المغرب: "نساء عازبات ولسنا عوانس"

المغرب: "نساء عازبات ولسنا عوانس"

27 مارس 2017
(مظاهرة في الرباط، تصوير: فاضل سينا)
+ الخط -

عوانس أو عازبات، ليست هذه هي المشكلة، بل في الوصم الاجتماعي لهذه الفئة من النّساء، مع ذلك يرفعن لافتة "لسنا عوانس، بل نساء عازبات"، النّساء اللواتي بلغن مستوىً من الوعي، ولم يتزوجن مطلقًا رغم بلوغهن أو تجاوزهن سنّ الزواج المتعارف عليه اجتماعيًا، من اللواتي تحدثنا إليهن.

"العنوسة لفظة عنيفة تصِمُ أكثر مما تصف وضعًا اجتماعيًا"، كما تقول خديجة، وتضيف: "الرجال عزّاب يستمتعون بحريّتهم، ونحن عوانس لا يرغب فيهن رجل، من قرّر هذا؟ نحن نساء عازبات اخترن الحرّية ليبحثن عن ذواتهن في عالم متطلّب، ولأنهنّ لم يجدن من يستحقّ عناء دخول القفص لأجله. مثلنا مثلهم، جميعنا عُزّاب إلى إشعار آخر، وخطر زحف السّنين على أجسادنا، لا يفرّق بين رجل وامرأة".

طبعًا لا تفكّر كل النّساء مثلها، فمنهنّ من يتمنّى الزواج ويسعى إليه بكلّ السّبل، من دون أن ينجحن في ذلك، إمّا للتّخلص من سيطرة الأهل، أو لحلّ مشاكل معيّنة، أو لتكوين أسرة ولتجريب إحساس الأمومة. إذ تسجّل الإحصائيات ارتفاع متوسّط السّن عند الزواج الأوّل لدى النّساء، إلى 25.8 سنة، وهو مؤشّر يدلّ على تغيّر خارطة الزّواج في مجتمعات تقدّسه لكنه مع ذلك أفضل من المعدّل الذي كان قبل عشر سنوات وهو 26.3 سنة.


تأخّرنا عن القطار، ولم نتأّخر
تتراوح الآراء بين من تجد أنّها لم تفقد فرصتها في اللّحاق بقطار الزواج رغم بلوغها منتصف الثّلاثينيات، ومن تظنّ أنه فاتها، وتضع نفسها بين الفئة المتخلّف عنها وهي لم تصل منتصف العشرينيات.

تقول هناء (35 سنة) في حديث إلى "جيل" "هل تأخّرتُ حقًا عن الزواج؟ إنني مشرفة على عامي الخامس والثلاثين ولا أشعر أن قطار الزّواج فاتني، لا أؤمن بارتباط مسبق من غير حبٍ كبير، حب أعمى إذا أردنا، حب يصير معه الزواج مجرّد شكلية مكمّلة"، وتستدرك المتحدّثة: "لكن في نظرة المجتمع فإنني متأخّرة بلا أدنى نقاش".

"الوعي ورجاحة العقل تركوني بدون زواج"، تعترف الفتاة غزلان (24 سنة) في حديث إلى "جيل"، وتضيف "هكذا أصبحت (عباس) و(عبيقة) وغيرها من الأسماء الذكورية التي سمعتها مرارًا من الآخرين في إشارة إلى تأخّر زواجي. وتألّمت كثيرًا حين طرح علي السّؤال، هل أنت فعلًا أنثى؟ هل أنت امرأة؟ وهنا أتساءل: ما هي الأنوثة؟ هل يجب أن أتّصف بالميوعة حتى يراني الجنس الآخر امرأة، ويلتفت إليّ؟".

غالبًا ما يخشى الرجل -كما هو الحال بالنسبة لي- المرأة المحافظة التي لها شخصية مستقلّة وقويّة، والتي لا يستطيع التّلاعب بها، ولا إخضاعها لرغباته. ليتني كنت خرقاء كما تقول أمي، لكان لدي طفلان في سنّي الآن".


العنوسة تتفوّق على زواج القاصرات
في إحصاء سنة 2014، سُجّل ارتفاع ما يُعرف بنسبة العزوبة النّهائية في المغرب، أي الأشخاص الذين لم يتزوّجوا رغم وصولهم إلى سن 55، لتصل إلى 5,9 %من النّسبة الإجمالية لعدد العزاب، في وقت لم تتجاوز فيه عام 2004 ما يقارب 3%، بينهم، بلغت نسبة النساء 6,7%، بينما ينخفض المعدل عند الرّجال إلى 5,1%.

وهذا الارتفاع في معدّل سن العزوبية التي تصل إلى مراحل متقدّمة من العمر، يؤشّر على أنماط جديدة في الحياة في المجتمع المغربي، ليعيش نساؤه ورجاله كأفراد وحيدين إلى آخر العمر، في مجتمع كان يعرف طغيان ظاهرة الأسرة الكبيرة منذ عقود قليلة. وتبرز هذه الظّاهرة -العزوبية في سن 55- في المدن أكثر من القرى.

