طعام أهل الفيسبوك في مصر

طعام أهل الفيسبوك في مصر

12 فبراير 2017
(في شوارع القاهرة، تصوير: خالد دسوقي)
+ الخط -
لطعام المصريين طقوس، هم فقط أدرى بها، أسرارٌ ونكهات خاصّة مع كل طبخة، تتوارثها الأجيال، لا تبوح نسوة العائلات بسرها المكنون، إلا قبل خروج الروح بقليل لأقرب القريبات؛ هكذا كانت حرفة الطعام في مصر تتوراث: تنقلها الجدّة للأم، ومن الأم إلى الابنة، ومن الابنة إلى ما يشاء الله من نسل العائلة من الإناث؛ مواسم الطعام، أتقنها المصريون الذين حوّلوا كل أعيادهم إلى مناسبات للأكل؛ لكل مناسبة طعامها المميّز، باسمه وشكله، فعرفوا فطيرة البيض، وفسيخ النسيم، وعاشوراء القمح، وكحك العيد، والبط الرمضانى المميّز بالفريك، قبل أن تضيف إليه المعاصرة حموضة البرتقال.

أخيرًا احتلت فنون الطعام، ووصفاته وأشكاله المتنوعة، مكانة خاصّة في قلب الإعلام المصري، والعربي بشكل عام، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي؛ دُشنت الصفحات، وبُثّت قنوات الإنترنت، دومًا هناك العديد من البرامج الجديدة التي لاقت قبولًا واسعًا، وازداد عدد متابعيها بالآلاف يومًا بعد يوم؛ أشكال مختلفة من الأطعمة "التيستي"، التي تعتمد في وصفاتها على السرعة في الوقت، والسهولة في الإعداد، فتكفي تشكيلة من أنواع مختلفة من الجبن ودرنة من البطاطا لتحضير وجبة سريعة التجهيز وعالية السعرات الحرارية، قادرة على منح آكلها نشوة الاستمتاع بلذة الجبنة السائلة، ومعها حسرة ما بعد الطعام في حساب عدد السعرات الحرارية التي حصل عليها ولم يزل جائعًا.

لا تستمتع الأمّهات اللاتي تخطّين الخمسينيات من العمر، بتلك الوصفات السريعة؛ فأكلة تعتمد على العجين أو السجق المحشو بحشو مجهول المصدر، أو بسطرمة من تلك التي تحتوي على لحوم الحمير مخلوطًا بأكوام من الثوم، لا تعتمدها الأجيال التي اختارت ولوج الفيسبوك لمتابعة أبنائها وبسط سيطرة مظلتها الرقابية على أفكارهم وضحكاتهم ومعدتهم كذلك؛ أما الأبناء فلا تتوقّف لديهم لذة البحث عن التغيير إلا عندما يتحسّسون جيوبهم عند باب الخروج في السوبرماركت، فحينها فقط يعود حنينهم لصحن ساخن من الملوخية والخبز البلدي.

رغم الحديث المستمر عن ارتفاع الأسعار، ووصول كيلوغرام الدجاج في السوق المصري إلى قرابة الـ40 جنيها، ووصول كلغ اللحم إلى 150 جنيها، بالإضافة إلى ارتفاعات متتالية في أسعار جميع السلع المرتبطة بطعام المصريين، ورغم الشكوى المستمرة في معظم الأسواق، إلا أن طعام الفيسبوك لم يزل قادرًا على جذب عدد أكبر من المشتهين كل يوم، حتى صار التفنّن في صنع الأطباق ونشر الوصفات المختلفة مدخلًا مؤكدًا للظهور على الشاشات المصرية، التي عرف أصحابها أن أقرب طريق لقلب المشاهد معدّته.

السيدة الأربعينية نيفين، كانت من بين اللواتي بدأن وصفاتهن على فيسبوك بطريقة تحضير حلوى المولد منزليًا؛ وحين نشرت الطريقة على صفحتها، لم تكن معروفة حينها، لكن بعد انفضاض المولد، خرجت من المناسبة المصرية الأصيلة بعدد هائل من المتابعين وعدد أكبر من أسئلة الصحافيين التي أرادت استجوابها حول كيفية مواجهة أزمة الأسعار بأكلات فيسبوكية رخيصة. تهرّبت نيفين في البداية من أضواء الميديا، لم ترحّب بالظهور الإعلامي؛ إلا أنها تقبّلت الفكرة بعد ذلك، وارتاحت أمام كاميرا إحدى القنوات وهي تصنع طعامًا لا يهمّها إن كان يناسب ميزانيتها الصغيرة، لكنه أضحى من الضروري أن ينال لايكات أهل الفيسبوك.

المساهمون