الفقر في الدول العربية... توصيات بالأكل جيّداً

الفقر في الدول العربية... توصيات بالأكل جيّداً

30 ديسمبر 2016
( بالقرب من العاصمة اليمنية صنعاء، تصوير: محمد حويس)
+ الخط -


يمتلك مفهوم الفقر بعدًا كونيًا، فهو يتغذّى على السياسات الاقتصادية المتّبعة فيما يخص الدعم، وارتفاع الأسعار وآليات التجارة العالمية، الأمر الذي يتسبّب في اتساع الفجوة بين الطبقات الاجتماعية وضعف القدرة الشرائية لدى العديد من الفئات، وكذلك إفساد الشروط المعيشية.

وقد أصبحت مواجهة الفقر هدفًا دوليًا يندرج ضمن برامج التنمية التي تُعلن عنها الأمم المتّحدة من أجل حصر دائرة الفقر في العالم، وخاصّة أنه حسب آخر إحصائيات البنك الدولي، فقد تجاوز عدد فقراء العالم ملياري نسمة.

ولقياس الفقر، تلجأ المؤسّسات الدولية إلى عدّة مؤشّرات تمثل محددات الفقر في العصر الحالي كنسبة البطالة، الدخل الفردي، وضعية الشباب والنساء في سوق الشغل، الفوارق الجغرافية، جودة الخدمات التعليمية، الصحية، البيئية، والترفيهية، توفير الماء الصالح للشرب، السكن، النقل والبنية التحتية.

وعلى هذا النحو، تختلف البلدان من حيث الخصوصيات وتحتاج إلى سياسات تهتم بهذه المحدّدات، وبظروف التنمية ومستواها والموارد المتاحة وقدرات البلد البشرية والتنظيمية.


فقراء ينامون فوق الذهب
وفي المنطقة العربية، مازال الفقر ينتشر بشكلٍ واسعٍ داخل المجتمعات باستثناء بعض دول الخليج التي تغرّد خارج السرب وتتّجه بخطوات واثقة نحو دولة الرفاه الاجتماعي واقتصاد السعادة، أما باقي الدول العربية فهي تعاني من تخبط كبير في مواجهة الفقر الذي يطاول دولًا تتميز بموارد طبيعية وفوائض مالية كبيرة كما هو الحال في ليبيا، الجزائر والعراق.

ويشيرُ تقرير البنك الدولي الصادر سنة 2015، إلى أن نصف سكان المنطقة العربية يعيشون على أقل من أربعة دولارات فقط في اليوم، كما أن إجمالي الناتج المحلّي للدول العربية مجتمعة لا يتجاوز 1.5 ترليون دولار، وأن نصيب الفرد العربي من هذا الناتج لا يتعدى 3500 دولار سنويًا، وتلك معدّلات تضع أغلبية السكان ضمن الحدود الفقيرة عالميًا.

وعلى ذات المنوال، يستمر فشل السياسات الاقتصادية العربية في تأمين الأمن الغذائي لشرائح هامة من السكان، ويسجل اتساع مطرد للفجوة الغذائية في السلع الزراعية قاربت 30 مليار دولار خلال العام 2015. ويستورد الوطن العربي 50 مليون طن من الحبوب، خاصّة أن استهلاك الفرد العربي يبلغ 325 كيلوغرامًا من الحبوب سنويًا، وهو من أعلى المعدلات العالمية.

كما أن الأراضي الزراعية المستغلة في الوطن العربي لا تمثل سوى 30 في المائة فقط من الأراضي الصالحة للزراعة والبالغة 175 مليون هكتار، إضافة إلى أن حوالي 100 مليون عربي يعانون من نقص التغذية.

وتعرف المنطقة العربية تزايدًا مضطردًا لمعدلات الفقر في ظل انتشار واسع للصراعات السياسية والحروب الأهلية، فاقتصاد الحرب يعمّ العديد من الدول العربية كالعراق، اليمن، سورية، الصومال وفلسطين.


فقراء التدخّل الأجنبي
في العراق الذي يعيش ظروفًا استثنائية بعد التدخّل الخارجي وحالة عدم الاستقرار مع استفحال الفساد والإرهاب، كشف تقرير صادر عن وزارة التخطيط والتعاون أن الفقر شمل 70 في المائة من العراقيين في حين بلغت نسبة البطالة 50 في المائة.

