معتقلو تيران وصنافير يشترون الوطن بالغرامات

معتقلو تيران وصنافير يشترون الوطن بالغرامات

18 يناير 2017
ردد الحاضرون النشيد الوطني عقب النطق بالحكم (Getty)
+ الخط -

كانت قوّات الشرطة ومدرّعاتها، تتمركز بكثافة بين الشوارع المؤديّة إلى ميدان التحرير، وفي نقاط قريبة من بعضها، وتنتشر حول مداخل مترو الأنفاق ومحيط نقابة الصحفيين، لمنع تكوين مجموعات تتظاهر ضد التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير، حيث عرف الوضع تشديدات أمنية غير مسبوقة في شوارع القاهرة التي بدت خاليه من زحامها المعتاد.

فسيارات الشرطة "الترحيلات" التي احتلت مواقع ثابتة على جانبي الطريق، تفتح أبوابها للمقبوض عليهم فلا تتحرك دون أن تمتلئ عن آخرها، لكن ثمّة صورة أخرى مغايرة، دفعت قوّات الأمن لغضّ الطرف عن مجموعات أخرى ممن عرفوا إعلاميًا "بالمواطنين الشرفاء"، يهتفون بسعودية الجزيرتين ويرفعون أعلام المملكة، واحتشدوا بالعشرات في وسط القاهرة تحت حماية قوّات الأمن دون أن يعتدي عليهم أحد أو يقبض على فرد منهم، في مشهد بدا مبتذلًا ومثيرًا للسخرية.


باعة الوطن
كانت حالات الاعتقالات كلها بدون استثناء، من نصيب المعسكر الذي يحتمي بعلم وطنه، ويدافع عن أرض أثبت القضاء المصري والوثائق الدولية مصريتها، فضلًا عن عددٍ ليس بقليل من الصحفيين والمصوّرين الذين احتجزوا حتى نهاية اليوم، وأخلي سبيلهم فيما بعد، بينما من كان يهتف لدولة أخرى ويحمل علمها لم يمسّه سوء.

لم تكفِ عناصر الشرطة بزيّها المدني أن تستوقف المّارة، وتفتّش حقائبهم وأجهزتهم الجوالة ومطالعة رسائلهم الخاصّة عبر برامج الدردشة، حيث حصد يوم "جمعة الأرض العرض"، المئات من الشباب المقبوض عليهم عشوائيًا، ومداهمة عدد من مقار الأحزاب ومحاصرتها، ومنع أعضاءها الموجودين داخلها من الخروج منعًا للتظاهر، بل والاعتداء على بعضهم كما وقع مع السفير معصوم مرزوق.

يقبع المئات من الشباب داخل أقبية السجون المصرية على ذمّة قضايا متعلّقة بالمظاهرات المندّدة بتنازل الحكومة المصرية عن جزيرتي تيران وصنافير، وتواجههم اتهامات بخرق قانون التظاهر وتعطيل المرور. ويقدّر المحامي الحقوقي، مختار منير، عدد المحبوسين بنحو خمسمائة شاب دُفع لهم مايتراوح من خمسة إلى ستة ملايين جنيها بين غرامات وكفالات. وسدّد المحبوسون في القضية المعروفة إعلاميًا بـ"جمعة الأرض"، عن دائرتي الدقي والعجوزة فقط، غرامة بلغت 4 مليون و700 ألف جنيه مصري، بمعدّل مائة ألف جنيه، لكل متّهم في القضية.

وأكد منير، أن قرار المحكمة الإدارية العليا ليس له أي أثر قانوني على المحبوسين في هذه القضية أو استرداد الأموال المدفوعة، لأن العقوبة الصادرة في حقهم كانت بسبب خرق قانون التظاهرة وإثارة الشغب وليس نشر أخبارٍ كاذبة.

وطالب المتحدّث في الوقت ذاته، باسترداد كل الأموال الباهظة التي تم سدادها على مستوى الجمهورية، من كفالات وغرامات عقب الحكم عليهم بالحبس عامين في أبريل الماضي، واتهامهم بالدفاع عن أرض ثبت أنها مصرية، حتى لو كان الموقف القانوني منهم هو اتهامهم بالتظاهر دون الحصول على تصريح، فالقضية سياسية محضة على حدّ قوله.


ضرائب الوطنية
من جهتها، طالبت الحقوقية والمحامية راجية عمران، وعضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، بإخلاء سبيل الشباب المحبوس على خلفية التظاهر وإلغاء التدابير الاحترازية لكل الشباب المخلي سبيلهم على خلفية المظاهرات المناهضة للاتفاقية.

كما طالبت عمران، عبر حسابها الشخصي على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، بالاعتذار لكل من تم حبسه وإدانته على خلفية تظاهرات الأرض وتكريمهم تكريمًا يليق بهم ونضالهم".

وفي ظل ما بات يتردّد بعد حكم المحكمة الإدارية العليا، التي أقرّت بشكلٍ قطعيٍ مصرية الجزيرتين، وبطلان الاتفاقية الموقّعة بين مصر والسعودية، لنقل تبعيّة الجزيرتين للملكة، حيث يجري التحضير لمناقشتها تحت قبّة البرلمان للتحايل على الحكم القضائي وتمريرها بشكل أو بآخر، فيبدو المشهد شديد التعقيد حول المسار الذي يُمكن أن تفصح عنه الدولة في هذا الملف وتبعاته وتأثيره على الحالة الحقوقية في مصر، خاصّة تجاه الاستجابة للمطالبات الملحّة للإفراج عن مئات الشباب المحبوسين في ظروف سيئة، وأحقيتهم في استرداد الأموال التي دُفعت من خلال تبرّعات عدد من السياسيين والنخبة والإعلاميين ناهزت الستة ملايين جنيهًا، كان من بينهم الإعلامي المصري يسري فودة.

يشير نجيب جبرائيل، رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، أن حكم القضاء الإداري يحتّم على النائب العام الإفراج عن جميع المحبوسين بتهمة التظاهر في قضية تيران وصنافير.

وأوضح المتحدّث، أن الحكم واجب النفاذ، ويمحي كل القرارات التي تسبقه، مبينًا أنه يجب الإفراج عليهم وتعويضهم على مدّة الحبس التي قضوها داخل السجون، وأن كفالات الشباب كانت مبالغ مالية كبيرة ومن حقّهم أن يستردوها ويطالبوا بتعويضٍ مادي ومعنوي عن إدانتهم وحبسهم. معتبرًاهذا الحكم، ينم على تخبّط الدولة، في تنظيم أمورها من اتخاذها لقرار متسرّع خاص بالأرض بدون دراسة ووعي.

المساهمون