدث في شهر أغسطس/ آب، وقد جاء ذلك التعيين بعد وظائفَ سياسيّة وإدارية عدّة مارسها في السابق. في سياسته الحكوميّة الجديدة قدّم سيدي ولد سالم سياساتٍ أثارت جدلًا كبيرًا في أوساط الطلاب الموريتانيين في الداخل والخارج.


قرارات تثير الغضب
يرى الوزير سيدي ولد سالم أن السياسات في مجال التعليم العالي ينبغي أن تكون مرتبطة بمتطلّبات الاقتصاد الوطنيّ، واستنادًا لذلك فقد أقدم على قراراتٍ ناهضتها أغلبية النقابات الطلابية الموريتانية النشيطة، لعلّ أهمّها: تقليص المنح الخارجية، بحجّة أنّها تكلّف الدولة أموالًا طائلة، يمكن استثمارها في سياساتٍ محليّة لتطوير التعليم العالي، أو اشتراطُ نقاط معينة في الملفّات المقدّمة للمنحة، وهي أن تكون متحصّلة على 7 نقاطٍ فما فوق.

إضافة إلى هذا القرار، الأهمّ هو تقليص المنحة الماليّة للطلّاب في الخارج، خاصّة الدول المذكورة أعلاه. هذه القرارات التي ظهرت في عام 2016 ولدّت تذمرًا في أوساط الطلاب في الخارج، تطوّرت إلى ما نشهده اليوم من موجة احتجاجاتٍ قويّة بدأت منذ نحو أسبوعين تقريبًا في كل من الجزائر وتونس والمغرب والسنغال، وقد تخلّلتها اعتصاماتٌ مفتوحة أمام السفارات وحالاتُ إضرابٍ عن الطعام بين صفوف عددٍ من الطلاب، سعيًا لتحقيق المطالب المرفوعة التي يعدُّ صرف المنحة بشكلٍ ملحٍ أوّلها.

احتجاجات الطلبة الموريتانيين في الخارج متواصلة إلى حدّ الساعة، وقد أثارت اهتمام عددٍ لا بأسَ به من الناشطين والحقوقين والسياسيين، فطالبوا بتلبيّة مطالبهم بشكلٍ سريع ومُلح قبل فوات الأوان. في حديثٍ له مع "جيل"، قال رئيس المكتب المركزي التنفيذي لاتحاد الطلبة والمتدرّبين الموريتانيين في الخارج، إسماعيل ولد حرمة الله: "الوضع مزرٍ للغاية، وأكثر شيءٍ يؤلمنا كطلبة موريتانيين في الخارج هو التعامل المهين من طرف سفارتنا، وبالنسبة لوضع الطلبة في الجزائر فلدينا ثمانية طلاب مضربون عن الطعام يدخلون في يومهم الخامس، وأوضاعهم الصحيّة حرجة، إذ إنّ من بينهم الآن من هو في الحالات المستعجلة ويمتنع عن تناول الطعام حتى نيل المطالب". مضيفًا: "لا توجد تبريرات مقنعة لهذا الوضع الكارثي، وما يدعو للسخرية أن الطلبة فاجأهم قطع المنح بدل صرفها".

وفي تونس، غير بعيدٍ من الجزائر، حيثُ تجرى أيضًا احتجاجاتٌ طلابيّة متزامنة، قال الطالب في كلية الطب بجامعة تونس، إسلمو ولد أعمر، في حديثه إلى "جيل"، حول وضعية الطلاب هناك: "من أهم المطالب التي تتصدّر العريضة المطلبية هو صرف المنح للطلاب المنسيين، أي ما يزيد على 80 طالبًا في تونس، وحدها بعد مشكلة تأخّر صرف المنح القديمة. ويدلّ هذا الوضع على عدم اهتمامٍ بالطلاب وعدم تقدير جهودهم وتميّزهم، فلم نسمَع قط من الجهات المعنية عن مشروع وضع خطة لدراسة إمكانية تحسين ظروف الطلاب وزيادة مبالغ المنحة، ويعيش الطلبة الموريتانيون في تونس بالأخص ظروفًا مزرية بسبب غلاء المعيشة وعدم توفر السكن الجامعي للجميع، ما يؤدّي بالطلاب إلى عدم الاستغناء عن الأهل، دون أن أنسى القول بأنّ المشكلة تراكمية من الدرجة الأولى، فطريقة إعلان الوزارة عن استقبال الملفات وطريقة إدارتها للجنة المنح وكيفية إرسال الملفات، كل هذا يتم بطريقةٍ ضبابية لا نقاش فيها مع الطلاب ولا حظّ لهم في معرفة التفاصيل".

ويضيف أسلمو ولد اعمر: "أذكّر بقضيتين خاصتين بالطلبة في تونس، أولاهما أنّ الوزير كان هنا في الأسبوع الماضي، ورفض مقابلة ممثلي الطلاب، ثانيًا، هناك قضية معروفة بقضية الطلاب الأربعة المنسيين الذين قام الوزير بشطب أسمائهم بعد أن ظهرت في لائحة الممنوحين". وكانت الصحافة الموريتانيّة قد نشرت في 27 من أيار/ أبريل 2015 وثائق تكشفُ تلاعبَ الوزير بحقوق هؤلاء الطلاب الأربعة.

