كنوز الأردن: من أجهزة كشف المعادن إلى الاستعانة بالـجن

كنوز الأردن: من أجهزة كشف المعادن إلى الاستعانة بالـجن

30 مارس 2017
(قسم الآثار في البتراء، تصوير: مارك هانافورد)
+ الخط -

لم تخبُ نيران الحماسة الملتهبة، في قلب الثلاثيني قصي، أثناء مسيرته الممتدّة منذ ستّ سنوات، في بحثه ومطاردة سراب "الدفائن والكنوز".

فطيلة السنوات الست الماضية، لم يكلّ الشاب الأردني القاطن في ضواحي شرقي العاصمة الأردنية عمّان، من محاولات البحث عن المجهول، وزاده في ذلك، كما يكشف في حديثه إلى"جيل"، القصص والأحاديث التي يتناقلها الكثير من الأردنيين، عن وجود دفائن تحت الأرض، تعود لحضارات، كانت تقطن هنا.

وعلى الرغم، من عمليات البحث المرهقة جدًا، كما يؤكّد، خلال كل هذه الفترة التي استعان فيها، بمساعدة شباب تقاسموا الأمل معه بالعثور عليها، إلا أنه لم يعثر على شيء من ذلك، بل غدا كالمقامر، كلّما خسر جولة، دفعه طمعه لتكرار المحاولة، وفق تعبيره.

في الأردن، هناك مئات الشباب، يحذون حذو قصي وأصدقائه، فلا يكاد مجلس، يخلو من الحديث عن الذهب والدفائن، وكيفية العثور عليها، والطرق التي تؤدّي للوصول إليها، بل يعمد البعض، لشرح دلالات "الإشارات" الأثرية، وكيفية استخراج الدفائن بها.

إلا أن قصص البحث عن الدفائن والكنوز، والتي تغزو المجالس الأردنية الشعبية، غالبًا ما يكون أبطالها هواة مغامرين، وحالمين بالثراء السريع.

الجن يحرس الكنز
وبالإمكان، أن نشير هنا، إلى أن الآراء في الشارع الأردني أيضًا تتباين، حول الدفائن بين مصدّق ومشكّك بوجودها، حيث دعم الأشخاص المقتنعون بوجود كنوز تحت الأرض رواياتهم، بمعرفتهم لأشخاص وجدوا بعض هذه الكنوز، فيما يميل المشكّكون إلى استبعاد وجودها أصلًا، مشيرين أن العديد من الأشخاص، "أمضوا حياتهم بحثًا عن الكنوز، ولم يجدوا شيئا يذكر".

ومع النتائج التي تبعث على الخيبة باستمرار، إلا أن الباحثين عن الدفائن، لا تُعجزهم المحاولات اليائسة عن الاستمرار في البحث، متذرّعين، بأن عدم وجود الكنز، يرجع إلى سوء تحديد نقطة الحفر الصحيحة، ما يضطرهم، للاستعانة بأمرين، وفق أبي أحمد، وهو شاب أمضى أكثر من عشر سنوات يبحث عن الدفائن.

ويُبيّن الشاب، في حديث إلى "جيل"، أنهم يلجؤون إلى ما يعرف بجهاز الكشف عن المعادن، أو الاستعانة بما بات يعرف بـ"الفتّاحين"، وهم أشخاص يزعمون تواصلهم مع العالم الآخر "الجن"، وأن بإمكانهم تحديد أين يقع الكنز بالضبط، وذلك بقراءة تعاويذ معيّنة، إضافة إلى مقدرتهم على إزالة ما يعرف بـ"الرصد"، وهو مارد من الجان، يكون حارسًا على الكنز، وفق المتحدّث.

ويلجأ أغلب هؤلاء الباحثين عن الدفائن بحسب أبو أحمد إلى "الفتاحين"، الذين يحدّدون لهم مكان الدفائن تحت الأرض، وذلك مقابل أجر مادي، لافتًا إلى أن لجوءهم إليهم، يأتي بديلًا عن الاستعانة بجهاز كشف المعادن أو الذهب، نظرًا لكلفتها المرتفعة جدًا، والممنوعة قانونيًا أيضًا، إضافة إلى "قدرتهم على التعامل مع "الرصد"، في حال وجوده حارس على الكنز" على حدّ تعبيره.

ووفق ما يؤكّده هؤلاء الباحثون عن الكنوز، فإن عمليات البحث لا تكون عشوائية، إذ يسبقها وجود ما يمكن تسميته بـ"خارطة العلامات"، وهي إشارات ورسومات محفورة على صخور، عادة ما تكون قريبة من المواقع الأثرية، و تُعتبر بالنسبة للباحثين، دلالات بأن هذا الموقع يحتوي على دفائن.

وعند ملاحظة إحدى هذه العلامات، التي تتنوّع ما بين أشكال لحيوانات أو أسهم، تبدأ عملية حصر أقرب نقطة لمنطقة "الدفين"، ثم تبدأ بعدها عمليات الحفر في أعماق الأرض، عادة ما تصطدم بقاع صخري، فيما "الدفين"، لا وجود له، بحسب الشاب قصي.

