أزمة الخبز في مصر: تفاصيل لا تخصّ المواطن

أزمة الخبز في مصر: تفاصيل لا تخصّ المواطن

08 مارس 2017
+ الخط -

وضع عالم النفس إبراهام ماسلو نظريته للاحتياجات الإنسانية قبل نحو سبعة عقود. تقول النظرية إن الاحتياجات البشرية تتدرج في تسلسل هرمي، قاعدته هي الحاجات الأساسية/ الفسيولوجية، ثم حاجات الأمان، يتبعها الحاجات الاجتماعية، فالحاجة للتقدير وأخيرًا الحاجة لتحقيق الذات.

ورغم الجدل الكبير الذي دار حول النظرية، إلا أن أحدًا لم يشكك في كون الحاجات الفسيولوجية هي أول الاحتياجات البشرية؛ فالإنسان لا يستطيع أن يفكر العلاقات الاجتماعية أو تحقيق الذات إذا كان جائعًا عاريًا وبلا مسكن.

وفق الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصري، فإن 28% تقريبًا من المصريين يقبعون تحت خط الفقر، هذا قبل احتساب أثر عملية تعويم العملة على هذه النسبة. وهذا يعني أن ملايين من المصريين لم يتجاوزوا مرحلة سد احتياجاتهم الفسيولوجية.

النتيجة: بضم المعطى هرم ماسلو إلى الـ 28%، يظهر أن ملايين المصريين ما زالوا في مرحلة سد احتياجاتهم الأساسية التي تبقيهم على ظهر الحياة. وبالتالي، فإن أي عبث أو إصلاح- كما تسميه الحكومة- يمنع حصولهم على حقهم في الحياة لن يتهاونوا فيه.

العملية الحسابية أعلاه، هي ما تنساتها وزارة التموين حين أصدرت قرارها بتخفيض حصص خبز "الكارت الذهبي"، فخرج من يسعون إلى سد حاجاتهم الأساسية لقول لا.

العملية الحسابية أعلاه، هي ما تناساه من انتقدوا المواطنين المحتجين بسبب تظاهرهم لطلب الخبز وعدم تظاهرهم لطلب الحرية ودفاعًا عن المظلوم.


عايزين عيش
أصدر وزير التموين علي المصلحي، يوم الأحد الماضي، قرارًا بخفض حصة المخابز من الخبز على الكارت الذهبي- كارت ذكي كانت المخابز تصرف من خلاله حصص الخبز للمواطنين الذين يتعاملون ببطاقات التموين الورقية- من 3 آلاف رغيف يوميًا إلى 500 رغيف.

الوزارة بررت القرار بقولها إن أصحاب المخابز استغلوا الكروت الذهبية لإجراء عمليات صرف وهمية وحصولهم على تكلفة إنتاج الخبز من الدولة دون صرف الخبز للمواطنين، ولذا قرر الوزير تخفيض كميات الخبز بالكروت الذهبية بحد أقصى 500 رغيف للكارت، لسد باب هذا الفساد.

عندما ذهب حاملو بطاقات التموين الورقية لصرف حصصهم من الخبز، لم يجدوا لهم نصيبًا، فخرج المئات منهم غاضبين وقطعوا بعض الطرق وخطوط السكك الحديدية في الإسكندرية وكفر الشيخ والمنيا، هاتفين "عايزين عيش".

أيًا يكن السبب وراء تخفيض حصص المخابز على الكارت الذهبي، فهناك نتيجة واحدة؛ من أُضرّ هو المواطن الذي يسعى لسد حاجاته الأساسية.


كيف اُحتوت الأزمة؟
سارعت الحكومة لاحتواء أزمة الخبز عبر عدة مستويات، كان أولها توزيع سيارات الشرطة الخبز على المواطنين الغاضبين في شوارع الإسكندرية.

كما قدم وزير التموين، في مؤتمر صحافي، اعتذاره إلى "كل مواطن لم يستطع أن يحصل على رغيف عيش"، وتعهد بحل الأزمة خلال 48 ساعة، ورفع حصص الخبز في بعض المحافظات وإصدار بطاقات تموين ذكية لحاملي البطاقات الورقية، قبل انتهاء الشهر الجاري.


على الهامش
طرحت "انتفاضة الخبز"، كما أطلق عليها، العديد من التساؤلات حول أداء الحكومة وآلية اتخاذها للقرارات؛ فإذا كان من الممكن إصدار بطاقة تموين ذكية بدلًا من الورقية في خلال ثلاثة أسابيع، كما تعهد وزير التموين، فلماذا لم يتم تأجيل قرار تخفيض حصص الكارت الذهبي حتى إصدار البطاقات الذكية؟

ارتبط اسم الوزير علي المصيلحي بأزمات الخبز، فحين كان الرجل وزيرًا للتموين في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، حدثت أحد أعنف أزمات الخبز في تاريخ مصر بسبب قرارات مصيلحي، والآن بعدما عاد الرجل إلى الوزارة، وقبل مرور شهر على جلوسه على مقعدها، وقعت أزمة خبز جديدة.

انتقد بعض نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي المحتجين واتهموهم بأنهم معدومو الكرامة لأنهم تظاهروا لطلب الخبز ولم يتظاهروا لطلب الحرية. لكن هؤلاء يغفلون هم أيضًا "هرم ماسلو للاحتياجات الإنسانية"، وأن همّ الفقراء الأول هو رغيف الخبز وليس الحرية، وأن طليعة ثورة 25 يناير كان أغلبها من الطبقة الوسطى وانضمام الفقراء للثورة كان أملًا في حياة أفضل يحصلون فيها على احتياجاتهم الأساسية بكرامة وليس من أجل الشعارات الرنانة كالحرية والديمقر

المساهمون