المادة 522 من قانون العقوبات اللبناني: خطوة أولى فقط

المادة 522 من قانون العقوبات اللبناني: خطوة أولى فقط

09 ديسمبر 2016
(الإشيا للي بتعملها... غير بنات ما بيعملوَا / كفى)
+ الخط -

حقّقت المرأة اللبنانية، بمساعدة المجتمع المدني المساند لها ولحقوقها، قبل يومين، إنجازًا مهمًّا في مسيرتها لمكافحة العنف الجنسي ضدّها؛ عندما أقرّت لجنة الإدارة والعدل النيابيّة إلغاء المادة 522 من قانون العقوبات، التي تنص على إسقاط الملاحقة والعقوبة القانونية عن المُغتصِب إذا عُقد زواج صحيح بين المُغتصب وبين الضّحية.

جاء هذا الإنجاز بعد حملات مدنية وإعلامية وإعلانية أطلقت آخرها منظَّمة "أبعاد" للمساواة بين الجنسين وكانت تحت عنوان "الأبيض ما بيغطِّي الاغتصاب، ما تلبسونا 522"، حيث رافق الحملة صور دعائية توزّعت على لوحات الإعلانات على الطرقات ودعايات بثّتها القنوات التلفزيونية تظهر فتاة عليها رضوض يتم إلباسها عنوةً فستانًا أبيض فوق آثار العنف للدلالة على أنه لن يُسمَح للزواج بأن يغطِّي على جريمة الاغتصاب.

تضمّنت الحملة أيضًا وقفة رمزية لفتاة ترتدي ما يشبه فستان الزفاف، إنما هو مصنوع من الأقمشة التي تضمد الجروح أمام مجلس النّواب في الأول من شهر ديسمبر/كانون الأول للمطالبة بإلغاء المادة 522 أثناء انعقاد إحدى الجلسات؛ حيث تمّت دراسة أمر إلغاء المادة على مدى عشر جلسات، تأخرت الدراسة بسبب النقاشات في اللجنة بين من يؤيد أو يعارض إلغاء هذه المادة.

وبحسب الأرقام الصادرة عن مكتب مكافحة الاتجار بالأشخاص وحماية الآداب في قوى الأمن الداخلي، هناك ثلاث نساء يبلّغن كل أسبوع عن تعرضهن للعنف الجنسي الذي هو إما اغتصاب أو تحرّش.

للمرأة في لبنان أجندة دسمة مع القوانين المجحفة بحقِّها. أبرز بنود هذه الأجندة اقتراح قانون تعديل زواج القاصرات الذي أعدته الهيئة الوطنية لشؤون المرأة لرفع سن الزواج إلى 18 عامًا، أمّا صعوبة إقرار هذا القانون فتكمن في عدم وجود قانون موحّد للأحوال الشخصية؛ ما يسمح لكل من الطوائف الـ 19 الموجودة باعتماد النظام الذي يناسب معتقداتها والتي يسمح بعضها بزواج الفتاة عند البلوغ (بين 9 و13 سنة).

وفي عدم إقرار رفع سنّ الزواج، انتهاك واضح لحقوق الإنسان، خصوصًا أنه وبحسب نتائج المؤتمر الدولي للاتجار بالبشر؛ فإن 14 مليون طفلة يمتن سنويًّا نتيجة الاغتصاب والزواج المبكر. تبذل الجمعيات المدنية مثل جمعية "كفى" جهودًا لافتةً للحد من ظاهرة الزواج المبكر وعرض مخاطرة التي تتضمن، بالإضافة إلى اعتبار بعضه اتجارًا بالبشر، واحتمال الوفاة بسبب صغر السن لتشمل تبعاته حرمان الفتيات من التعليم ورفع إمكانية العنف الأسري.

تساهم جمعية "كفى عنف واستغلال" في وضع حد للعنف على النساء من خلال تقديم فريقها القانوني طلبات حماية بالنيابة عن العديد من النساء المعنفات، وذلك تطبيقًا للقرار 293 الصادر عام 2014 لحماية النساء وسائر أفراد الأسرة. لجأت إلى الجمعية 772 حالة جديدة عام 2015، وهو رقم أعلى مقارنة بأعوام سابقة. ففي عام 2013 لجأت 292 و624 حالة جديدة عام 2014.

