تنظيف المقابر في الجزائر.. معركة بين الأموات

تنظيف المقابر في الجزائر.. معركة بين الأموات

18 ديسمبر 2016
(تنظيف مقبرة سيدي بن حوة بمستغانم/ فيسبوك)
+ الخط -
يسيرون إلى المقابر خلف المشيعين في الجنائز، ويعودون إليها ليلًا مع المشعوذين والسحرة بعد أن يحدّدوا قبر الوافد الجديد، ينبشون القبور ويدسّون التمائم والطلاسم، ويسرقون أعضاء الموتى؛ كلها ظواهر كشفت عنها حملات شبابية لتنظيف المقابر، بدأت بفكرة الحفاظ على محيط المدينة، وانتهت بمطاردة المشعوذين والسحرة.

حملات تنظيف المقابر، ظاهرة جديدة انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، بعدما أصبحت القبور مقصد المشعوذين والسحرة، إذ يعمد هؤلاء إلى ممارسة طقوس سحرية لا تكتمل إلا بدفن تمائمهم داخل قبور حديثة الحفر.

تتعلّق هذه الحملات في الأصل، بتنظيف المقابر وتزيينها ودهن جدرانها وتخصيص ممرّات للزوّار، وأسهمت مواقع التواصل الاجتماعي في إبراز هذه الحملات بصورة كبيرة، باعتبار أنّ أغلب الفاعلين في العملية يكوّنون مجموعات ويطلقون صفحات خاصة تدعو إلى تنظيف المقابر وحمايتها، تحت شعارات مختلفة لعلّ أبرزها "الموتى ليسوا بأفضل حال منّا".

ويعمل هؤلاء في حملاتهم الدورية بالمقابر، لإزالة الحشائش والأشواك والأوساخ والقمامة المتراكمة أمام محيط المقابر، وإزالة الطلاسم والتمائم ومختلف الأغراض التي تستعمل في السحر والشعوذة، وبالتالي يجد هؤلاء المتطوّعون صعوبة كبيرة في إزالتها، لا سيما تلك التي تدفن داخل القبر.

وتداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي مؤخرًا، صورًا لأغراض تستخدم في السحر عليها طلاسم وكتابات غير مفهومة، عُثر عليها داخل مقبرة، بل إنّ بعض السحر يتم وضعه في الملابس الداخلية وعلى صور بروفايلات لأشخاص، ولا تتوقّف الأشياء التي يعثر عليها منظفو المقابر عند هذا الحد، بل يبلغ الأمر إلى حدّ العثور على أعضاء بشرية تستعمل في الشعوذة.


حراسة الموتى من الأحياء
اليوم يواجه منظفو المقابر الطبيعة والإنسان، فلقد تمكّنوا من ترويض الطبيعة بإزالة الحشائش الضارة والطويلة التي يبلغ ارتفاعها أحيانًا مترين في بعض المقابر، بينما يبقى صراعهم متواصلًا مع المشعوذين والسحرة رغم دعواتهم الكثيرة من أجل وضع حراسة على "منازل الموتى"، تشرف عليها الجمعيات الدينية والمساجد والسلطات المحليّة، لكن لا يمكن حسب بعض الشباب المتطوّعين مراقبة زوّار المتوفين، سواء أيّام الجمعة أو في المناسبات الدينية كعيدي الفطر والأضحى.

وسبق أن عثر شباب متطوّعون على أغراض مستخدمة في السحر؛ منها ما حدث خلال تنظيف إحدى المقابر بمدينة وهران، حيث وجد المنظفون ملابس نسائية داخلية بها قصاصات صغيرة عليها كتابات غير مفهومة بالخط العربي والسرياني، وآخرون عثروا على ما يسمى "حروزا" أو تمائم داخل القبور، وصورًا لشباب وشابات عليها أقفال حديدية، وأخرى بينها أعواد مشدودة بخيوط وهي أعمال سحرية تستعمل غالبًا للتفريق والطلاق والعقم وإنزال الفقر بالمسحور، أو من أجل جلب الحبيب وشفاء العقم وقضاء الحوائج في مقابل ذلك.

وفي مدينة عيون الترك الساحلية بوهران، عثر على رجل طفل صغير مقطوعة موضوعة داخل قارورة ماء، وجدت مغطاة بجانب القبر، أمّا في مقبرة بمستغانم (غرب البلاد) فعثر منظّفوها على العشرات من أعمال الشعوذة والسحر، فمثلًا يظهر أحد المتطوّعين للكاميرا وهو يقرأ القرآن على قطعة خشب صغيرة مكتوب عليها تعاويذ غير مقروءة وملفوفة داخل قطعة قماش، بالإضافة إلى العثور على حجر متوسّط الحجم عليها أسماء أشخاص لفّت بمطاط صعب على العاثرين عليه فتحه، وفي داخل قبر آخر تم تهديمه من طرف المشعوذين عثر على هيكل عظمي (فك علوي) لحيوان يحمل طلاسم سحرية، وعرض المتطوعون في مقابر أخرى صورًا لقنينات عطر مملوءة بالعقاقير لونها غريب، ودمى مغروسة في جسدها إبر صدئة، وغيرها من المشاهد التي تعكس طرق استخدام السحر والشعوذة، وتكشف عمق الاختلال الأخلاقي في المجتمع الجزائري.


