المصالحة في مصر... خطوات الإخوان نحو طاولة المفاوضات

المصالحة في مصر... خطوات الإخوان نحو طاولة المفاوضات

13 ابريل 2017
الحديث عن وجود نية للتصالح ليس وليد اللحظة(العربي الجديد)
+ الخط -
ربما لم يكن البيان، المنشور على الموقع الرسمي لجماعة الإخوان المسلمين يوم 28/3/2017 والموجه للقمة العربية المنعقدة في (البحر الميت) بالمملكة الأردنية الهاشمية، خارج السياق الذي تنتهجه قيادات الجماعة منذ فترة لتحسين صورتها إقليميا ودوليا، فبالرغم من اللغة المبالغة في تعظيم رؤوس أنظمة شارك الإخوان في الثورة عليهم، ومن نعت البيان لإسرائيل بـ "الدولة" وليس "الكيان الصهيوني" كما هو المعتاد في بيانات سابقة إلا أنه يأتي متسقا مع مواقف وتصريحات أخرى أعقبت الانقلاب على الرئيس المعزول، محمد مرسي صيف، عام 2013.

كما تطفو أيضا على سطح الأحداث السياسية الساخنة في مصر من حين لآخر أخبار عن سعي طرفي الصراع في البلاد إلى مصالحة أو تسوية، يتم بها تخفيف حدة التوترات الدائرة وإحداث حالة من السلام المجتمعي يكون قادرا على تغيير الوضع الاقتصادي المتردي وتشجيع الاستثمار الخارجي والسياحة، في ظل أوضاع إقليمية توصف بالخطيرة يساهم فيها سلبا أو إيجابا النظام المصري من جهة، وجماعة الإخوان المسلمين واسعة الانتشار عربيا وإسلاميا من جهة أخرى.


والحديث عن وجود نية للتصالح والجلوس على مائدة المفاوضات ليس وليد اللحظة على الرغم من النفي - الرسمي على الأقل - من الطرفين، لكنت كان هناك دائما أدوار حثيثة لوسطاء يسعون لحلحلة الوضع المتأزم، وفي ما يلي سرد لبعض المحطات المهمة التي ربما تشي برغبة قيادات رفيعة داخل جماعة الإخوان المسلمين في المصالحة.

موقف الجماعة من مبادرة البرادعي إبان اعتصام رابعة العدوية
على الرغم من أن الـ 45 يوما التي قضاها آلاف من المعتصمين المؤيدين للرئيس المعزول، محمد مرسي، في ميداني رابعة العدوية والنهضة صيف 2013، قد شهدت أحداث عنف لم تشهد البلاد مثلها في العصر الحديث، والتي انتهت بفض الاعتصامين بطريقة وصفتها تقارير حقوقية دولية باستخدام العنف المفرط من قبل قوات الأمن، إلا أنها أيضا شهدت مساعيَ حثيثة لجمع الطرفين حول مصالحة تاريخية تنقذ البلاد من اقتتال أهلي.

فلقد أزال محمد البرادعي - الرئيس السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية والحاصل على جائزة نوبل للسلام - في بيان له على حسابه في الفيسبوك بتاريخ 1/11/2016، اللثام عن مساعيه خلال تلك الفترة لإيجاد حل سلمي يتجنب فيه الجميع إراقة الدماء، ولكنه فوجئ حينها باحتجاز الرئيس واعتقال الدكتور محمد سعد الكتاتني رئيس حزب الحرية والعدالة الحاكم ورئيس البرلمان كذلك، مما دفعه إلى الاستقالة من منصبه كنائب للرئيس المصري آنذاك، حيث تلقى بعدها تهديدات من جهات سيادية، لم يسمها، دفعته إلى مغادرة البلاد تحت وطأة اتهامات أطلقتها وسائل إعلام موالية للنظام بالتخوين وإثارة الفتن في البلاد.

وكان موقع صحيفة الشروق المصرية قد نشر خبرا بعد فض الاعتصام بثلاثة أيام عن مصدر مطلع، لم يسمه، بعض تفاصيل مبادرة البرادعي، حيث كشف ذلك المصدر عن أن قيادات الإخوان قد وافقوا بالفعل على تقليص مساحة الاعتصام إلى النصف والكف عن التظاهر خارج تلك المساحة، وإصدار بيان يدين العنف في مقابل إطلاق سراح سعد الكتاتني وأبو العلا ماضي، رئيس حزب الوسط، والبدء فى عملية سياسية شاملة تقود إلى اتفاق أوسع، وقد لاقى الاتفاق ترحيبا دوليا آنذاك، لكن يبدو أن قرار فض الاعتصام بالقوة كان قد اتخذ مسبقا بالاتفاق مع بعض دول الخليج، بحسب المصدر.

"حمائم" الإخوان ومبادرات حسن النية
عبرت قيادات إخوانية رفيعة يصفها مراقبون بـ"التاريخية" من خلال تصريحات، تطورت في بعض الأحيان إلى مبادرات، عن رغبتها في الجلوس على طاولة المفاوضات مع "حكماء" أو "قيادات شريفة" في القوات المسلحة كما سموها من خلال لقاءات صحافية متعددة، كان أهمها وأكثرها وضوحا  تصريحات إبراهيم منير، نائب المرشد العام للإخوان المسلمين لموقع عربي 21 بتاريخ 19/11/2016 أن الجماعة جادة في الاتفاق على حل سلمي للأزمة التي تمر بها البلاد إذا توفرت رؤية أو صورة واضحة يرسمها أحد "حكماء الدنيا" - على حد وصفه - للمصالحة تكون مقبولة لديهم.

