الغلاء يطارد السوريين في تركيا

الغلاء يطارد السوريين في تركيا

12 ابريل 2017
(تصوير: عطا كيناري)
+ الخط -

اجتاحت موجة غلاء فاحش الشارع التركي، نتيجة الأزمات السياسية المتعاقبة التي مرت بها تركيا في الأشهر الماضية، مثل محاولة الانقلاب الفاشلة التي نفذها ضباط في الجيش عشية يوم 15 آب/ أغسطس 2016.

توقع محللون اقتصاديون أن ينتعش السوق التركي بعد إعلان الحكومة بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان سيطرتها الكاملة على الدولة والقضاء على الانقلابيين، لكن هذا الانتعاش جاء طفيفًا وما لبث أن تبدل إلى تراجع ملحوظ وصل ذروته قبل شهرين تقريبًا مع تجاوز الدولار حاجز 3.5 ليرات تركية لأول مرة منذ بدء العمل بالعملة الجديدة قبل نحو 10 سنوات.

مشكلة غلاء المعيشة دائمًا تظهر انعكاساتها السلبية بشكل ملموس على أصحاب الدخول المتوسطة والضعيفة. تشكّل هذه النسبة بين السوريين المقيمين في تركيا شريحة كبيرة قد تصل لأكثر من 70%، يعانون اليوم من وصول بعض السلع الرئيسية لأكثر من ضعف سعرها القديم من دون أي زيادة في أجورهم.

عن هذا، يقول سيف، وهو حرفي يعمل في مشغل خياطة في إسطنبول: "ارتفاع الأسعار طاول كل شيء، حتى ربطة الخبز السورية التي انخفض عدد الأرغفة داخلها، وطالبنا بزيادة أجور منطقية بحسب الوضع الاقتصادي للبلد، لكن الرد جاء بالرفض القاطع". يضيف سيف: "نحن بشكل طبيعي نتقاضى أجورًا أقل من الأتراك. وفي الفترة الأخيرة، حتى الأتراك باتوا يعانون من ارتفاع الأسعار، فما بالك بالعامل السوري الذي لا يتجاوز أجره في أحسن الأحوال 400 دولار".

هذه الأزمة لا تتوقف هنا، بل تبدأ فصولها حقيقة بالتعقيد في الفترة الحالية نتيجة الخلاف بين تركيا وهولندا، والذي دفع بالعلاقات التركية الأوروبية نحو الهاوية؛ ما أدى إلى إغلاق عدد كبير من المنظمات الأوروبية العاملة في تركيا، والتي تشغل مئات السوريين الذين بدورهم يعتاشون وعوائلهم من هذا العمل. كذلك أدت الأزمة إلى ارتفاع أكبر في الأسعار، وكل ذلك بحسب عبادة عبد السلام، الناشط السوري المقيم في غازي عنتاب، والذي قال لـ "جيل": "شهر العسل بين السوريين وتركيا قد انتهى".

يوضح عبد السلام أن الحكومة التركية مستمرة في سياستها الجديدة التي بدأتها عقب محاولة الانقلاب في 15 آب/ أغسطس من العام الماضي. العديد من المنظمات الأجنبيّة إما كانت قد أُغلقت أبوابها منذ مطلع العام الحالي أو حتى لم يتم تجديد تراخيصها على الأراضي التركية من قبل السلطات التركية، أو اضطرت إلى نقل مراكزها وتقليص عدد مكاتبها وموظفيها.

يضيف: "بالنسبة للعاملين في تلك المنظمات باتوا يعانون صعوبة في إيجاد العمل البديل بسبب تسريحهم المفاجئ والجماعي، الأمر الذي سيؤدي إلى خلل في سوق العمل، في ظل نقص الشواغر، بالإضافة إلى أن عودتهم إلى سوق العمل المحلي ضمن المنظمات السورية أو حتى ضمن السوق التركي ستؤدي إلى عدم توازن مع حياتهم السابقة، فمن كان ذا أجرٍ مرتفع لن يستطع أن يجد المكان الذي يدرّ له المردود الشهري ذاته، فالفروقات واضحة ما بين العمل الأجنبي والمحلي، وما بين من يدفع رواتبه بالعملة الأجنبية ونظيره الذي يدفع بالعملة المحلية".

مع بداية ارتفاع سعر صرف الدولار، عمل الأتراك بجهد ملحوظ على تفادي الموقف وتثبيت أسعار المستهلكات والمواد المحلية والمستوردة، على عكس المنتج السوري، والذي، كما في سورية، ما لبث أن ارتفع سعره أو نقص حجمه، مرورًا بالوجبات السريعة وصولًا إلى المعلبات والمنتجات الاستهلاكية. لكن مع ثبات الدولار على 3.7 تقريبًا، وضحت الأسعار الجديدة، والتي قد نستعرض منها بحسب سوق غازي عنتاب مثلًا:

الطماطم كانت 1.5 وأصبحت 4 ليرات تركية. 
الفلفل الأخضر كان 4 وأصبح بين 10 و12 ليرة تركية. 
الموز كان 5 وأصبح 9 ليرات تركية.

الوجبات السريعة سجلت ارتفاع ليرتين تقريبًا لكل وجبة مع انخفاض في المكونات. والمواصلات العامة سجلت ارتفاعًا قدره عشرة قروش بسعر الرحلة، كما رفعت شركة الاتصالات الأكبر في تركيا "توركسل" أسعار عروض الاتصال والإنترنت بواقع خمس ليرات لكل باقة.

هنا، يشرح لنا عبد السلام كيف أصبحت الحياة في غازي عنتاب، موضحًا أن إيجارات المنازل في المناطق الجيدة قد تصل إلى 800 دولار أميركي والمتوسط بحدود 300 دولار، ويحتاج الشخص الواحد لـ 150 دولارًا نفقات طعام وشراب. يشير عبد السلام إلى أن هذا الارتفاع يشمل جميع المدن التركية، وليس عنتاب فقط، لكن بنسب متفاوتة. مثلًا، تشهد أنطاكيا ارتفاعًا أكبر من غازي عنتاب بفارق ليرتين أو ثلاثة على سلعة ومع ذلك، تستمر عجلة الحياة السورية في تركيا بالدوران. المشاريع التجارية مستمرة رغم تأثرها بالوضع الاقتصادي التركي والمنظمات التي أغلقت تحاول الاندماج بأخرى محلية مرخصة في تركيا كي تتابع عملها؟ أما ضنك المعيشة فهو سمة عامة لحياة السوري اعتاد عليها في السنوات الماضية ويبدو أن عليه أن يعتاد عليها لسنوات مقبلة أيضًا.

المساهمون