الثورة السورية... كائنات أسطورية

الثورة السورية... كائنات أسطورية

31 يناير 2017
(كرنفال في شوارع ألمانيا، تصوير: فولكر هارتمان)
+ الخط -



في الأيّام الأخيرة، ضجّت صفحات السوريين بأخبار متضاربة عن الحالة الصحيّة للرئيس السوري بشار الأسد، حيث تداولت صفحاتهم أخبارًا منقولة عن مواقع إخبارية، عربية وعالمية، يفيد بعضها بأن الأسد تعرّض لأزمة صحيّة حادة، ونقل بعدها إلى مستشفى "الشامي" في دمشق، أو مستشفى "الجامعة الأميركية" في لبنان، ليتلقى العلاج؛ كما أفادت بعض التقارير أن الأسد تعرّض لمحاولة اغتيال على يد حارسه الشخصي الإيراني، المهدي اليعقوبي، ولم تنفِ قنوات النظام أو تؤكّد هذه الأخبار حتى البارحة، حيث أُدرج خبر اغتيال الرئيس على قناة "سما الفضائية" في فقرة "صحافة العدو"، وأرفقت المذيعة الخبر بعبارات مقتضبة تنفي فيها الخبر.

هذه ليست المرّة الأولى التي يُشاع فيها خبر موت الأسد، فمنذ أن اندلعت الثورة السورية سنة 2011 وحتى اليوم، والمراكز الإعلامية تتناقل أخبارًا شبيهة، وبشكلٍ شبه دوري، مما جعل هذه الأخبار تفقد تأثيرها النفسي على السوريين في الآونة الأخيرة؛ فمع مرور الوقت، أصبح التشكيك في موت الأسد هو ردّة الفعل الأولى والمنطقية، وبات من طقوس مشاركة هذا الخبر إرفاقه بعبارات هزلية، لتحوّل صفحات السوريين الخبر إلى نكتة تتخلّلها أحيانًا بعض الأدعية، وباتوا يتحدّثون عن بشّار الأسد وكأنّه كائن أسطوري، موته يتعارض مع المنطق.

ويعود تاريخ أقدم خبر، أُشيع عن مقتل الرئيس الأسد إلى أواخر سنة 2011، وبُني الخبر حينها على تكهنات وآمال المعارضة لحادثة أمنية مصوّرة تلفزيونيًا، حين تم إطلاق ثلاث رصاصات على سيارة بشار الأسد المصفّحة وهو يغادر مجلس الشعب، وبعد أن نُفي الخبر، قام محلّلو المعارضة السياسيين باتهام النظام بقيامه بإطلاق النار على سيارة الأسد، مستشهدين بانتظار منفذ العملية، دخول الأسد إلى سيارته.

وفي منتصف سنة 2012، نشرت الصفحة الرسمية لقناة "الدنيا" على فيسبوك، خبرًا يؤكّد مقتل بشار الأسد على يد أحد مرافقيه الخونة، ولكن الصفحة عادت بعد دقائق معدودة لتنفي الخبر، ولتؤكّد بأن الإرهابيين اخترقوا الصفحة. ومنذ ذلك الحين تنتشر شائعات عن موت الرئيس السوري بشكل شبه دوري، ففي كل سنة ينتشر هذا الخبر عدّة مرات، بصيغ متشابهة، بعضها يرجّح مقتله على يد حارس شخصي، وبعضها الآخر يرجح موته بسبب أزمة قلبية حادة؛ ولكن الأمر الغريب حقًا أن اسم المهدي اليعقوبي، الذي ذُكر في التقارير الأخيرة باعتباره الحارس الشخصي الإيراني، الذي نفذ عملية الاغتيال، كان قد ذكر في تقرير سابق، في سنة 2013، في سياق مشابه.

نعم، هناك ملايين السوريين الذين ينتظرون بتوق، هذا المهدي المنتظر، الذي سيلعب دور المخلّص ويُنهي حقبة الأسد، الذي فضّل البقاء في عرشه على حقن الدماء؛ ولكن انتشار هذه الأخبار بصورة دورية، ولّد شعورًا مضادًا لدى المعارضين في سورية، ففي كل مرّة يُنفى فيها الخبر، يعود الشعور باليأس ليُسيطر على المعارضين المتحمّسين من جديد، حتى بات الجميع متيقنين من أن بشار الأسد هو بطل المسرحية السورية، الذي سيُمضي فصول العرض الهزلي الدامي دون أن يموت، فالشائعات المتكرّرة جعلت المعارضة تشعر بأن نهاية الثورة السورية لن تكون بموت الأسد، وكأن بشار الأسد يتحلّى بسمة الخلود، التي أُجبر السوريون في طفولتهم على إلصاقها بالأسد الأب. فالزمن الذي يطوي صفحات الشائعات، حوّل الأسد إلى أسطورة، وكأنه كائن غير بشري، لا ينتهي بالموت.

المساهمون