اليمن: لا فصل دراسيّاً ثانياً هذا العام

اليمن: لا فصل دراسيّاً ثانياً هذا العام

17 يناير 2017
(في مدرسة بالعاصمة اليمنية، تصوير: محمد حويس)
+ الخط -

أكثر من مليون مواطن يمني بدون راتب، منذ أربعة أشهر، ومليشيا الحوثي لم تكتفِ بتعنّتها أمام محاولات القبول بالحلّ السياسي وإيقاف الحرب العبثية، بل تُواصل قطعَ مرتّبات الموظّفين في كل القطاعات الحكومية، وتصادرها كمجهودٍ حربي، تقاتل به يمنيين وتسفك دماءهم في مناطق أخرى من البلاد، وصل الحال بها إلى حافة الانهيار، وصارت المجاعة واقعًا معاشًا تتفاقم مظاهره باستمرار، بعد أن كان تهديدًا تحذّرُ منه المنظّمات الإنسانية الدولية والإقليمية.

قضيّة عدم صرف الرواتب، مسّت "البطون الجائعة"، والتي لم يعد لها إلا تلك الريالات الزهيدة، التي تتقاضاها كمرتبات شهرية للحصول على أبسط مقوّمات الحياة، من مأكل وملبس وإيجار، وانقطاعها يقطع أنفاس ملايين اليمنيين الذين يعولهم موظفو الدولة، هذا الأمر دفعهم للانقلاب على السلطة الشرعية وتحميلها مسؤولية توقّف مرتّباتهم التي صادرها الحوثيون وعبثوا بها.

هذا الوضع، خلق مشاكل كثيرة على مستوى المجتمع والأسر اليمنية، وأجبرت آلاف الطلاب على التخلي عن الدراسة والاتجاه نحو سوق العمل، للبحث عن قوتهم، وذلك بعد أن توقف مصدر دخلهم الوحيد.

يؤكّد ياسر مارش، أحد المعلّمين في إحدى مدارس العاصمة صنعاء، أن التسرّب المدرسي للطلاب تطوّر بشكل كبير، منذ أزمة المرتّبات وانقطاعها المستمر، حيث أجبر كثير من الطلاب على ترك مقاعد الدراسة، للتفرغ للعمل في مهن شاقة في سوق العمل، بعد أن ضاقت بأسرهم السبل، وكاد الجوع يفتك بهم.

مارش، وفي حديثه إلى "جيل"، قال إن الطلاب يسقطون بشكلٍ يوميٍ في الطوابير الصباحية وفي قاعات الدرس من شدّة الجوع، مؤكدًا تسجيل حالات إغماء بين تلاميذ المدارس الذي لم يتناولوا وجبة واحدة لساعات طويلة، ما دفع ببعض زملائهم الذين ينتمون لأسر ميسورة الحال، إلى حمل أرغفة الخبز وبعض وجبات الطعام لبقية الطلّاب الذين لا يجدون ما يأكلون في منازلهم، وأثناء فترة الظهيرة وقبل مغادرة هؤلاء الطلاب المدارس، تتشكّل موائد جماعية في فصول المدرسة يلتحق بها العشرات من الطلاب.


لن يكون هناك فصل ثانٍ
في السياق نفسه، هدّد أغلب المعلمين بالتوقّف النهائي، عن ممارسة التدريس من منتصف الشهر الجاري، في حين بدأت بعض المدارس تتوقّف تباعًا، حيث تم إبلاغ الطلّاب أنه لن يكون هناك فصل دراسي ثانٍ، وأن نتائج اختبارات الفصل الأوّل التي ستتمّ خلال الأسابيع القادمة، ستُعتمد كنتائج نهائية للسنة الدراسة، بسبب عدم صرف رواتب المعلمين، الذين أبدوا عدم قدرتهم على مواصلة التدريس، خلال الأشهر القادمة؛ أي مواصلة تدريس الفصل الثاني.

هذا التطوّر الذي يأتي نتيجة عدم صرف مرتّبات المعلمين، يكون قد وضع التعليم في البلاد، أمام تعقيدات كبيرة، حيث يؤكّد العديد من الطلاب، أن التعليم تراجع بشكل كبيرٍ ومخيف، بسبب تذمّر المعلمين، وظهورهم أمام الطلاب بنفسية محبطة.

يروي الطالب مازن راصع؛ في حديث إلى "جيل"، تفصيل يومياته في قاعة الدرس التي يزاول فيها تعليمه، حيث يعترف، أن المعلّم ينطلق في الحصة وينهيها بحديثه عن الراتب ووضعه المعيشي، وطوال ساعات التدريس، تبرز علامات الاستياء والضجر على ملامح المدرّسين.

هذا الأمر بحسب مازن، انعكست آثاره على نفسية الطلاب، حيث يجدون أنفسهم أمام واقع تعليمي صعب ومحبط في قاعات الدرس من جهة، ومن جهة أخرى تذمّر أوليائهم في المنزل نتيجة عدم صرف رواتبهم، والنفقات التي تمليها عليهم متابعة تعليم أولادهم.


إضراب شامل
منذ أسابيع قليلة، دخلت معظم المؤسّسات والقطاعات في حالة إضرابٍ شاملٍ، على خلفية عدم صرف مرتباتهم، حيث بدأ الموظفون بتنفيذ اعتصامات مستمرّة، مطالبين بصرف مرتّباتهم ومردّدين شعارات استنكار وتنديدٍ بما يحدث.

