غزّة: مريم تصنع خدعًا سنيمائية أقوى من الحصار

غزّة: مريم تصنع خدعًا سنيمائية أقوى من الحصار

25 فبراير 2017
(بعض ما تقوم به الفنانة مريم صلاح)
+ الخط -
مازالت غزة بعيدة كثيرًا عن المجالات السنيمائية وتخصّصاتها، نظرًا لظروف الحصار الذي باتت تعيق المجال الفني والإبداعي لدى كثيرين، ممن يرغبون في تطوير المستوى الفنّي والأعمال السنيمائية ونشر ثقافتها، ولغاية اليوم لا تزالت الإنجازات في هذا المجال فردية، ينتهي مسارها بخروج المبدع إلى خارج القطاع لتطوير نفسه والعمل في مجاله.

في مقابل هذا، بعض المبدعين لم تفصلهم ظروف الحصار عن تعلّم ما أحبّوه في مجالات السينما، واتخذوا شبكة الإنترنت وسيلة لتطوير مهاراتهم، كانت من بينهم مريم صلاح التي تعلّمت الخدع السينمائية واستطاعت العمل فيها كأوّل فتاة في قطاع غزة تشتغل في مجال الخدع.

مريم صلاح، فنانة تشكيلية شابة تبلغ 21 عامًا، طالبة تحضّر لتخرّجها من كلية الفنون الجميلة في جامعة الأقصى في غزة، تتقن الفن التشكيلي والفنون المعاصرة وإنجاز اللوحات المركبة باستخدام المعادن والأدوات الإلكترونية، والنحت، والميك آب السنيمائي والخدع السنيمائية أيضًا، وكانت الأعمال السنيمائية، خصوصًا الخدع في أفلام الرعب شغفها منذ طفولتها ولم تخف منها، وكانت تستفسر عنها من والدها الذي عمل ممثلًا ومخرجًا.

اكتشفت أسرتها موهبتها عندما كانت ترسم خرائط فلسطين على دفترها وهي ابنة الحادية عشرة، ظنّت والدتها أنها تقوم بطباعة رسومات الخرائط، لكنها قامت بالرسم أمامها لتتلقى التشجيع من الأسرة بعدها، ثم أتقنت عمل "الميك آب" على وجهها، وتعلّمت خلالها أن تثبت يدها لوضع الأدوات التجميلية بشكلها الصحيح والسريع، هذا ما جعلها أقوى في الرسم على اللوحات والنحت خلال السنوات اللاحقة.

أحبّت مجال الخدع السنيمائية لأنها تهوى أفلام الرعب والمشاهد الدامية، وتعتبرها من ميولاتها الفنيّة، وعندما كانت تستفسر من والدها الممثّل والمخرج، حسن صلاح، عن كيفية إتمام عملية الخدع، لم يكن يجبْها بالتحديد نظرًا لمحدودية معرفته في فن الإخراج والتمثيل، إنّما منحها رؤوس أقلام لبعض الخدع البصرية، لتبدأ بعدها رحلة البحث.

حين بلغت الثانية عشرة من العمر، توفّرت لها بعض وسائل الرسم، فكانت تدمج الألوان مع بعضها، وتطوّر مهاراتها في رسم الطبيعة الصامتة، والرسم بالفحم، و"الميك آب" التجميلي والخدع السينمائية، لكنّها لم تظهر موهبتها خارج أسرتها ومحيطها، واستمرّت بتدريب نفسها حتى قامت بعمل أوّل خدعة بصرية قبل خمس سنوات على يد أخيها، ولاقى إعجاب كثيرين عندما نشرته على صفحتها على فسيبوك، لكن بالمقابل شعر بعضهم بالتخوّف من عملها، نظرًا لعدم وجود تخصّص الخدع البصرية في القطاع.

هذه الخطوة دفعتها لتطوير آدائها في المجال، واستمرّت في الاشتغال على موهبتها إلى غاية التحاقها بشركة للخدع البصرية الأولى في قطاع غزة، وهي أول فتاة تعمل بشكل رسمي في المجال، واعتمدت في تعلّم الخدع السنيمائية، على مشاهدة بعض الفيديوهات التي تخصّ الخدع البصرية، ومتابعة المحترفين في صناعة الخدع البصرية بشكل متواصل.

تقول في حديث إلى "جيل": "أكثر الأمور التي تشغلني في الأعمال الفنية القضايا الغامضة، مثل القضايا الوهمية والعالم الخارجي، أحاول الاهتمام بإخراجها وضياع الفنان في الشعور الذاتي، وعرض قضايا بسيطة من المحيط الذي حوله، لذلك مثل هذه المجالات أحب الخوض فيها".

شاركت في أعمال أفلام وثائقية مع مؤسّسات طبيّة عاملة في قطاع غزة، خلال عمل خدع على الأجسام البشرية قبل التصوير، وأدوات تجميلية لحالات مرضية وحالات تعرّضت لحوادث اصطدام، وصممت الخدع البصرية في فيلم وثائقي بعنوان "النعش الناري" خلال مشاهد تمثيلية بالدماء وحالات الجروح الكبيرة.

بعض المقرّبين من حولها، يستغربون نشاطها كفتاة تعمل في إنجاز خدع بصرية يخشى رؤيتها كثيرون، هنا تقول مريم: "بعض الفتيات يخافون من هذه المظاهر، لكني تعوّدت على ذلك لتعمقي في المجال، والمجتمع يفرض بعض الأمور على اختيار التخصّصات للفتاة، وأنا لا أنظر لمثل هذه الفرضيات، لأنها تشكّل تحدياً لكثير من المبدعين، فقد تكون الفتاة أنجح من الشاب نفسه إن خاضت فيها".

تعبّر أيضًا عن رضاها في عملها، رغم قلّة المواد المتوافّرة في غزّة، من أدوات تجميلية وتركيبات مصنّعة، وتقوم بصناعة نسبة 80 في المائة من أدوات الخدع البصرية التي تشتغل بها، وتظهر نفس تركيبة الخدعة المستخدمة في السينما الخارجية.

تقول المتحدّثة: "بشكل عام، القائمون على الأفلام في الخارج يحصلون على أدوات الخدع التجميلية من شركات خاصّة تقوم بتصنيعها، لكني أقوم بعملها من الصفر، والأدوات تكون عبارة عن عجينة خاصة لجروح السكار واكس، واستعنت بأدوات بديلة كثيرة لصناعة هذه المواد والأدوات الدقيقة والعظام بواسطة الجبس، وتعطي في النهاية نتائج مشابهة، تقلّ بنسبة بسيطة عن المواد الأصلية".

إلى جانب الخدع البصرية، شاركت مريم في عدّة معارض محليّة للرسومات واللوحات، مثل معرض المرأة في الهلال الأحمر الفلسطيني عام 2014، ومهرجان الفن التشكيلي المعاصر في 2015، وتقوم بعمل اللوحات المركبة، وهي لوحات تنجز باستخدام القطع المعدنية والخردة، ويتم تجميعها لاستخراج فكرة معينة من واقع يعايشه الناس، والصراعات الدائرة بينهم.

المساهمون