وبمقارنة بعض المؤشّرات الصادرة في السنوات الماضية، تبيّن أن نسبة النساء اللواتي يعشن بمفردهن ارتفعت من 2.9 % سنة 1999، إلى 3.5 % سنة 2007، وهي نسب مرشّحة للارتفاع أكثر في السّنوات المقبلة، مع ارتفاع هامش الاستقلالية، وازدياد نسب العزوف عن الزّواج لدى الرجال والنساء على حدّ سواء.

في نفس الإحصائيات، تراجعت نسبة العازبين والعازبات الذين بلغوا أو تجاوزوا سنّ 15 سنة، من 39,7% عام 2004، إلى 34,8% عام 2014. مع العلم أنّ سن الزواج القانونية في المغرب محددّة في 18 سنة. في المقابل، مازالت ظاهرة زواج القاصرات، رائجة رغم خفوت نسبي في حدّتها، فأشارت الإحصائيات إلى أن نسبة الفتيات من المتزوّجات دون سن 18 سنة، بلغت 82.4%، منهن 53.6%، في الوسط القروي، ويتزوّج معظمهن برخصة قاض لاعتبارات تدخل في الاستثناءات التي أفرغت هذا التّحديد من جدواه، بما أن من تختار أسرهن تزويجهن في سنّ مبكرة يفعلن ذلك بمباركة القانون نفسه.


الحرّية الجنسية
بعض الشّابات يرفضن فكرة الزواج، بما أنهن يعشن قصّة حب توفّر لهن العاطفة التي يحتجن لها، من دون التّورط في تجارب زواج أولى أو ثانية، مثل وفاء التي مرّت بفترة زواج قصيرة. وتقول في حديث إلى "جيل"، "لن يمكنني إمضاء عقد ألتزم فيه بالبقاء مع شخص واحد الآن، بعد تجربتي الأولى، لكنّي أعيش قصّة حب كاملة"، وتقصد أنها تنام عند شريكها عدة ليالٍ في الأسبوع، ثم تعود إلى شقّتها في العاصمة، "هكذا أفضل، بلا تعقيدات الزّواج"، لكنّها تقرّ "وضعنا لا يُرضي قناعاتي الدّينية، لكني مجبرة، لا رجل يقنعني لدرجة أن أبقى معه طول العمر".

في مقابل ذلك يتعامل المجتمع التقليدي مع الشّابات اللّواتي يخترن العزوف عن الزواج بإرادتهن بما يشبه القطيعة معهن. وهنّ أيضًا، عندما يكنّ وسط مجموعة، يصعب أن يقدّمن أنفسهن على أنهن غير متزوّجات، ولا يتحدّثن حول هذا الموضوع إلا مع صديقاتهن المقرّبات. والمتقدّمات منهن في السنّ، يشكّلن مجموعات يخرجن ويسافرن معًا ويستمتعن بحياتهن، يفضّلن ترك مساحة للغموض حول وضعهن الشّخصي. لكنهن يدخلن في ما يشبه العزلة حين يتقدمن كثيرًا في العمر، ويصبحن غير اجتماعيات في أوساط تعيش فيه قريناتهن مع أولادهن أو أزواجهن.


الزواج لم يعد آمنًا
نظرًا لارتفاع نسب الطّلاق، والتّجارب التّعيسة في الزواج التي تستمر رغم مشاكلها، تخشى الفتيات كل يوم أكثر اتخاذ قرار الزّواج، ويتّجهن بدلًا من ذلك لتحقيق أحلامهن في وظيفة أو عمل مستقر، لتوفير الاستقرار المادي أولًا، ثم بعد ذلك يأتي الزّواج الذي لم يعد خيارًا آمنًا، بل أصبح مغامرة ذات نسبة عالية من المُخاطرة. أو لم يعُدن يحلمن بفارس الأحلام، الذي سيتكفّل بتحقيق كل رغباتهن التي يسعين لتحقيقها وحدهن الآن، خاصّة مع وصول نسبة المطلقين نساء ورجالًا إلى 2,2% ، بعدما لم تكن تتجاوز 2% عام 2004.

رغم أن نتائج إحصاء السكان، أوردت تناقص نسب العزوبية بشكل ملحوظ في صفوف النّساء، خلال العقد الأخير، من 34% إلى 28.9%، وارتفاع نسب الزّواج إلى 57.8%، بدلًا من54%، إلا أن دراسات عدد من المنظمات المستقلّة مثل منظمة بريطانية تدعى "فاميلي أوبتيميز"، قدّمت أرقامًا قاتمة عن نسب العزوبية لدى النّساء، فهذه المنظمة صرّحت أن ثمانية ملايين مغربية في سنّ الزواج لم يتزوّجن، أي ما يمثل معدل 60% من عدد النّساء في المغرب.

                   

المساهمون