أحمد الدقامسة.. حرّ

أحمد الدقامسة.. حرّ

12 مارس 2017
+ الخط -


لا يمكن أن توصف الأجواء الحماسية، التي تعيشها المدن والبلدات الأردنية هذه الأيام، عقب الإفراج عن الجندي المسرّح أحمد الدقامسة، إلا بأنها "قنبلة مدوية"، تنسف أي نشاط من شانه، إعادة إحياء فكرة التطبيع ما بين الأردنيين والصهاينة على أرض المملكة.

الدقامسة، الذي قتل بنفسه، قبل عشرين عامًا من الآن، فكرة التطبيع "الودي" بين بلاده و"إسرائيل" عام 1997، حين أطلق النار على فتيات إسرائيليات، كن يزرن منطقة "الباقورة" الحدودية، فقتل سبعًا منهن وجرح أخريات، ليعود مرة أخرى، ويجسد المزاج الأردني العام، ونظرته للعلاقة مع العدو الجار "إسرائيل"، واقعًا لا مناص منه، كما أخبر هو نفسه بذلك، بعد ساعات قليلة فقط من الإفراج عنه.

الدقامسة، الذي بدا في حلة رسمية أنيقة وبسيطة، توسط العشرات من أقربائه وأحبائه، أمام منزله في مدينة أبدر الشمالية، أكد أن "الكثير من العرب والمسلمين، يتبجحون بكلمة (إسرائيل)، محاولين تزوير الحقائق والتاريخ.. فلا وجود لهذه الكلمة، ففلسطين واحدة، من البحر حتى النهر، ومن الناقورة وحتى أم الرشراش، وغير قابلة للتقسيم، فلا تصدقوا فكرة التطبيع مع الكيان الصهيوني، وقصة حل الدولتين، ففلسطين واحدة"، وفق وصفه.

شقيق الدقامسة عبد الله، كشف قبل هذا اللقاء لـ"جيل"، تفاصيل ليلة الإفراج عن شقيقه، مبينًا أن الأجهزة الأمنية قد قامت بإيصال شقيقه لمنزل والدته، وكان محاطًا بحراسة أمنية مشددة، موضحًا أن توقيت إطلاق سراحه لم يفاجئهم، مشددًا على أن العائلة كانت واثقة من إطلاق سراحه عقب انتهاء محكوميته، وذلك بعد تصريحات الناطق الرسمي باسم الحكومة الأردنية.

أضاف المتحدث، أن المظاهر الاحتفالية بالإفراج عن شقيقه ستنطلق في ديوان عشيرة الدقامسة في بلدة أبدر، في محافظة إربد، نافيًا في الوقت نفسه، تواصلهم مع أي شخصية حكومية رسمية، حول مظاهر الاحتفال بالإفراج عن شقيقه.

هكذا، انقلب ليل قرية الدقامسة إلى نهار، على وقع الاحتفال بالإفراج عن ابنها أحمد، وجالت عشرات السيارات في شوارعها، ابتهاجًا بعودته، إضافة إلى هتافات رددها الأهالي تحيي "بطولته وشجاعته"، فيما أمت جموع من المواطنين، من مختلف محافظات الأردن، منزل الدقامسة للتهنئة بسلامته، رغم تأخر وقت الإفراج عنه.

في سياق مختلف تمامًا، تفاجأ الكثير من الأردنيين، وفي خضم فرحتهم بالإفراج عن "رمز بطولتهم"، بآراء لا تتفق والنسيج العام الشعبي، متسائلة "هل يرضينا أن يصبح جنودنا قتلة أطفال، مثل جنودهم، الذين نشمئز منهم بحجة التعامل بالمثل"؟؟ وفق أحد المعلقين على مواقع التواصل الاجتماعي، عقب نقله لهذا السؤال، من صفحة أحد من يوصفون بـ"المدافعين عن حقوق الإنسان".

لم يتوقف الأمر عند هذه التعليقات "الافتراضية"، بل انتقل بشكل ملموس في عبارات بعض الكتاب والنشطاء السياسيين "المؤثرين" كما يوصفون، من أمثال، باسل الرفايعة، الذي اتهم صراحة الدقامسة بارتكاب سبع جرائم، وقتل سبع "طفلات إسرائيليات"، كن في رحلة مدرسية إلى منطقة الباقورة الأردنية، المستعادة من إسرائيل، وفقًا لـ"معاهدة السلام".

