اللاجئون السوريون في لبنان.. الحياة بأقل تكلفة

اللاجئون السوريون في لبنان.. الحياة بأقل تكلفة

08 ديسمبر 2016
(تصوير: باتريك باز)
+ الخط -

السوريون الآن يشكّلون أكبر شريحة لاجئين في العالم، بعد خمس سنوات من صراع دامِ في سورية: 5 ملايين لاجئ، منهم أكثر من مليون سوري يبحثون عن لجوء في لبنان.

يعاني هؤلاء الأشخاص من انعدام أمني خطير؛ فمئات الآلاف من الذين فرّوا إلى لبنان أصبحوا يواجهون فقرًا مدقعًا ويعيشون في مساكن مؤقّتة وغير مؤمّنة جيدًا في أغلب الأوقات، وهم يحاولون أن يبقوا على قيد الحياة بأقل إمكانيات ممكنة.

إن عمالة الأطفال هي إحدى أخطر المشكلات التي يواجهها اللاجئون. وفقًا لتقديراتنا، فإن 60 إلى 70% من الأطفال السوريين في لبنان، دون الثامنة عشرة، يعملون. وهذه النسبة ترتفع في سهل البقاع؛ حيث نجد أطفالًا يبلغون من العمر خمس سنوات مكلّفين بجمع الفاصولياء والتين والبطاطس. أما في المدن الكبيرة والصغيرة، فالأطفال السوريون يعملون في الشوارع، يتسوّلون، يبيعون الأزهار أو المناديل، يُلمّعون الأحذية ويغسلون زجاج السيارات. يعملون أيضًا في الأسواق والمصانع والكراجات ومصانع الألومنيوم والبقالات والمقاهي ومواقع البناء ويقومون بخدمات التوصيل.

يتزايد في لبنان عدد الأسر السورية التي تقوم بتزويج الفتيات المراهقات إلى رجال سوريين أكبر سنًا، عادةً ما يكونون في العشرين أو الثلاثين من العمر. وإذا كان لا يمكننا الجزم بوجود اتجار بالأطفال، كما يحدث في معسكرات الأردن؛ فإن تلك الفتيات عادةً ما يتزوجن دون موافقتهن، كما أنه من الصعب عليهن ترك أزواجهن. فبمجرد زواجهن، لا يمتلكن حرية الرفض أو الموافقة على العلاقة الجنسية أو حتى اختيار توقيتها؛ وبالتالي، يتعرضن لمزيد من العُنف الزوجي.

هناك أيضًا مشكلة الاستغلال الجنسي التي تعاني منها اللاجئات في لبنان؛ فهناك منظمات حقوقيّة تندّد دائماً بـ"البغاء من أجل البقاء على قيد الحياة" الذي تمارسه اللاجئات اللاتي يقمن بذلك الأمر للدَفع للمهرّبين على سبيل المثال.

أفادت بحوثنا أن الملّاك وأرباب العمل كثيرًا ما يُجبرون اللاجئات على أن يقبلن "خدماتهم الجنسية" في مقابل الإيجار و/أو الحصول على عمل لهن أو لفرد من أسرهن. لكن الاستغلال الجنسي الذي تتعرض له هؤلاء النساء له أشكال عديدة؛ حررت قوات الأمن اللبنانية مؤخرًا 75 امرأة -معظمهن سوريات- من العبودية الجنسية في قرية جونيه، وهي تشتهر بالبغاء في شمال بيروت.

كما اكتشفنا أيضًا أن العديد من اللاجئين البالغين (رجالا ونساء) أُلزِموا بالقيام بأعمال إجبارية، حيث يتعرضون للعنف والترويع، فضلًا عن أن تحركاتهم مقيّدة. وحتى من يحصل منهم على ترخيص عمل قانوني عن طريق نظام الرعاية، فإنهم معرّضون أيضًا للاستغلال من جانب رعاتهم تحت مبدأ "خدمة مقابل خدمة". هذه الحالات ليست حالات نادرة؛ فوفقًا لمن قابلناهم، أصبح السوريون يعدّون كل ذلك وكأنه أمر طبيعي، لأنه يتكرر بصفة مستمرة، فكيف انتهى الأمر إلى ذلك؟

حتى إذا كنّا نعرف أن جزءًا كبيرًا من المساعدات الإنسانية المخصصة للاجئين السوريين لم تصل لمن يحتاجونها بشدة، فإن العبودية والاستغلال ليسا ولا يجب أن يكونا النتيجة المحتومة. رغم ذلك، فالحكومة اللبنانية تتحمل مسؤولية ذلك بسبب عوامل هيكلية.

لقد رفضت الحكومة منح اللجوء للأسر السورية وفرضت عليهم شروطًا تقييدية صعبة في ما يخص الإقامة، بما في ذلك رفض الحق في العمل قانونياً، وبالتالي لا تبقى لتلك الأسر خيارات آمنة وشرعية لتدبير أمور معيشتهم.

بناءً على ذلك، يعيش كثير من اللاجئين في خطر دائم من التعرّض للاعتقال والسجن ومن سوء المعاملة إذا أُلقي القبض عليهم. أصبح الهجوم على مخيّمات اللاجئين وفرض حظر التجول عليهم، بل وإنشاء نقاط تفتيش، أمرًا اعتياديًا. ولابد ألا نغفل الوضع الخطير الذي يعيش فيه أيضًا اللاجئون الفلسطينيون القادمون من سورية، حيث يتعرّضون لمتاعب جمّة.

في مثل هذا السياق، يجد الرجال والنساء أنفسهم مرغمين على ممارسة أي عمل، بغض النظر عن خطورة الظروف وعن مخاطر التعرّض للعبودية والاستغلال.

وهذه هي العوامل بعينها التي تؤدي إلى زيادة عمالة الأطفال؛ فبينما يتم توقيف البالغين السوريين- لاسيّما الرجال- في نقاط تفتيش، فإن الأطفال يمكنهم التجول بسهولة أكبر. وبما أنهم عمالة رخيصة ومُطيعون، يستغلّ بعض أرباب العمل اللبنانيين هذا الأمر، وتغض السُلطات اللبنانية الطرف، فلا يُحاسَب أحد ولا يتعرّض للمساءلة.

يتزايد زواج الأطفال بسبب الأسر التي تبحث عن حماية بناتها المراهقات من التحرّش والعنف الجنسي، فذلك يخفف من الأعباء الاقتصادية التي تتحملها الأسرة. ورغم كل ذلك، تواصل السُلطات اللبنانية تعنّتها بشأن إقرار الزواج المدني الذي من شأنه حماية المتزوجين.

يجب إذن الاعتراف بهؤلاء السوريين بوصفهم لاجئين في لبنان، وتوفير العمل لهم بشكل قانوني، وأن يذهب أطفالهم إلى المدرسة. ويجب أن تكون الأولوية عند كل المنظمات التي تهتم باللاجئين هي إنهاء العبودية. كما يجب على لبنان إنشاء مؤسسات وسنّ قوانين وسياسات تتفق وحقوق الإنسان العالمية؛ ستعمّ الفائدة على البلد بأسره، وسيكون ذلك مثالًا للدول الأوروبية التي لا تزال تتخبط في البحث عن حل لأزمة اللاجئين. يجب التحرّك الآن.

المساهمون