وأضاف منير، 79 عاماً، أن في القوات المسلحة "شرفاء" كثيرين قد يؤدون دورا مهما في الأيام المقبلة، وأن هذا الدور وإن تأخر لأسباب - لم يذكرها - فلا يجب أن يتأخر أكثر من هذا لإنقاذ سمعة الجيش المصري.

ولم يكن منير أول قيادي إخواني يستخدم مصطلح "شرفاء الجيش"، فلقد طرح المفوض السابق للعلاقات الدولية بالإخوان، المهندس يوسف ندا، 85 عاماً، يوم 12/6/2015 مبادرة خاطب فيها من أسماهم بـ "المخلصين من أبناء الجيش المصري" إلى تبني خيارات الشعب بالرجوع إلى الشرعية المتمثلة في عودة محمد مرسي لكرسي الرئاسة، لما في ذلك من خير للبلاد وللجيش المصري كذلك، بحسب البيان المنشور في وكالة الأناضول التركية.

زادت الأمور غموضا مداخلة ندا التليفونية على فضائية الجزيرة الإخبارية في نفس اليوم والتي صرح فيها أنه لم يصدر تلك المبادرة من تلقاء نفسه، وإنما جهات - رفض الإفصاح عنها - هي من طلبت منه ذلك وأن تلك المبادرة ليس الإعلام هو المقصود بها، وأن المراد بتلك المبادرة ليس هو السيسي وزمرته – بحسب تعبيره.

وبالرغم من أن منير قد علق على مبادرة ندا بأنه أمر لا يمثل قرار جماعة الإخوان، وأنها مبادرة شخصية من الأخير استغل فيها علاقاته الدولية المتشعبة في إنهاء الوضع المصري المتأزم، إلا أن القياديين اتفقا حينها على غير اجتماع أن الجنرال عبد الفتاح السيسي منقلب عليه لا محالة من داخل المؤسسة العسكرية والأمنية في وقت قريب.

هذا ما صرح به "ندا" في برنامج "بلا حدود" على فضائية الجزيرة مع الإعلامي أحمد منصور يوم 16/4/2014، حين قال إن في الجيش المصري وجهاز المخابرات الكثير من "الشرفاء" القادرين على قلب الطاولة وإنقاذ البلاد كما حدث على يد سوار الذهب في السودان عام 1985 حينما سلم سلطة البلاد لسلطات منتخبة ديموقراطيا، أما منير فقد صرح في مداخلة هاتفية على فضائية الشرق، التي تبث من تركيا، يوم 9/3/2015 أنه من المتوقع أن يحدث انقلاب على السيسي من داخل المؤسسة العسكرية.

خلافات إخوانية داخلية تعصف بالجناح "الراديكالي"
يرى مراقبون أن استبعاد الطرف "الثوري" داخل الإخوان من المشهد السياسي بعد الانتقادات المستمرة والاتهامات بـ"اختطاف الجماعة" التي وجهت له من قبل قيادات إخوانية أخرى، مثل إبراهيم منير ومحمود حسين، الأمين العام للجماعة، يعد خطوة جيدة نحو طاولة المفاوضات وإظهار حسن النية لأطراف دولية تتبنى خيار المصالحة.

وكان محمود عزت، القائم بأعمال المرشد العام، قد شكل لجنة تحقيقات انتهت إلى تجميد عضوية بعض قيادات الإخوان المحسوبين على تيار "السلمية المبدعة" وتبني خيار "العمليات النوعية" ضد قوات الداخلية وأنصارها يوم 14/12/2015، كان أبرزهم محمد كمال، الرئيس السابق للجنة الإدارية العليا، والذي تم اعتقاله ثم تصفيته مع أحد مرافقيه على يد قوات الأمن يوم 3/10/2016 أي بعد حوالى 5 أشهر من إعلانه الاستقالة من منصبه القيادي بالإخوان عن طريق رسالة صوتية نشرت على موقع (Sound Cloud).

من خلال تلك المعالم وغيرها ، ربما يستطيع من يراقب الوضع السياسي الملتبس في مصر أن يرسم المسار الذي اتخذته القيادات الإخوانية المتصدرة للمشهد الحالي نحو التسوية، على الرغم من نفيهم الرسمي الدائم لهذا الأمر، والذي يعزوه البعض إلى احتواء غضب شباب الجماعة وذوي الضحايا من فكرة عقد أي اتفاقات مع نظام يتهمونه بارتكاب مجازر في حقهم، ومن ثم يقفون حجر عثرة في وجه أي تسويات مطروحة.

ولكن يبدو أن سعي القيادات "التاريخية" الحثيث نحو طاولة المفاوضات لا يقابل بنفس الحماس من الطرف الآخر، الذي يتهم الإخوان دائما بالمسؤولية عن "الإرهاب" سواء في سيناء أو غيرها، ويظهر هذا في حالات الإخفاء القسري والتصفية خارج إطار القانون، التي تقوم بها قوات الداخلية بحسب تقارير حقوقية متعددة، خاصة بعدما نجح النظام الحاكم في تقليم أظافر الإخوان وتحجيم حراكهم الثوري بشكل كبير، بعد أن كان يشكل مصدر إزعاج كبير له حينما كان يهدد أماكن حساسة داخل العاصمة ويهدد كذلك قيادات أمنية وإعلامية رفيعة.

ماذا سيكون موقف التيار "الثوري" داخل الجماعة حين تصل قيادته "التاريخية" إلى طاولة المفاوضات حيث يضطر الطرف الأضعف غالبا إلى تقديم تنازلات مؤلمة؟ وما هي التنازلات التي يقبل بها النظام ليرفع يده الباطشة عن الجماعة الإسلامية الأكبر في العالم؟ وما هي الضغوط الدولية التي ستمارس على الطرفين للإسراع في إنهاء نزاعهما؟

هذا ما سيزاح عنه الستار ربما في الأشهر القليلة المقبلة..

المساهمون