وبالنسبة للصومال، الذي يعيش حربًا أهلية طاحنة منذ سنوات يهدّد الموت جوعًا نحو 3.5 ملايين صومالي أي ما يعادل 45 في المائة تقريبًا من عدد السكان.

أما في مصر صاحبة أكبر تعداد سكاني في العالم العربي، فتؤكّد تقارير دولية أن نصف السكان لا يحصلون على الطعام الكافي ويعانون من سوء التغذية، وأن 35 في المائة من النساء و53 في المائة من الأطفال في مصر لا يحصلون على الطعام اللازم مما يشكّل خطورة على هاتين الفئتين اللتين تعدان الأكثر هشاشة.

وتفوق نسبة الفقر في مصر 25 في المائة، يتواجد ثلثا الفقراء في المجال القروي. وكذلك، في السودان فقد ذكر تقرير صادر عن المجلس القومي للسكان، وهو هيئة حكومية، أن نسبة الفقر في البلاد تتجاوز 65 في المائة، مشيرًا إلى أن إنتاج النفط في السودان لم ينجح في تحسين الظروف المعيشية للسكان.

وفي السياق نفسه، وبعد خمس سنوات على بداية الحرب الأهلية في سورية، تشير التقديرات إلى أن 80 في المائة من السكان يعيشون في دائرة الفقر، وأن متوسّط العمر المتوقّع قد انخفض بـعشرين عامًا، كما ارتفع معدل الفقر في اليمن من 42 في المائة من السكان في عام 2009 إلى نسبة 64.5 في المائة سنة 2015. ويعيش 80 في المائة من فقراء اليمن في مناطق ريفية، ولا يتجاوز دخلهم اليومي دولارين.


انسحاب الدولة
أمّا في تونس، فيعيش واحد من كل ستة تونسيين تحت خط الفقر، وتوسّعت رقعة الفقر في تونس خلال السنوات الأربع الماضية بنسبة 30 في المائة، بعد أن تآكلت الشرائح السفلى من الطبقة الوسطى في ظل الارتفاع الكبير للأسعار مقابل جمود الأجور، في حين تصل نسبة الفقر في الأردن إلى 14.4 في المائة، وفي لبنان تفوق نسبة 28.6 في المائة.

وتوصي الأمم المتحدة بالتصدي للفقر من خلال زيادة الإنفاق على قطاعات أساسية مثل الأمن الغذائي، الإسكان والتعليم والصحة، حيث يخلق الفقر تجمّعات سكانية عشوائية، وهو ما يبدو بشكل واضح في بلدان مثل مصر، سورية ولبنان، أما على مستوى التعليم، فتبرز ظاهرة عمالة الأطفال وخروجهم من المدارس في سن مبكرة، إذ يقل معدل الالتحاق بالتعليم في مراحله المختلفة في بلد كالمغرب عن 48 في المائة.

وإجمالًا، يعود الفقر في الدول العربية إلى تفّشي الفساد وغياب النزاهة في جميع مستويات الدولة، مع عجز السياسات التنموية على تحقيق طفرة نوعية في الحياة اليومية للمواطنين، وخاصة أن مداخيل الدول العربية تذهب إلى مجالات الأمن والدفاع على حساب التنمية الاقتصادية، ناهيك عن ضعف المورد البشري الذي يستلزم تكوينًا محكمًا يمكنه من أداء وظائفه بكفاءة عالية، وتحسين الإطار العام للعمل بالاعتماد على الاستحقاق كمعيار للتعيينات.

وتبدو الدول العربية في حاجة ماسّة إلى إعادة صياغة أدوارها وعلاقة الفضاءات الثلاثة للإنتاج الممثلة في القطاع العام الحكومي، القطاع الخاص، والمجتمع المدني. فأغلبية الدول العربية كانت تقوم على اقتصاد التخطيط المركزي وقيام القطاع العام بالعمليات الاقتصادية، إلا أنه مع نمو الحاجات الاستهلاكية المتنوّعة لم يعد القطاع العام قادرًا على إدارة عمليات الإنتاج لهذا النوع من التوسع في إنتاج السلع، الأمر الذي فسح المجال لنمو القطاع الخاص، وقد أثر انسحاب الدولة من الأنشطة الاقتصادية عبر عمليات الخصخصة في سياسات التشغيل، التنمية ومجابهة الفقر.

المساهمون