الاعتداء على الطلبة في تونس.. هذا ما حدث

الاعتداء على الطلبة في تونس.. هذا ما حدث

12 ابريل 2017
+ الخط -

في خضم حالة الفوران التي تمرّ بها تونس، زادت المصادمات التي شهدتها ساحة القصبة (مقر رئاسة الحكومة التونسيّة) بين رجال الأمن والطلبة التونسيّين ظهر أمس من حالة الاحتقان السياسي والاجتماعي العارمة في البلاد.

تصعيد قوّات الأمن يأتي بالتّوازي مع مظاهرات حاشدة تشهدها محافظات تطاوين في الجنوب والقيروان في الوسط والكاف في الشمال الغربي، للمطالبة "الروتينية" بالتنمية والاحتجاج على تواصل تردّي الأوضاع الاجتماعية واستفحال الفقر والتهميش وغياب التجسيد الجزئي -على الأقلّ- لوعود أصحاب السلطة، بالإضافة إلى رفض التنكّر الذي تقوم به الحكومة لوعودها التنموية.

في أوج هذه الاضطرابات الساخنة والأوضاع الحساسة التي تواجهها البلاد، خرج طلبة الحقوق في جامعة المنار في العاصمة تونس بمعيّة زملاء لهم من أجزاء جامعيّة أخرى، للمطالبة بإصلاح نظام أكاديمي يرفضونه، تمثّل في أمر وزارة العدل عدد 345 الذي يقضي بحرمانهم من المشاركة في مناظرات معهدي المحاماة والقضاء إلا بعد تحصيل شهادة الماجستير، وهو تعديل للقانون السابق الذي يمنح هذه الفرصة للطلبة بحصولهم فقط على الإجازة (بكالوريا زائد ثلاث سنوات).

التعاطي الأمني الذي وصف بالفج والعنيف، زاد من تثبيت وضع البلاد فوق صفيحها الساخن، مؤشرًا على مزيد تغوّل السلطات وعودة عصى الأمن الغليظة بعد سنوات من ثورة كانت أبلغ رسائلها هي "الحريّة والكرامة المواطنيّة".

كأن الزّمن لم يراوح مكانه بعد، اذ تحرك هذه الممارسات في الذاكرة الشبابية صور القمع الأمني زمن النظام البائد ضد تحركات التلاميذ والطلبة الداعمة لفلسطين أو العراق، أو تلك المناهضة لحرب الخليج، فالعصى البوليسية ما زالت هي نفسها والأسلوب واحد وإن تغيّرت العناوين والمسوّغات والدوافع.

الطالب عمر الحاج عمر (21 سنة)، عضو سابق بالمكتب التنفيذي للاتحاد العام لطلبة تونس، ومرسّم بالسنة الثانية إجازة أساسيّة حضارة إنكليزية في معهد اللسانيات، يقول: "شاركت مع زملائي طلبة الحقوق رغم اختلاف مياديننا الأكاديميّة، في إطار التعاضد أو كما يقول العرب القدامى من باب تكثير سوادهم، جئت لمساندتهم في رفضهم للأمر الحكومي عدد 345 وهذا حقّنا المشروع كطلبة معاهد عليا، والتحرّك انتشر من كليّة الحقوق بالمنار في العاصمة إلى أجزاء جامعيّة أخرى وسط البلاد ما دلّ على أن الاحتجاج جماعي حصل على إجماع الكلّ تقريبًا، كما تمّ القيام باعتصام في نفس الجامعة بدأ منذ 13 آذار الماضي، بالإضافة إلى تنظيم وقفات احتجاجيّة دوريّة في ساحة القصبة أين يوجد مقرّ رئاسة الحكومة".

يضيف عمر أنّه فوجئ اليوم بالأمن التونسي وهو يقتحم تجمّعهم الملتئم أمام رئاسة الحكومة بحدّه وحديده، ويأمر الجميع بالمغادرة باستعمال العصيّ والضّرب والشّتم، رغم أنهم -الطلبة- جاؤوا في إطار مساندة وفد طلّابي دخل للتفاوض مع منوّب وزير العدل بمقرّ الحكومة، مؤكّدا على أن كلّ زملائه كانوا ملتزمين بأقصى درجات ضبط النفس وأنهم لم يبارحوا حدود المطالبة السلمية بحقوقهم.