يتابع الرفايعة، في مقال نشره بعد الإفراج عن الدقامسة بساعات قليلة، بأنه "لا بطولة في قتل الأطفال"، مكذبًا في الوقت نفسه، كل التبريرات التي ساقها ابتداء الجندي لقتل الفتيات الصهيونيات، ومحذرًا كذلك، من "خديعة البطولة"، التي نعتها الكاتب، بأنها "هي أسوأ ما يواجهه أحمد الدقامسة، وقد كان شابًا عندما ارتكب جرائمه السبع، وربما نضج، أو تعافى من مرضه، ليعيد النظر في ما حدث قبل 20 عامًا.. وهو الآن يحتاج تأهيلًا أكثر من هذا الضجيج والتمجيد الزائف، ولا نصيحة أفضل من أن يعرب عن ندمه، ويعتذر.. فربما يساعده ذلك في سلام داخلي، وحياة أقل ندماً"، وفق زعمه.

آخرون، رأوا أن ما قام به الدقامسة، مجرد تصرف فردي، لا يخرج عن كونه ردًا على إساءة نفسية، واستهزاء ديني، تعرض له، ما اضطره تحت وطأة الغضب، بالرد عليها بالدم والنار، لتستغلها، يقول هؤلاء، المعارضة العجوز، والتي "صدقت بأن الطفلات سخرن من صلاته"، ليحولونه "بطلا" من قش، وفق تعبيرهم.

فـ"الأطفال الإسرائيليون، لا يمثلون عدوا لنا كأردنيين، وحين نقتل الأطفال.. فإننا نشبهه.. فلا أحد منا، يقبل أن تكون بناته في رحلة، فيطلق جندي إسرائيلي النار عليهن.."، بحسب ما باح به لـ"جيل"، بعض الناشطين في مجال حقوق الإنسان في الأردن، تعليقا على الاحتفال بالإفراج عن الدقامسة، مطالبين بعدم كشف هويتهم، نظرا، كما قالوا، "إن الطرف الآخر قمعي إرهابي، لا يقبل وجهة النظر الأخرى".

الرد كان سريعًا على مثل هذه التعليقات، التي تتعارض مع المناخ الشعبي العام الأردني، مثلما يؤكده ناشطون أيضا على مواقع التواصل، الذي يرون، أن "لغة التحاور، ومن ثم، الاختلاف في الرأي، يجب ألا يفسد للود قضية.. فكلما برز حدث، ينقسم الناس، وتتباين وجهات النظر، وهذا أمر صحي، ولكن، يستدركون، عندما يتحول الأمر إلى تخوين ومقاطعه، وشتائم، فهذا هو المرض بعينه"، وفق تعبيرهم.

عموما، فإن احتفاء الأردنيين بالإفراج عن الدقامسة، يقول الإعلامي حسام غرايبة، ليس لأنهم يمجدون قتل طلاب مدارس من اليهود، وليس لأن الأردنيين يحبون القتل أو سفك الدماء، بالرغم من كراهية الأردنيين الشديدة للصهاينة ورغبتهم باقتلاعهم من فلسطين، وإنما، لـ"أن الجنود الصهاينة، يقتلون بدم بارد كل يوم الفلسطينيين، وكذلك الأردنيين، كما فعلوا مع القاضي زعيتر، والشاب العمرو وغيرهما، ومحاكمهم لم تتخذ أي إجراء بحق جنودهم، فيشعر الأردني، أن احتفاءه بالدقامسة، فيه نوع من رد الاعتبار، وشيء من شفاء الصدور مقابل جرائمهم المتكررة".

من ناحية أخرى، يمكن اعتبار الاحتفاء، بأنه نوع من التعبير الغاضب من قبل الشعب، تجاه سياسات الحكومة، التي لم تنتصر لكرامته، بسبب مواقفها الضعيفة، تجاه ما تفعله "إسرائيل"، من إجراءات تمتهن فيها كرامة الأردنيين، لا سيما مقدساتهم الإسلامية والمسيحية في الأراضي المحتلة، وهي التي تملك أدوات ضغط دبلوماسية كثيرة، وفق أستاذ العلوم السياسية عامر السبايلة.

تجدر الإشارة، إلى أن السلطات الأردنية، فرضت إجراءات أمنية مشددة في منطقة إربد، بعد وصول أحمد الدقامسة إلى منزله هناك، بعد الإفراج عنه مباشرة، فيما منعت الأجهزة الأمنية، الصحافيين ووسائل الإعلام من تصوير فعاليات استقبال الدقامسة.

المساهمون