من جهته يؤكّد الحاج أبو بدر، أحد الباحثين عن الدفائن، أن العثور على الذهب في الأردن، ليس وهمًا، وأن كثيرين وجدوا كنوزًا ذهبية مدفونة، وتغيّرت بهم الحال، وأصبحوا أثرياء، مؤكدًا أن سوء الحالة الاقتصادية في الأردن، ساهم بشكل كبير في نشر حمى البحث عن الذهب عند عامة الناس.


معتقدات الفقراء
"في مجتمع مليء بالفقراء، غالبًا ما تداعب أحلام الثراء السريع مخيّلتهم، الأمر الذي ينجم عنه أحيانًا تصديق أوهام لا أساس لها، يقول المتحدّث "إن المغارات المسحورة في الأردن موجودة بالفعل، إنما حقيقة مكانها تبقى غير واضحة".

من جانبها، ترى وزارة السياحة والآثار الأردنية، وعلى لسان أمينها العام عيسى قموه، أن حكايات الدفائن الذهبية، وما يحيطها من رؤية رصد حارس عليها، يظهر على شكل حيوان ما أو أفعى أو رجل أسود أو غير ذلك، ما هي إلا من باب "الخرافات".

ويؤكّد قموه، أن هذه الحكايات والخرافات، التي لا تحمل أي سند علمي أو ديني لها، ترسّخت، بفعل اعتقاد الكثير بأن إنسان الحضارات القديمة، لدى خروجه من موطنه، يخبئ ثروته في بواطن الأرض، ليعود إليها في وقت آخر، خاصّة أن تلك الثروة، كانت عملات ذهبية وقطعًا فخارية وأواني معدنية من الخام الخالص.

في مقابل ذلك، يرى خبراء الآثار الأردنية، من بينهم أستاذ الآثار في جامعة اليرموك (شمال البلاد) زياد السعد، أن الأردن مرّت عليه حضارات وأمم كثيرة، وتركت وراءها "متحفًا مفتوحًا"، مشيرين إلى وجود قطع أثرية، وليس كنوزًا ودفائن ذهبية.

وفي ما يتعلّق بحكايات العثور على دفائن ذهبية، ففيها كثير من الوهم بحسب هؤلاء الخبراء، مشيرين إلى أن حكايات الكنوز الذهبية، تولّدت في كثير من الأحيان من حوادث الغنى التي ظهرت على أشخاص فجأة، وأصبحوا من أصحاب رؤوس الأموال، واعتقاد الأشخاص بوجود دفائن ذهبية في الأرض، مرده الجهل وعدم معرفتهم بتاريخ الأردن، الأمر الذي تسبّب في تدمير المئات من المواقع الأثرية، بحثًا عن الدفائن، مغفلين في الوقت ذاته، أن القطع الأثرية، من أوان وفخاريات، أغلى بكثير من الكنوز الذهبية، بحسب هؤلاء الخبراء.

ومع تكرار نفي وجود دفائن ذهبية في باطن الأرض في الأردن، على شكل صناديق وكميات كبيرة، إلا أن ذلك لا يستثني وجود حالات نادرة، كقيام بعض القادة في العصور الماضية، بالاستيلاء على كمّيات كبيرة من الذهب جرّاء الحروب، وتم تخزينها، إلا أنها نادرة ومحدودة ولا يتمّ العثور عليها إلا عن طريق الصدفة.

قانون عاجز عن الردع
من المعروف أن دائرة الآثار العامة الأردنية، دعت كل من يمتلك أدلة بوجود دفائن ذهبية في موقع ما، إلى الذهاب لوزارة الداخلية، للحصول على تصريح "البحث عن دفائن ذهبية"، والتعرّف إلى الطرق القانونية لذلك، إذا كانت المدفونات ضمن ملك خاص أو عام.

ورغم دعوة الدائرة هذه للسير بالطرق القانونية للتنقيب عن الذهب، إلا أن أكثرية الراغبين بذلك لا يتّبعونها، مؤكّدين أنهم إذا ما عثروا على أي كميات من الذهب فإن الأجهزة المعنية ستصادرها.

وجدير بالذكر، أن المادة "14" من قانون الآثار رقم "21" لسنة 1988 وتعديلاته، تنص على أنه "يحظر على أي شخص طبيعي أو معنوي، القيام بأية حفريات في المواقع الأثرية، بحثًا عن الدفائن الذهبية أو أية دفائن أخرى".

بالإضافة، إلى أن المادة "27" من القانون نفسه، تنصّ على أنه "يعاقب بالحبس مدّة لا تقل عن شهرين، ولا تزيد عن سنتين، أو بغرامة لا تقل عن 500 دينار أردني، وبما يتناسب مع قيمة الأثر، كل من اكتشف أو عثر على آثار صدفة أو علم باكتشافه أو العثور عليه ولم يبلغ عنها وفقًا لإحكام القانون".

ورغم ذلك، تقف القوانين الأردنية النافذة موقف العاجز في حماية المواقع الأثرية الأردنية بشكل كامل، والتي تزيد على نصف مليون موقع أثري، سُجّل منها 27 ألف موقع أثري رسميًا فقط.

ومع كثرة حراس المواقع الأثرية، إلا أن عددًا كبيرًا منهم أصبحوا عبارة عن باحثين عن الدفائن، ويُستعان بهم من قبل الباحثين عنها، تحديدًا في كيفية البحث ووقته وأمور عدّة، هم أعلم بها عن الموقع المراد البحث فيه.

المساهمون