"الحراك الشعبي" الأردني: زمن الانتفاضة "الزرقاء"

"الحراك الشعبي" الأردني: زمن الانتفاضة "الزرقاء"

20 فبراير 2017
+ الخط -

ظنّ الفريق الوزاري الاقتصادي الأردني، في حكومة هاني الملقي، الذي كان يحتفي بمرور الأسبوع الثاني على التوالي، دون ظهور مؤشّرات اعتراض شعبي على الأرض، عقب موجات رفع الأسعار أخيرًا، أن ذلك سيستمر، رغم تداعياته على المواطن محدود الدخل، غير أن ذلك لم يتحقّق.

فـ"الغضب الافتراضي، عبر وسائط التواصل الاجتماعي، والذي أراح الحكومة خلال الفترة الماضية، يتحوّل اليوم إلى واقع حي يتفاعل الشارع معه، انطلاقًا من عاصمة الجنوب الأردني مدينة (الكرك)، ليكون أول مطالبه، #ارحل_يا_ملقي، بسبب سياسة الجباية التي تنتهجها حكومته، لسدّ عجز الميزانية المنهوب".

هكذا عبر الناشط محمد الدويري على مواقع التواصل الاجتماعي، تعليقًا على الوقفة الاحتجاجية التي شهدت حضورًا جماهيريًا كبيرًا، انطلاقًا من أحد أهم مساجد مدينة الكرك (جنوب الأردن)، مؤكدًا أن ذلك كان بمثابة نجاح باهر للحراك الشعبي الافتراضي، في وقت تتخاذل فيه أحزاب المعارضة، وتصمّ آذانها عن أنين الشعب المتألّم، وفق تعبيره.

فالآلاف من أبناء المحافظة الجنوبية، التي لم تلتئم جراحهم عقب العملية الإرهابية مطلع العام المنصرم، هتفوا، وفق شهود عيان، بإسقاط حكومة هاني الملقي، نتيجة قرارات فريقه الوزاري التي نعتوها بأنها "حكومة جباية"، في إشارة إلى ما اتّخذته من إجراءات اقتصادية قاسية طاولت قوتهم.

ورفع مشاركون لافتات وشعارات مندّدة بالنوّاب "المطبّلين"، والذين سارعوا للهجوم على زميلهم في المجلس صداح الحباشنة، بعد توجيهه انتقادات للقرار، في الجلسة التي خصّصت لمناقشة ارتفاع الأسعار الأسبوع الماضي، والتي أجلّت بسبب خروج الرئيس منها.

وكان الحباشنة قد شنّ هجومًا لاذعًا، انتقد فيه الملقي، معتبرًا أنه سبب "كل المصائب في الأردن"، وفق قوله، ما دفع رئاسة المجلس النيابي لتحويل النائب للجنة السلوك النيابية.

الوقفة الاحتجاجية، والتي شارك فيها أكثر من أربعة آلاف مواطن، وفق ما أكده لـ"جيل"، شهود عيان، دلت أن "الارتياح" الرسمي، لم يكن يقرأ جيدًا مسألة الاحتقان المتراكم عند الشعب، وبالتالي، واصل سياسة "الجباية" من جيوب المواطنين، مصرًّا على غرس الاعتقاد السائد الآن يأن الحكومة الحالية "لا تملك مخزونًا استراتيجيًا من الأفكار والمقترحات، التي تضمن للمواطن على المدى البعيد، تقليص عجز الموازنة"، وفق معلّقين اقتصاديين.

يبدو أن الحكومة الحالية "مغتاظة" جدًا من مسألة السماح بنقاش يطالب بتفسير الخلفيات والدوافع لمواصلة السير بإجراءات الجباية، مكتفية بتكرار أسباب الأزمة المالية، والتي حصلت جرّاء العجز في كلفة وفاتورة الطاقة، إضافة للكوارث التي تعصف بالإقليم، وعليه، الأولى في هذه الأوقات، "حماية الجبهة الداخلية، واتخاذ إجراءات جادة، خشية حدوث مشاكل أكبر".

وإن كانت الحكومة وأجهزتها الأمنية تستعد فعليًا منذ فترة ليست بالقريبة، لمواجهة مع الشعب في الشارع، من خلال، مثًلا، إجبار أصحاب محال "الإطارات" على التخلّص من التالف منها، خوفًا من استخدامها في مظاهرات محتملة، وفق ما يؤكده لـ"جيل"، مصدر رسمي مسؤول، فإن القائمين على "الحراك الشعبي"، الذي لجأ إلى العالم الالكتروني، كخطوة استباقية لأي إجراء على الأرض، كان متنبها جيدا أيضا لردة فعل الحكومة.

ويجمع نشطاء في الحراك الالكتروني على أنهم نجحوا إلى حدّ بعيد في تجاوز المرحلة الأولى، في مواجهة القرارات الاقتصادية، من خلال حملات "المقاطعة الافتراضية"، التي رصدت رضا الشعب عنها، بل والتفافه حولها بطريقة عفوية، لدرجة جذب نخب سياسية - حزبية ونيابية.

