شكرًا ماما سوزان.. المدرسة لا تزال في الرعاية

شكرًا ماما سوزان.. المدرسة لا تزال في الرعاية

24 مارس 2017
(في الجيزة، تصوير: خالد دسوقي)
+ الخط -

"ماما سوزان.. بابا حسني.. إحنا الجيل الجاي لمصر.. وبترعونا وبتحمونا وتخلونا نشرّف مصر". على نغمات السقفة السباعية المميزة للمدرسة المصرية، كانت تلك أغنية الطابور الصباحي يوميًا، عقب تحية العلم والنشيد الوطني في مدرسة السلام المشتركة؛ إحدى مدارس الرعاية المتكاملة التى أنشأتها سوزان مبارك في الثمانينيات.

احتلت المدرسة الرقم واحد في ترتيب مدراس المنطقة الشعبية الواقع فيها "بولاق أبو العلا"، بين مدارس أخرى لم تنل حظ الرعاية، فتميز أبناء السلام بالمريلة البمبي الزاهية بديلًا عن اللون البنى "الكاكي" المميز لمدارس تلك الفترة، وعرف طلاب المدرسة الحقيبة الجلدية عوضًا عن تلك القماشية التي تشبه "مخلة الجيش".

داخل المدرسة المميزة، كان الأطفال يستمتعون بحصة للمكتبة، يقرأون فيها مجلة ماجد والكتب التعليمية المناسبة لسنهم. شاهدوا لأول مرة عرض القصص المصورة على شاشة البروجكتور، كان الأمر مسليًا حينما قارنوا ما يشاهدونه بعرض الأراجوز الذي كان يتابعه أطفال الحي في مولد السلطان.

مقارنة بالمدارس المحيطة، امتلكت المدرسة التي ترعاها قرينة رئيس الجمهورية فناءً واسعًا، يستعد دومًا لاستقبال البطولات المدرسية في كرة السلة، والكرة الطائرة، وكرة القدم التي تعرف الأطفال على ملمسها لأول مرة أثناء حصة الألعاب. كان أغلبهم يعتقد أن الكرة الشراب التي يلعبون بها أمام منزلهم هي الكرة الحقيقية.

لم تتغير نظرة الأطفال عن الكرة فقط، بل تغيرت نظرتهم عن العالم، فقد ظن أطفال السلام الذين تزورهم ماما سوزان مرة كل عام، ويهتم محافظ القاهرة بحضور اجتماعات برلمانهم الصغير، أن الدنيا قد دانت لهم، وأن وجود أكوام القمامة ملاصقة لسور المدرسة لا ينفى عنهم صفات النبوغ والعبقرية، وإلا لماذا تهتم بشأنهم أهم سيدة بالدولة؟

انتهت المرحلة الابتدائية وانتقل الأطفال إلى الإعدادية، رفعت السيدة الأولى يدها عن الرعاية، فانتقلت الفتيات إلى مدرسة "أبو العلاء"، وانتقل الفتيان إلى مدرسة "أمير اللواء".

"الذكريات المدرسية"، تلك المرحلة التي تنظر إليها بعد سنوات عديدة، ثم تبتسم ابتسامة مريحة متمتمًا "كانت أيام"، خلت تلك الأيام من "المعيز" كما رُوى في الأثر عن "أبوعبد الرحمن"، ونجت تلك الأيام من أهوال اللانش بوكس، وساندويتشات البيرغر، والوصفات الصحية للأطفال. فقد كان "كيس الكشري" أبو نص جنيه، هو متعة الأجيال، التي اعتبر أبناؤها أن من لم يُجرب رغيف المكرونة، والدوم والحرنكش على أبواب المدرسة، قد فاته الكثير من متعة التعليم في مصر.

عرفت أجيال الرعاية المتكاملة فى مصر، في مطلع الثمانينيات، رفاهية الرحلات المدرسية التي لم يعرفها أقرانهم من أصحاب "المريلة البني". زار أبناء سوزان المتحف المصري، والأهرامات الثلاثة، وطأت أقدامهم أرض بانوراما أكتوبر، فهي الرحلة المقررة في الكتاب المدرسي. زار بعضهم مصانع الجبن والمكرونة في زيارة كانت تنتهي دومًا بحقيبة مملؤة بأنواع مختلفة من الاجبان وتشكيلة من أكياس المكرونة لكل تلميذ "لفرحة بابا وماما".

أما المحظوظون من المرضي عنهم وأبناء الأساتذة المسجلين في المدرسة، فقد كان نصيبهم من الرحلات المدرسية أكبر وأعظم، فقد نالوا هبات وزارة الشباب والرياضة لأطفال ماما سوزان، حيث رحلات الفيوم والإسماعيلية ومعسكرات أوائل الطلبة.

جال كل هذا في خاطر الرجل الذي تخطّى عامه الخامس والثلاثين، وهو يتابع عبر صفحة إحدى المدراس الدولية على الفيسبوك، أخبار معسكر أطفال المدرسة في لندن. لم يكن وقع عاصمة الضباب عاديًا على مسامع "منصور"، فهو الذي لم تدرك مخيلته وجود عاصمة بلاد الإنكليز إلا في كتب التاريخ، حتى وصل إلى المرحلة الثانوية، فاجأه أن أطفالًا لا تتعدى أعمارهم العشر سنوات يقضون أسبوعين داخل الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، كما كان يفضل الأستاذ عبد الرازق مدرس الدراسات الاجتماعية أن يطلق عليها، التلفريك، وألعاب التخييم، والتزلج على الرمال، ورياضات متنوعة.

عرف منصور بعضها ولم يعرف بعضها الآخر. يتذكر الشاب "كيسة الساندويتشات" التي كانت توصيه بها أمه كل صباح: "كان ساندوتش جبنة بيضا وساندوتش حلاوة وكنت بحس إني أمير وسط العيال اللي معاهم فول وطعمية".

لم يفلح وجود المدرسة في الكويت بأن يبعد عن الأطفال المحظوظين عيون المصريين المتلصصة على صفحة المدرسة البريطانية، ولم تُجد دعوات الأمهات بأن يحمى أولادهن وأن تمر رحلتهم على خير، فما هي إلا ساعات قليلة بعد انتشار أخبار الرحلة المدرسية إلى لندن، حتى جاء خبر الحادث الإرهابي في ويستمنستر، ليفرح المصريون بالأمن والأمان: "حديقة الأزهر أهدى مكان في العالم".

المساهمون