الأردن... قمة في بحرها الميت

الأردن... قمة في بحرها الميت

26 مارس 2017
(Getty)
+ الخط -

لا يخفي أسعد، سخطه وغضبه المر، بعد إقدام رجالات متصرفة لواء الشونة الجنوبية الأردنية، وبالتعاون مع مديرية الأمن العام، على إزالة كافة "أكشاك" ومحال بيع القهوة والمشروبات الساخنة "العشوائية"، ومن بينها محله الصغير المتواضع.

ما يزيد على 300 من "الأكشاك والمعرشات"، تمت إزالتها بالكامل، والتي تشكل تشويها للصورة الجمالية والحضارية للمنطقة السياحية التي يؤمها مئات الآلاف من السياح من مختلف دول العالم سنويًا، ولفت أسعد إلى أن الحملة تأتي، وفق ما أوضحه له المسؤولون، ضمن الاستعدادات الجارية لاستضافة مؤتمر القمة العربية هذا الشهر، والمؤتمر الاقتصادي العالمي في تموز/ يوليو المقبل، كما يوضح ساخرًا، في حديثه لـ"جيل".

المتحدث لا يعرف مكانًا في هذه الدنيا سوى بلدته المتاخمة تقريًبا لمنطقة البحر الميت (الجنوب الغربي من العاصمة الأردنية عمان)، فقد ولد فيها عام 1986، ولم يغادرها للإقامة في أي مكان آخر، ويقيم فيها استثماراً بسيطاً، في مجال بيع القهوة الساخنة على الطريق المؤدي لعمق البحر الميت، ويعرف، كما يؤكد، "حبات رملها وطوباتها وأزقتها وأهلها".

تشكل هذه "الأكشاك"، كما يبين أسعد، مصدر دخل رئيس لمئات الأسر، وإزالتها ستتسبب بمشاكل اقتصادية كبيرة لهم، وستزيد من معاناتهم المتفاقمة أصلًا، قائلًا "إن الأولى إيجاد مكان آخر لنقل هذه الأكشاك إليها، قبل البدء بعمليات الإزالة.. المئات من العاملين في هذه الأكشاك سيلتحقون بطوابير الفقراء".
لم تكتف السلطات المحلية بمسألة اقتلاع هذه الأكشاك والمعرشات، بهدف "تنقية المشهد الجمالي"، كما قال مسؤولون لـ"جيل"، بل عمدت إلى فرض غلق أمني كامل لمنطقة البحر الميت، التي تشهد أعمال القمة العربية، لتأمين أمنها وسلامتها وأعمالها، فيما يستمر الغلق حتى ظهر الخميس، الموافق 30 من شهر آذار/ مارس الجاري، وهو موعد نهاية أعمال القمة.

ويشمل الغلق الأمني جميع الأفراد والمركبات بالاتجاهين، باستثناء من يحملون التصاريح الأمنية التي تخول لهم ذلك، حيث تشهد منطقة القمة ومحيطها إجراءات أمنية مشددة في إطار احترازي، وفق متصرف لواء الشونة الجنوبية، باسم مبيضين.
وبسبب إصرار السلطات المحلية، ومن بينها – بالتأكيد - أمانة العاصمة الأردنية (عمان)، على المشهد الجمالي غير المشوه لهذه المنطقة السياحية المهمة، عمدت أمانة عمان لرش ممرات منطقة البحر الميت، المحيطة بمكان إقامة القمة العربية، بالمبيدات الحشرية، بهدف الحد من الذباب والحشرات المختلفة التي على ما يبدو قد غزت المنطقة، بحسب الشاب أسعد.

الأمانة، بحسها المرهف، وذكاء مهندسيها، يسخر أسعد، بدأت بتزيين طرق العاصمة عمان والبحر الميت بزراعة الأشجار والزهور، إضافة إلى تهيئة الشوارع وتعبيدها، استعدادًا للقمة.. "عادة ما تقوم الأمانة بتعبيد الشوارع في بداية نيسان/ إبريل من كل عام، إلا أنها بدأت العمل في هذا العام باكرًا، بسبب القمة العربية.. كل شيء لا يجب إهماله، سوى مصدر رزقنا. علينا التحلي بالصبر"، يقول أسعد.

عمومًا، وتعليقًا على حقيقة هذا الاهتمام بالمعلم السياحي الأبرز، منطقة البحر الميت، يعلم الأردنيون تمامًا أن الطريق من عمان العاصمة إلى البحر الميت، تكون بعرض إجمالي يتسع لسيارتين فقط، سواء عند تقابلهما وهما تسيران في اتجاهين متعاكسين، أو عند تجاوز واحدة منهما الأخرى وهما تسيران في اتجاه واحد. وفي ظل هذا الواقع، كان المواطنون، الذين يسلكون هذه الطريق، يعانون من التعرض لخطورة بالغة عند التجاوز الخاطئ، وبخاصة أن الطريق بطبيعتها ذات كثافة عالية في عدد المنحنيات الخطرة غير المكشوفة للسيارة المتجاوزة.

إذا، فإغلاق منطقة البحر الميت، أمنيًا، ما هو إلا استعداد لعقد القمة العربية، في مؤشر حيوي على درجة الاهتمام التي تبديها سلطات الأردن لعقد اجتماع عربي، مرتبط بالكثير من الرهانات، ودون حصول أي مفاجآت أمنية من أي نوع.