على الرغم من حملات التضامن القوية التي قام بها الفاعلون في الشأن العام الموريتاني مع احتجاجات الطلاب في الخارج، إلّا أن الوزارة المختصّة بالأمر لم تقدّم حلًا للمسألة حتى الآن، في ظلّ ما يهدّد حياة الطلبة المحتجّين من مصيرٍ مجهول.


في انتظار المُساعدة
يأملُ حمود ولد ختاري، الطالب بكلية الآداب والعلوم الإنسانية في جامعة نواكشوط، الحصول في أقرب وقتٍ على مبلغ 51000 أوقية، بعد أن استطاع النجاح في السداسيات الأوّل والثاني والثالث. يقولُ في حديث إلى "جيل": "أنا بحاجةٍ لهذا المبلغ، الذي لا يُتاح سواه بالنسبة لمن هو في وضعي الآن. على الأقل سيساعدني في مصاريف النقل اليومية من وإلى الجامعة، إضافة إلى تأمين وجبة طعامٍ يومية في المطعم الجامعيّ، كما أنه يساعد أيضًا في شراء نسخٍ ورقية من المحاضرات، وشراء بعض اللباس قبل انطلاق امتحانات الفصل الرابع الجاري حاليًا".

يقطن الشاب العشرينيّ حمّود في حيّ الرياض، جنوب نواكشوط، وهو يأملُ الحصول على المبلغ لتأمين مصاريفٍ ومستلزماتٍ دراسية تساعده أسرته بشكلٍ محدود في تأمينها، ولكنه يعبّر عن مخاوفٍ من ألا يتحقق أمله: "سمعتُ بعض الطلاب يقولون بأنهم لم يتسلّموا شيئًا في السابق، على الرغم من استيفاء الشروط، وأنا لستُ مستعدًا لهذا الحال، لأنني قد تعبتُ كثيرًا من أجل استيفاء تلك الشروط الثقيلة".

أملُ حمّود هو أملُ عددٍ كبير من طلاب جامعة نواكشوط، الذي يعيشون وضعًا يوميًا صعبًا، في التنقل من وإلى الجامعة في مكانها الجديد خارج المدينة. فكما يتوقّع الذين في وضعية حمّود الحصول على ذلك المبلغ، فإنّ الذين لم يستوفوا جميع المواد في السداسيات الثلاث يتوقّعون الحصول على مبلغ 20000 ألف أوقيّة، تساعدهم في بعض مصاريف الجامعة التي تعيش وضعًا خدماتيًا صعبًا.

الأمين العام للاتحاد المستقل للطلبة الموريتانيين، سيدي ولد بتامة، يقول في حديثه إلى "جيل": "طبّقت المساعدة الاجتماعية ريثما تتمّ دراسة قانون تعميم المنحة، وهذا هو الذي جعل مركز الخدمات يتبجّح ببطلانها لعدم وجود قانونٍ منظّم لها. والمشاكل الإدارية التي تحول دون تقديم المساعدة الاجتماعية هي إصرار مركز الخدمات الاجتماعية على عدم وجود قانون منظمٍ لها، وهذا هو الذي جعلهم يقطعون المساعدة الاجتماعية نهائيًا حتى يتمّ سن قانون ينظمها، وهو ما لم يحدث حتى الساعة على الرغم من مرور عامين على انقطاعها"، مضيفًا: "كل هذا حسب مسؤولي الخدمة الجامعية بأمرٍ من وزارة التعليم العالي، والتي منذ أن تولّى سيدي ولد سالم مقاليدها وهي مغقلة كل أبواب التواصل أمام كافة النقابات الطلابية، منتهجة سياسة ضبابية في التسيير، وطريقًا خطيرًا على مستقبل التعليم العالي، وهو ما يتجّسد في حرمان آلاف الطلاب من منحهم سواء في الداخل أو الخارج".

من جهته يرى الناشط النقابي في الاتحاد الوطني لطلبة موريتانيا، الطالب الأنصاري، في حديثه إلى "جيل"، أنّ "تعميم المنحة أمرٌ ملحّ، وهو حقٌ لجميع الطلاب، وإن لم يتمّ ذلك حاليًا فينبغي إعطاء المساعدة الاجتماعية لجميع الطلاب، دون معوقاتٍ إدارية وقانونية مثبطة، وذلك حتى يمكنها أن تساعدهم في ما يواجهونه من صعوبات جمّة على مستوى الخدمات الجامعية الرديئة وغير المجانية".

كانت مجموعة من النقابات والاتحادات الطلابية في جامعة نواكشوط قد انصهرت مؤخرًا في جبهةٍ احتجاجيّة موحّدة هي "الجبهة الطلابية للدفاع عن الحقوق والمكتسبات". وطالبت هذه الجبهة في بيانها التأسيسيّ بتحسين الوضع الخدماتي للطلاب، وتسويّة مشاكل النقل، وصرف المساعدة الاجتماعية فورًا، وغير ذلك من قرارات تهمُّ الطلاب، الذين قالت الكتلة في بيانها أنها تسعى لرفع المعاناة عنهم.

المساهمون