ويرى هؤلاء النشطاء، في حديثهم لـ"جيل"، أن ما كان ينتظره الحراكيون الشباب، قبل اتخاذ خطوة النزول للشارع، قد تحقق أخيرًا، متجسدًا بالدعم الشعبي الكبير أولّا، ومن ثم في مرحلة لاحقة بالدعم البرلماني، الذي خذل الشعب حين أعطى الثقة لقانون الموازنة ومن ثم تمرير الخطة الاقتصادية الخشنة، ما استدعى تصحيحًا من قبل بعض البرلمانيين، كان أوضحه التأييد المطلق لحملات المقاطعة الشعبية.

وإضافة إلى ذلك، يمكن اعتبار الحضور الضخم، والذي شارك في الوقفة الاحتجاجية، ومن كافة المحافظات، يمثل انتصارًا استراتيجيًا مهمًا بالنسبة للحراك، إذ إن المدينة التي احتضنتها، لم تشفَ بعد من جراحها بسبب العملية الإرهابية التي استهدفت قلعتها، ما أعطى الضوء الأخضر لحكومة الملقي، بتشديد القبضة الأمنية، وخنق الحريّات والتعبير عن الرأي، مستغلة قضية ضبط الساحة المحليّة ومحاصرة الفكر المتطرّف.

إلا إن هذا، يقول ناشطون حراكيون، لم يثن المدينة الجنوبية عن دورها الوطني، في مجابهة سياسة الحكومة الاقتصادية، والخروج في طرقاتها تنديدًا بها، وهذا ما لم يحدث، عقب العملية الإرهابية، علمًا أن مدينة الكرك خاصة، والجنوب الأردني عمومًا، يعتبر الداعم الرئيسي للنظام، والمخزون الأبرز للمؤسّستين الأمنية والعسكرية.

عودة الحراك في الكرك، وبنكهة شعبية ونيابية هذه المرّة، أرعب الحكومة الأردنية، بسبب نشر التجربة في كافة أنحاء البلاد، خاصّة أن المناخ مهيأ تمامًا لانتقاله بسرعة غير متوقّعة في عدّة محافظات، وهذا ما يحصل بالفعل.

فعاليات شعبية في عدد من محافظات الأردن، حذّرت من خلال بيانات تسلّم موقع "جيل" نسخًا منها، أن "الحراك الشعبي سيعود للتحرّك في الشارع من جديد وبقوّة أكبر من السابق، حتى تتمّ إقالة (حكومة الجباية)، وجلب جميع الفاسدين دون استثناء، وإنهاء التوريث السياسي، وكل أشكال الفساد".

ودعا الحراك إلى تقديم الفاسدين والمتسبّبين في الحالة التي وصل إليها الاقتصاد الأردني، للمحاكمة، وكل من يتستر وراءهم ويحميهم، فيما أعلنت فعاليات شعبية في عدد من المدن الأردنية، من بينها مدينة السلط (وسط)، والتي تعتبر أحد حصون الدولة المنيعة، لتنفيذ مسيرات للمطالبة بـ"إسقاط حكومة الملقي".

وعلى الضفّة الأخرى، ذهب بعض المراقبين والمتابعين إلى أن ما حصل في الكرك، لن يخرج عن كونه محاولة من قبل "عقل الدولة اليميني"، الذي سيفتعل عددًا من الاحتجاجات الشعبية، كما حصل في الكرك، تهدف لإفراغ "الاحتقان" الشعبي الرابض على قلوب الناس، تتصدّرها شخصيات رسمية أو شعبية، لها القدرة على التأثير والإقناع، ومن ثم احتواء "حماس الناس".

في السياق نفسه، لن تغفل الدولة عن استغلال هذه المظاهر الاحتجاجية الشعبية، وتسويقها للخارج، خاصة بعد الرسائل الضمنية التي أطلقتها شخصيات دينية وسياسية وعسكرية رفيعة المستوى، تحذّر وتنذر دول الجوار، تحديدًا منطقة الخليج، من انفجار الشارع، ما سيحدث "دمارًا" يهدّد أمن دول الجوار، ما لم تقف بجانب الأردن في أزمتها الاقتصادية، خاصّة بعد أنباء تحدثت عن أن خزينة الدولة الأردنية على وشك الإفلاس، بسبب سياسة الاقتراض التي تتّبعها.

وعلى الرغم من كل هذا، إلا أن الجماهير الأردنية، وبكل مكوّناتها ومنابتها، يقول أستاذ علم الاجتماع في جامعة مؤتة بالكرك، حسين محادين، عادت للشارع وانحازت إلى مصالحها بدرجة أكثر قوّة وتنظيمًا وزخمًا، فمنذ ضمور الحركات المطلبية المهنية، والتي صاحبت الربيع الأردني (2011-2015)، لم تلتحم الجماهير على وجع واحد، كما حضرت وتجسدت في "هبّة الكرك".

المساهمون