هل تعمّد الجيش التونسي إغراق "الحرّاقة"؟

هل تعمّد الجيش التونسي إغراق "الحرّاقة"؟

15 أكتوبر 2017
+ الخط -

نساء تندب وجوهها وتصرخ بأعلى أصواتها "قتلوا أبناءنا.. قتلوا أنباءنا"، هكذا كانت الأجواء في منطقة بئر الحفي التابعة لولاية سيدي بوزيد (وسط تونس). ساعات قليلة بعد سماع خبر غرق فلذات أكبادهم في المياه الإقليمية المحلية، الأحد الماضي، بعد "تعمّد" خافرة سواحل الجيش التونسي صدم القارب الذي كان يقلّ نحو 100 مهاجر بطريقة "غير شرعيّة"، وفق ما أكد ذلك شهود عيان.

مدينة منكوبة وعشرات العائلات تنتظر سماع خبر مفرح أو محزن من الجهات الرسمية، فهل أبناؤهم الذين خرجوا في ظلمة الليل قاصدين السواحل الإيطالية هربًا من تونس، أحياء أم أموات، بعد أن تأكدوا من أنهم مفقودون، ولكن الإجابة الشافية لم تصل إلى حد اللحظة.

"الهجرة غير الشرعية" أو "الحرقة" مثلما يسمّيها التونسيون، تهزّ الرأي العام من جديد، بعد أن اصطدمت وحدة بحرية تابعة لجيش البحر مساء الأحد 8 أكتوبر/ تشرين الأول في مركب يقل مهاجرين تونسيين بطريقة غير شرعية على بعد 54 كلم من شاطئ قرقنة ما أدى إلى غرقه.

 

الجيش يتعمّد إغراق الحرّاقة
أحد الناجين من هذا الحادث الأليم أكد في تصريحات إعلامية أن الخافرة التابعة للجيش التونسي التحقت بهم قبل وصولهم إلى إيطاليا وقامت بمطاردتهم لمدة ساعتين ثم قامت بالاعتداء عليهم بالماء من أجل شل حركتهم.

وأضاف أن المركب بدأ بالغرق قبل دخولهم إلى المياه الإقليمية الإيطالية بقليل، مشيرًا إلى أن الخافرة قامت بإغراقهم آنذاك ما تسبب في وفاة ثمانية أشخاص ونجاة 38 ناجين والبقية لم يقع انتشال جثثهم إلى حد اللحظة من مجموعة متكونة من 100 شخصا على حد قوله.

رواية شاهد العيان، تعارضت مع بلاغ وزارة الدفاع التي أعلنت أن إحدى الوحدات البحرية التابعة لجيش البحر اصطدمت الأحد الماضي بمركب مجهول الهوية أثناء الاقتراب منه لمحاولة التعرّف عليه، وذلك على بعد 54 كلم من شاطئ العطايا بجزيرة قرقنة من ولاية صفاقس، مما أدى إلى غرقه.

وقالت الوزارة إن الوحدة المعنية تمكّنت من إنقاذ 38 فردًا كانوا على متنه كلهم تونسيون، وانتشال ثمانية جثث، فيما لا تزال عمليات البحث مستمرة.

 

القضاء العسكري يدخل على الخط
تضارب الروايات دفع وكالة الدولة العامة لإدارة القضاء العسكري، لإصدار بلاغ لها يوم الأربعاء، قالت فيه إنه "لا يمكن في الوقت الراهن تحديد المسؤوليات القانونية لمختلف الأطراف المتدخلة في واقعة غرق قارب ليلة 8 أكتوبر 2017، إثر اصطدامه بخافرة عسكرية، إلا بعد ورود نتائج التساخير الفنية واستكمال الأبحاث التحقيقية".

بينت الوكالة أن "النيابة العسكرية بالمحكمة الابتدائية العسكرية الدائمة بصفاقس، فور علمها بالواقعة، قامت بفتح بحث تحقيقي في الموضوع، وتوجه قاضي التحقيق العسكري المتعهد بالقضية، صحبة وكيل الجمهورية، فورًا إلى القاعدة البحرية بصفاقس، أين باشر الأبحاث الأولوية وقام بالمعاينات اللازمة. كما أصدر التساخير الفنية الضرورية للتعرف على هوية الغرقى والوقوف على الأسباب الحقيقية لملابسات حادثة غرق القارب".

تطمينات الجهات الرسمية لم تشف غليل أهالي المفقودين ومتساكني بئر الحفي الذين قاموا بإغلاق الطريق الوطنية يوم الأربعاء، مطالبين بالكشف عن ملابسات فقدان أبنائهم، كما اتهمت عائلات بعض المفقودين في فيديوهات منشورة على مواقع التواصل الاجتماعي، الجيش التونسي بتعمّد إغراق أبنائهم.

 

دعوات لكشف الحقيقة
وتناقلت صفحات ومدوّنون أصيلي منطقة بئر الحفي، صورًا لعدد من المفقودين وتدوينات مساندة، تدعو إلى كشف الحقيقة ومحاسبة المسؤولين عن هذه الكارثة التي هزّت الرأي العام التونسي.

ونشرت صفحة "بئر الحفي أونلاين" صورًا لمفقودين، مرفقة إياها بالتعليق التالي "ربي يسمعنا الخير عليكم إخوتنا ونقول لأهالي بئر الحفي والناس الذين يحبونهم أن يدعوا لهم بالرجوع بخير وعافية..."

وكتبت صفحة "بئر الحفي Page officiel" ليسوا لاجئي حرب ولا هم أقليات يواجهون حرب إبادة ففروا إلى المجهول: هم أغلبية مهمشة هم مستقبل الشعب وحاضره وواقعه شباب تونسي يتم الرمي به في مستنقع الهجرة السرية بمنطق «بانقص رقبة» . هكذا تتخلص الحكومة التونسبة من المشاكل عندما تتعلق بالشباب فترمي بهم في عرض البحر.

وأضافت "ما يقع هذه الأيام ليس فقط جريمة إنسانية بل تطهير عرقي ممنهج من قبل حكومة منصبة من قبل رجال أعمال فاسدين للحفاظ على مصالحهم والقضاء نهائيا على الشعب المهمش والحكم عليه بإعدام جماعي".

وختمت الصفحة التي يتابعها نحو 18 ألف متابع، قائلة "حناشي حامدي عكريمي بوعزيزي خليفي، هاجروا أرض النفاق والشقاق متجهين نحو إيطاليا أملا بحياة أفضل لتحتضنهم سوء الأقدار وتلاحقهم جيوش البحار لِتغرق مركبة الأحلام ليجدوا أنفسهم في عداد الأموات. إنا لله وإنا إليه راجعون و الله يرحم شباب بئر الحفي".

يشار إلى أن عشرات التونسيين لا يزال مصيرهم مجهولًا منذ سنوات، بعد أن غرقت مراكبهم في المياه الإيطالية، وسط عجز الجهات التونسية الرسمية عن كشف الحقيقة لعائلاتهم رغم تعاقب الحكومات بعد 14 يناير 2014.

المساهمون