على مستوى الجامعات، أعلنت نقابة أعضاء هيئة التدريس بجامعة صنعاء، أمس الأربعاء، إضرابًا شاملًا، كانت قد هدّدت به الشهر الماضي، خلال تنفيذها العديد من الوقفات الاحتجاجية والاعتصامات، مؤكّدة عدم الاستمرار في ممارسة التدريس، وعدم تسليم أسئلة امتحانات الفصل الأوّل إلا بعد دفع مستحقاتهم.

رئيس هيئة نقابة التدريس ومساعدوه في الجامعة، أستاذ العلوم السياسية محمد الظاهري؛ أكدّ أن الإضراب حق قانوني ووسيلة وليس هدفًا.

منذ ثلاثة أسابيع، ونقابة أساتذة الجامعة، تُصدر بيانات تدين خلالها، الاعتداءات التي يتعرّض لها بعض الأساتذة بصورة مستمرة من مسلحين حوثيين، ومن حراسة أمن الجامعة الذين دفعتهم مليشيا الحوثي إلى الاعتداء على كل من يحتج بسبب الراتب. حيث تقوم جماعات مسلحة تابعة لمليشيا الحوثي بالاعتداء عليهم بالضرب، وشن اعتقالات واسعة لكثيرين بتهمة تحريض الموظفين والعاملين في المؤسّسات، وإيداعهم السجون. في هذا السياق، يجري الحديث عن توجيه ما يقارب 19 أستاذًا نداء استغاثة لبعض المنظمات الدولية العاملة في مجال الإغاثة، بعد الحصار الذي فرضته المليشيا.

مصادرة الرواتب في اليمن، وتحديدًا في المناطق الخاضعة لسيطرة جماعة الانقلاب الحوثية، دفع بآلاف اليمنيين، إلى التعبير عن حالة السخط الشعبي الواسع على مواقع التواصل الاجتماعي، وإطلاق حملات واسعة و"هشتاغات"، عبروا فيها عن غضبهم بالسخرية والنقد.


احتقان شعبي
الاحتقان الشعبي على مواقع التواصل اليوم، يشبه كثيرًا الذي سبق اندلاع الثورة اليمنية عام 2011. ويؤكد كثير من اليمنيين أن أزمة الرواتب، ضاعفت هذا الاحتقان، ومواقع التواصل هي الساحة المفتوحة لليمنيين لطرح ومناقشة قضاياهم، ويعتقد مراقبون سياسيون أن مليشيا الحوثي أصبحت مرتبكة أمام ردود الأفعال الغاضبة، ويبدو أنها ستتورط أكثر خلال الفترة القادمة، وتدخل في مواجهات مباشرة من الشعب اليمني على حدّ تعبيرهم.

الصحافي محمد سعيد قحطان، يوضّح في حديث إلى "جيل"، أن تأخّر صرف الرواتب يضاعف من بؤس واقع الحياة لدى غالبية المواطنين في ظل استمرار الحرب وما خلفته من مأساة إنسانية، وتزايد تناول الناشطين أزمة عدم صرف الرواتب على مواقع التواصل الاجتماعي، انعكاس طبيعي للسخط الشعبي المتزايد ضد الحوثي وصالح الذين أوصلا البلاد إلى هذا الوضع الكارثي.

انشغال اليمنيين في مواقع التواصل الاجتماعي بأزمة الرواتب المتوقّفة، إحدى الظواهر المميّزة، كما يراها الناشط السياسي وضّاح الجليل، والذي يعتبرها مؤشرًا هامًا على خطورة الوضع من ناحية، ومساحة لدراسة تعاطي اليمنيين مع مثل هذه الأزمات. حيث امتلأت وسائل التواصل الاجتماعي بتفاعلات اليمنيين الجادة والهزلية.

يقول الصحافي رشاد علي الشرعبي، في حديث إلى "جيل": "صار لناشطي مواقع التواصل الاجتماع دورٌ كبيرٌ في تسليط الضوء على مثل هذه القضايا، وتناولها بمختلف الأشكال وأبرزها الجانب الساخر، والذي تجد له مساحة كبيرة من التعليقات، حيث يتم التركيز على أطروحات زعيم الحوثيين والمقارنة بينها وبين الشعارات التي رفعها وأسقط العاصمة، واختطف المؤسّسات والمعدات العسكرية للدولة وسخّرها لصالحه، وحوّل البلاد إلى سوق سوداء، وحرم الموظفين من مرتّباتهم بالمرة.

أغرب ما في الأمر، هو أنه منذ نقل الحكومة الشرعية للبنك المركزي إلى عدن، وهي تقوم بحملات جمع تبرّعات من المواطنين، ومن التجّار، لصالح البنك المركزي وقد تمكّنت من جمع ملايين الريالات، باستخدام القوّة، من أصحاب المحال التجارية، ولكنها وعلى الرغم من ذلك لم تقم بدفع ولو جزء يسير من رواتب موظفي الدولة.

أزمة الرواتب في اليمن، وطبقًا لمراقبين سياسيين، ستقود اليمنيين نحو انتفاضة شعبية، لن تتمكن المليشيا من مواجهتها أو إخمادها، حيث إن موظفي الدولة البالغ عددهم قرابة مليون موظف، ليس لديهم أي مصدر دخل آخر، وهم يعيلون عائلات تسارع انهيار أوضاعها الاجتماعية، حيث بدأت المجاعات تضرب المجتمع، إذ تم تسجيل عدد من الوفيات بسبب الجوع، لعل ما يحصل في محافظة الحديدة دليلٌ واضح على ذلك.

المساهمون