تشير إحصاءات الجمعية إلى أن العنف الممارس كان جسديًا وكلاميًا واقتصاديًا ونفسيًا وجنسيًا، وإلى أن 19% من النساء اللواتي لجأن إلى "كفى" تزوّجن قبل بلوغ سنّ الـ18. ووفق ما ذكر المنسق الخاص للأمم المتحدة فيليب لاريزاني في فبراير/شباط 2016 فإن 27 امرأة قتلت بلبنان بوحشية جراء العنف الأسري.

ترفع جمعيّة "كفى عنف واستغلال"، من خلال حملة "قانون سنة جِدِّي ما في يكون جَدِّي"، الصوّت عاليًا دفاعًا عن حقوق المرأة المنتقصة بسبب تخلي الدولة عن وضع قانون موحد للأحوال الشخصية وتركه للطوائف، فتطالب بأن تكون قضايا الأحوال الشخصية من صلاحيات القاضي المدني؛ وتركز جهودها على رفع سن الزواج إلى 18 عامًا، وقد أطلقت هذا العام فيلمًا قصيرًا أنتجته بدعم من صندوق الأمم المتحدة للسكّان حيث تمّ تصوير مشهد مُمثَّل لعرس بين طفلة ورجل يكبرها عشرات السنين لإعلام الرأي العام بأن تلك القوانين لا تزال تشرّع زيجات كهذه.

والأم اللبنانية، إضافة إلى مشاكل التمييز المجحفة، يُمارَس العنف اتجاهها من قبل القوانين أوّلًا؛ إذ لديها مشكلة "سن الحضانة" في حال تطلّقت، ومشكلة عدم إمكانية منحها الجنسية لأبنائها في حال تزوجت من رجل من جنسية غير لبنانية. فسن حضانة الأم لأولادها تتفاوت بحسب الأديان بين السنتين (عند الطائفة الشيعية) إلى 14 سنة (عند طائفة الروم الأورثوذكس) للذكر، وبين السبع سنوات و15 سنة للأنثى.

في حين أقر المجلس الشرعي الأعلى في بداية شهر ديسمبر/ كانون الأول رفعه إلى 12 سنة عند الجنسين (عند الطائفة السُّنية)، اعتمادًا على نص ديني يعتبر أنّه سن استغناء الفتاة والولد عن خدمة النّساء. على أن تُحرم الأم من هذا التعديل بحال تزوّجت وعهد بالأولاد للجدة أم الأم.

وفي موضوع منح المرأة والأم واللبنانية جنسيتها لزوجها وأولادها، فحملة "جنسيتي حقٌّ لي ولأسرتي"، التي تهدف إلى المساهمة في تحقيق المواطنة الكاملة للنساء العربيات من خلال إصلاح قوانين الجنسية والتنفيذ الكامل لاتفاقية الغاء جميع أشكال التمييز، مستمرة في رفع الصوت بوجه التّمييز ضد المرأة في لبنان في هذه المسألة. فُضح هذا التمييز أكثر في أغسطس/آب الماضي عندما أطلق وزير الخارجية اللبنانية الحملة الوطنية لاسترجاع الجنسية اللبنانية لكل من ينحدر من أصل لبناني في مختلف دول العالم مستثنيًا منه المرأة المغتربة من أصول لبنانية.

الجدير بالذكر أن الإعلام اللبناني يلعب دورًا هامًا في الإضاءة على كل ما يتعلّق بالتوعية حول تعنيف المرأة؛ إذ خصصت المؤسسة الإعلامية للإرسال فقرات توعوية وتقارير مع الناجيات من العنف في نشرات الأخبار، إضافة إلى طرح موضوع الزواج المبكر من خلال استضافة فتيات متزوجات ومطلقات تحت سن الـ 15 عامًا.

في عام 2014، أقر في المجلس النيابي اللبناني قانون تجريم العنف الأسري، إلا أن هذا القانون يحتاج إلى تعديلات ليحمي الأولاد مع الأم الذين يقعون ضحية عنف زوجي. هكذا، فإن بداية التعديلات كانت مع المادة 522، وشريحة كبيرة من المجتمع اللبناني، تحديدًا المرأة، في انتظار صدور قرارات جديدة بشأن كافة مواد قانون "حماية المرأة من العنف الأسري" في جلسات المجلس النيابي التالية.

المساهمون