مصر.. من نون النسوة إلى حرب الشاي

مصر.. من نون النسوة إلى حرب الشاي

25 ابريل 2017
+ الخط -

لا أحد يعرف على وجه الدقة، متى بدأت الحركة النسوية في مصر تحولاتها الفكرية الأخيرة، ومتى تغيرت قضاياها المصيرية من المساواة بين الرجل والمرأة، وإفساح المجال العام أمام المرأة أسوة بالرجل، إلى سؤال مصيري شغل رواد مواقع التواصل الاجتماعي في مصر مؤخرًا: "من يصنع كوب الشاي.. الرجل أم المرأة؟".

عرفت مصر الحركات النسوية مبكرًا، مع مطلع القرن التاسع عشر، حين خلعت هدى شعراوي نقابها في استقبال سعد زغلول، داست عليه بقدميها وهي تتلفت تحاول أن ترى تأثير فعلتها في وجوه الجموع المتلهفة لرؤية سعد، فلم تجد صدى لفتنة الوجه الذي أزالت عنه حجابه، فاكملت مشوارها للسعي نحو الحصول على بعض حقوقها. أسست شعراوى الاتحاد النسائي المصري عام 1927، وفي عام 1944 عقدت الجلسة الأولى للاتحاد النسائي العربي وحضرته وفود من بعض الأقطار العربية وكانت قرارته الأولى هي مبادئ حركة التحرر النسائي في ذلك الوقت:

- المطالبة بالمساواه في الحقوق السياسية مع الرجل وعلى الأخص حق الانتخاب.
- تقييد حق الطلاق.
- الحد من سلطة الولى أيًا كان ممثلها.
- تقييد تعدد الزوجات.
- الجمع بين الجنسين في مراحل التعليم الابتدائي.
- وفي نهاية القرارات، تم تقديم مقترح بأن تتقدم شعراوي بطلب لمجمع اللغة العربية بإلغاء "نون النسوة" من اللغة العربية، ماتت شعراوي عام 1947، وبقيت "نون النسوة"، وحرب ضروس بين مدارس الحركة النسوية في مصر.

التاريخ الذي انحاز لهدى شعراوي وأهداها وسام قيادة حركة التحرر النسائي في العالم العربي، وأغفل دورنبوية موسى على سبيل المثال، كما ذكر بعض المؤرخون، لا نعرف ماذا سيصنع مع صاحبة نظرية "كوباية الشاي" التي أضحت بين ليلة وضحاها من أعلام الفيسبوك، وتناولت القنوات الشهيرة والبرامج الإخبارية ما كتبته في منشورها التحرري، كصيحة جديدة من صيحات التحرر النسوي، لكنه هذه المرة بتوقيع "إسلامك فيمنست".

عدة مدارس نسوية، عرفتها حركات تحرر المرأة على مستوى العالم، النسوية الإصلاحية الليبرالية، وهي المدرسة التي تعد امتدادًا للثورة الفرنسية، وتعمل هذه المدرسة بشكل إصلاحي على مساواة المرأة بالرجل في الحقوق والواجبات، ثم تأتي المدرسة الراديكالية، وهو التيار المتعصب بين حركات التحرر النسوي، وقد تطور نضالهم النسوي حتى وصل إلى فكرة عزل مجتمع الرجل تمامًا، وإنشاء مجتمعات خاصة بالمرأة، معتبرة الذكر هو العدو الأول وعلى المرأة أن تعاديه بكافة الوسائل والصور.

في مدرسة النسوية الماركسية وهي المدرسة الأخيرة من مدارس "الفيمنست"، كان تحرر المرأة هو عنصر من عناصر هدم المجتمعات الطبقية، فالذكور هم رمز الملكية الخاصة، ونزع المرأة من ملكياتهم سيدفع المجتمع نحو اللاطبقية.

عند الساعة السادسة واثنين وعشرين دقيقة من مساء يوم 20 أبريل الجاري، أعلنت جهاد تليمة، التي تعمل في مجال التسويق الإلكتروني، عن تأسيس المدرسة النسوية الجديدة "إسلامك فيمنست"، والتي باشرت خطواتها الأولى بفكرة أكثر تعقيدًا عما بدأته هدى شعراوي في مطلع القرن التاسع عشر، وعما كتبته الفرنسية سيمون دي بوفوار في كتابها "الجنس الآخر"، وحقق منشور تليمة عن الشاي، أضعاف ما حققته مؤلفات الأسترالية جيرمين غرير "الجنس والقدر والخصي المؤنث".

على مواقع التواصل الاجتماعى، تشتد صراعات الفيمنست، في البدء كانت الدورة الشهرية، والاعتراف بها، وتسمية الأشياء بمسمياتها، وحق الحصول على الفوط الصحية دون إخفائها في كيس أسود اللون، ودون الاضطرار لخفض الصوت أمام البائع، وفي ذروة الصراع حول النقاط الحمراء، مثل نزع شعر الساقين والذراعين، كقضية أخرى تداولتها صفحة "ثورة البنات"، في منشورات تنادي بحرية الفتاة في نزع شعرها، أو تركه حرًّا دون معاناة تعرضها للألم والتضرر لمجرد أن تنال اعجاب ذكور المجتمع.

ابتعدت الناشطة الإسلامية عن قضايا الفيمنست اليساري في مصر، واختارت هاشتاغ "ساعد زوجتك" ليكون بدايتها نحو عالم التحرر الأنثوي برؤية إسلامية لا تخالف الشرع والعقيدة، وتتماشى مع ما أقره النبي محمد في سنته المؤكدة عن مساعدته لأهل بيته.

"لو جوزك قالك إعمليلي شاي وهو بصحته ما تعمليش"، المنشور الرئيسي لحرب الشاى التي خاضتها تليمة عبر الفيسبوك مع مؤيديها ومعارضيها، والتي بدأتها بفتوى مؤكدة: "في الشرع والدين إنتي مش مطلوب منك خدمة زوجك".

في عام 2016، قررت جهاد التوقف عن سماع الأغاني والالتزام بسماع القرآن، وفي نهاية العام طالبت الفتيات بالالتزام مثلها وعدم وضع ماكياج والاحتفاظ ببراءتهن، وفي نفس الوقت كتبت مقولة علي عزت بيغوفيتش: "هناك أشخاص يظنون أن انتمائهم الديني يمنعهم من فريضة التفكير"، واستجابت تليمة لنصيحة بيغوفيتش، وقررت أن تفكر، فكانت النتيجة كوبًا من الشاي وبضعة حوارات مع البي بي سي وقنوات مصرية وعربية، ومواقع صحافية حاولت أن تخوض غمار المعركة النسوية الجديدة من منظور إسلامي مع فتاة عشرينية تحلم بدراسة الفقه و الشرع في الأزهر.

المساهمون