الأقفال والسخرية
أثار موضوع "الكادنات" (الأقفال المعدنية) في الجزائر جدلًا حادًا في المجتمع، بعد إقدام شباب الجزائري على وضع أقفال معدنية على السياج الحديدي لجسر تليملي بالعاصمة الجزائر، على طريقة الأقفال التي توضع على جسر العشّاق بباريس، حيث يتوجّه الشباب برفقة صديقاتهم إلى ذلك الجسر ويضعون أقفالًا كدليل استمرار الحب ثم يُرمى بالمفتاح بعيدًا. ليشن مجموعة من شباب آخرين حملة مضادة أزالوا بها كل الأقفال التي تمّ تعليقها على الجسر.

وبعد أن عرفت هذه الحادثة انتشارًا واسعًا، فتحت "الكادنات" أيضا باب التندّر والتنكيت على فيسبوك، إذ ربط شباب بين الأقفال التي توضع في جسر العشاق بالأقفال التي يتم دفنها في المقابر باستعمال سحر الربط والجلب، حيث يعلق أحد الناشطين على الصفحة: "أظنّ أنّني "مسحور.. هناك فتاة وضعت لي "قفلا".

وتعدّت السخرية الجغرافيا الجزائرية، عندما قامت ناشطات فيسبوكيات بنشر صور مشاهير الفن السابع والرياضة في العالم، ووضع أقفال عليها ليس من باب التندر، فتعمد الفتيات إلى نشر صورة براد بيت أو كريتسيانو رونالدو بها ثقب يشغله قفل معدني، كدلالة على أنها استعانت بأعمال سحرية لجلبه على سبيل المزاح.

أطلقت جمعيات كثيرة حملات توعوية وتحسيسية بهذا الخصوص، وساندها الأئمة وخطباء المساجد، إلا أنّ التجاوزات تحدث بصفة يومية دون حسيب ليظلّ الفاعلون مجهولي الهوية إلى غاية الآن.

"اليد في اليد لتنظيف مقابرنا من السحر"، "من أجل مقابر نظيفة"، و"الفرحة تدوم"، هي وشعارات أخرى، يبدأ تطبيقها فعليًا في الفضاء الأزرق قبل الخروج إلى الميدان، حيث يحشد أصحاب الصفحات والمجموعات الدعم من خلال تحسيس الناس بمدى أهمية تنظيف القبور معتمدين في حملاتهم على صور لمقابر تحاصرها قارورات الخمر، أو مخلّفات عمليات التنظيف التي عادة ما تتعلق بالطلاسم وأشياء أخرى.

وفي صفحتها بالفيسبوك تناشد جمعية "مليانة جوهرة الجزائر"، شباب المدينة لأن ينضموا إلى مبادرتها الخيرية المتمثلة في تنظيف مقابر الولاية بصورة أسبوعية، وعمدت جمعية "جزائر الخير" بدورها إلى إطلاق حملة لتنظيف مقابر بلدية معسكر (غرب الجزائر)، مسجلة مشاركة قرابة 30 شابًا شعارهم "لننجح الحملة"، أمّا بلدية بئر العاتر بتسبة (أقصى شرق الجزائر)، فقامت بمبادرات عدّة منها حملة نظافة واسعة على مستوى مقبرة المدينة، شاركت فيها السلطات المحلية وأكثر من 200 تلميذ من تلاميذ متوسطات المدينة.

بعيداً عن السياسة
بينما يعتدي بعضهم على المقابر، من خلال رمي النفايات أو تحطيم بعض شواهد القبور، يرتفع عدد المجموعات التطوّعية، حيث تحثّ مجموعة "الفرحة تدوم"، أفراد المجتمع بمختلف فئاتهم العمرية ومستوياتهم العلمية والثقافية والاجتماعية، على التطوّع والانخراط في صفوفها (تنظيف المقابر والمساجد، زيارة المسنين والأطفال اليتامى..)، وتشترط عليهم عدم الانتماء لأي تجمع حزبي سياسي ولا يهدفون لخدمة مصالحهم الخاصة.

وينشط تحت شعار "إكرام الموتى"، فريق "عقلية ديزاد" على موقع يوتيوب، إذ يبث فيديوهات لعمليات تنظيف عديدة مست عشرات المقابر داخل البلاد، مع تقديم تفاصيل عن كيفية الاتصال بالمجموعة وتقديم تصريحات ميدانية، حول ما عثر عليه، خاصة بقايا السحر وأعمال الشعوذة التي ملأت المقابر في البلاد.

المساهمون