عمر كان من الطلبة الموقوفين الذين وقع اقتيادهم إلى عربات الشرطة حيث اعتدي عليه في أكثر من مناسبة ما ترك له آثار جراح بالغة على مستوى الظهر والرقبة، ويقول مع ذلك إنّ حالته تعتبر هيّنة مقارنة بحالة زميله هيثم النقاش -الذي أحيل على المشفى لجرح بليغ أصابه على مستوى الرأس- وصابرين الشابي التي تعذّر عليها حتّى المشي بعد اعتداء أكثر من عون أمن عليها، ونضال البكري الذي وقع ركله على وجهه ببيادة شرطيّ من وحدات التدخّل.

التقينا بنضال البكري (28 سنة) في إطار الحصول على شهادته ومعاينة آثار الاعتداء التي بدت على وجهه صريحة، حيث أفادنا بأنّه جاء خصّيصًا من كليّة الحقوق في محافظة صفاقس من الجنوب التونسيّ للمشاركة في الوقفة الاحتجاجية التي ينظّمها رفاقه الطلبة، وقد وقع ضربه على وجهه بحذاء عنصر من الوحدات الخاصّة بعد اقتياده إلى عربة البوليس، في حركة وصفها بالجائرة والتي لا تنضبط إلى أي قانون أو عرف ولا تليق بنظام يدّعي الديمقراطيّة وفق توصيفه.

البكري أكّد أنه قبل اعتقاله كان يريد مساعدة زميلة له أغمي عليها، لكن أيادي رجال الأمن حالت دون ذلك، واقتادته نحو عربة الإيقاف حيث وجد زملاء له موقوفين هم أيضًا، ومنهم من لم يعد يستطيع الحركة من شدّة العنف الذي تعرّض له من الأمن حسب شهادته، كما أشار إلى أنّه شتم على رأس الأشهاد وانتهك عرضه بكلمات الأعوان النّابية التي يقول إنّ وقعها عليه كان أقسى من ضربهم.

الاعتداء على هذه الوقفة السلمية للطلبة لم يقتصر على الذكور فقط، بل إنّنا عاينّا حالة طالبة تدعى نهى حمدوني (20 سنة)، طالبة حقوق بالسنة الأولى بجامعة المنار تونس، كانت حرجة أيضا، إذ وقع الاعتداء عليها على مستوى الرجلين، دون اعتبار سنّها أو بنيتها الأنثوية الضعيفة. تقول حمدوني:

"وقع تسويف مطلبنا الشرعي بلقاء رئيس الحكومة يوسف الشاهد لغاية التفاوض حول الأمر 345، ووعدونا لأربع مرّات بلقائه لكننا في كلّ مرّة نجد أنفسنا في حضرة مستشاره القانوني الذي أعلمنا في آخر لقاء بيننا بأنّ هذا القرار جاء في سياق "جسّ نبض الطلبة" وأنّه ليس مؤكّدًا من أنّه سيقع تجسيده على أرض الواقع، وأنا أتساءل في هذا المقام ما الذي يعنيه بهذا الكلام والحال أنّ أكثر من سبع كليّات في الجمهوريّة مغلقة بسبب رفض الطلبة مزاولة الدراسة حتّى إلغاء هذا الأمر؟"

حادثة الاعتداء على طلبة الجامعات اليوم لقيت استهجانًا ورفضًا من عديد الشخصيات العامّة في تونس، أهمّها السيّد نور الدين البحيري رئيس كتلة حركة النهضة بالبرلمان، الذي عبّر عن رفض كتلته لكل التجاوزات ضد الطّلبة ودعا لتكوين لجنة برلمانية تنتقل فورًا لساحة القصبة للاتصال بالطلبة هناك والاستماع إليهم، مطالبًا بعقد جلسة خاصة بمجلس نوّاب الشعب لمناقشة ما تعرضوا إليه من تجاوزات.

كما دعا النائب عن "الجبهة الشعبية" الجيلاني الهمامي البرلمان إلى تفعيل ممارسة سلطته الرقابية على الحكومة على خلفية ما وصفه بـ "الاعتداء الأمني الوحشي" على طلبة الحقوق المحتجين، بما يتنافى والقانون ومبادئ حقوق الإنسان وفق تعبيره، وذلك بسبب تراجع وزارة العدل في اتفاقها مع الطلبة المتعلق بتعليق تطبيق الأمر 345.

المساهمون