وإن كان أسعد أو غيره من القاطنين على حواف منطقة البحر الميت لسنوات عديدة، إلا أن أيا منهم لا يدرك تمامًا أسباب منعه هو وغيره من الأردنيين من زيارته بالفعل، ورؤيته على الأقل، كما سيفعل ملوك ورؤساء الدول العربية، حين يأتون بعد أيام؟! فمنطقة البحر الميت عمليًا، مفتوحة ومنبسطة، وفيها مرافق فندقية مرفهة، وسبق أن استضافت عدة مرات قمة "دافوس" الاقتصادية، والإغلاق الأمني المبكر، قبل نحو أربعة أسابيع على الأقل من الموعد الرسمي، ما هو إلا رسالة تقول للجميع: "إن الأردن يحرص كل الحرص على ترتيبات أمنية كبيرة، لا يمكن التذرع مع وجودها بحصول أي نقص في الترتيبات الأمنية".

والإغلاق الأمني، كما يرى خبراء، يخفف من القلق، ويحصر حركة كبار الضيوف والوفود في منطقة ساحلية محدودة ومغلقة ومحاطة بكل أنواع الحراسات، فلا تكون الحاجة ضرورية للعبور في عمان العاصمة، المزدحمة أصلا.
في الوقت الذي بدأت فعليا ومع بدايات شهر آذار/مارس، الوفود اللوجستية والدبلوماسية بالتحضير لاجتماعات الخبراء، التي ستعقبها اجتماعات وزراء الخارجية العرب في الفترة ما بين 22 إلى 25 آذار/مارس. المحللون السياسيون الذين التقاهم "جيل"، كشفوا أن لدى الحكومة الأردنية ملفات سياسية خاصة للاستثمار في القمة العربية، على أمل، يوضح هؤلاء، الانتباه، "للدور الأمني المركزي الذي تلعبه المملكة في المستوى الإقليمي، وبصورة تجذب انتباه الدول العربية الممولة، وتحديدا الخليجية، للأزمة الاقتصادية أردنيا".

ولأن القمة العربية تشكل فرصة لعرض وجهات النظر العميقة للأردن إزاء العديد من ملفات وقضايا المنطقة، وهنا تحديدا، تجهز الأردن المضيف نفسه للاستثمار السياسي الأكبر، عبر رئاسة القمة العربية، لمدة عام كامل، وتحديدا في الملفين "الفلسطيني والسوري". بعض المعلقين السياسيين يحب أن يعود بالذاكرة إلى مؤتمر آخر مهم، عقد في الأردن في نوفمبر/ تشرين الثاني 1987، ترأسه الملك الراحل حسين، وتم فيه اتخاذ قرارات مهمة، منها إنهاء المقاطعة العربية لمصر بسبب توقيعها الأحادي لمعاهدة سلام مع "إسرائيل"، ودعم العراق في حربه مع إيران.

ولهذا، يوضح هؤلاء في حديثهم لـ"جيل"، أن الكثيرين يتطلعون باهتمام إلى قمة عمان، ليشهدوا كيف سيتعامل الأردن مع الانقسام العربي، والنزاعات المذهبية، والتهديد الإيراني، وعملية السلام الجامدة بين إسرائيل والفلسطينيين، والملفات الساخنة الأخرى في العراق وسورية وليبيا.

شعبيًا، حتى اللحظة، لا تحظى أخبار القمة، سواء الصادرة من أفواه المسؤولين، أو حتى وسائل الإعلام المختلفة، بكثير اهتمام، وغالبًا ما تقابل باللامبالاة الأردنية المعروفة، حتى وصل الحال لأن تكون مادة ساخرة على مواقع التواصل الاجتماعي. ففي الوقت الذي انشغلت فيه بلدية العاصمة عمان بواجباتها، كما يقول ناشطون على مواقع التواصل، وتحركت آلياتها ومعداتها لتنظيف وصيانة الطريق، يتساءل هؤلاء عن تلك القاعة الملكية الكبرى، والمخصصة أصلا لمثل هذه المناسبات، وسلسلة الفنادق الراقية على طول شاطئ البحر الميت، وهي تتسع لأكثر من 2000 ضيف على الأقل، فهل سينال الأردنيون، بعد أيام الانعقاد، فرصة لزيارتها والتمتع بمحتوياتها؟

وذهب الكثير من نشطاء التواصل الافتراضي لتناول ميزة مكان انعقاد القمة، البحر الميت، ما يوحي، وفق هؤلاء، بأن قرارات هذه القمة لن تصل إلى مستوى الأرض، في إشارة إلى عدم وجود تأثير للقرار العربي على الساحة الإقليمية. إلا أن آخرين رأوا، وفي سياق الطرافة، أن مكان انعقاد القمة العربية في الجزء الشمالي من البحر الميت، وعلى قرب من جسر العودة، وهو ليس بعيدًا من مدينة أريحا الفلسطينية، يمثل حقيقة جغرافية كافية لأن تضع القضية الفلسطينية في أعلى سلم أولويات القمة العربية.

الجدير ذكره، تاريخيًا، يعرف الجميع أن سجل القمم العربية لم يكن حافلًا بالإنجازات، بل كان سببًا لتسليط الضوء على الانقسامات والنزاعات، فهل ستحييها القمة من جديد، أيضًا في منطقة البحر الميت، أم أن الجميع ليس بحاجة أكثر للتذكير بخطورة المرحلة؟ يتساءل أسعد.

المساهمون