في ذكرى رضوى عاشور.. امرأة بثلاث طرق

في ذكرى رضوى عاشور.. امرأة بثلاث طرق

30 نوفمبر 2016
(بورتريه رضوى عاشور، الصورة/ فيسبوك)
+ الخط -

"عندما غادرت طفولتي، وفتحت المنديل المعقود الذي تركته لي أمي وعمّتي، وجدتُ بداخله هزيمتهما، بكيت، ولكني بعد بكاء وتفكير أيضًا ألقيت بالمنديل وسرت، كنت غاضبة. عدت للكتابة عندما اصطدمت بالسؤال: ماذا لو أن الموت داهمني؟ ساعتها قرّرت أنني سأكتب كي أترك شيئًا في منديلي المعقود، وأيضًا لأنني تنبهت – وكنت في الرابعة والثلاثين من عمري- أن القبول بالنسبي أكثر حكمة من التعلّق بالمطلق، وأن الوقت حان للتحرّر من ذلك الشعور بأن عليَّ أن آتي بما لم يأتِ به الأوائل أو أدير ظهري خوفًا وكبرياءً".


صيّادو الذاكرة
أطلت علينا الكاتبة المصرية رضوى عاشور في أدوار المرأة العربية "سليمة، مريمة، شجر، السيدة راء"، اتفقن جميعهن على رفض أشكال الخيبة والضعف والانكسار؛ هن بطلات جئن إلينا بنموذج يظل في عقولنا لنسير على خطاه.

يتفق قرّاء رضوى من النساء، أنها الكاتبة الأقوى فى سرد النموذج الإيجابي للمرأة العربية بملامحها وطيبتها وقوّتها التي تكمن فيها كزوجة وأم وأخت وجدّة.

"عندما تقرأ لرضوى فأنت تحسّ بها تتعهد حكاياتها تمامًا كبناتها، تكتنفهن بالحب وتحتضن تفاصيلهن بين كفيها، وترقبهن يكبرن على صفحات كتاباتها". هذا ما قالته أحلام مصطفى، طالبة دكتوراه في اللغة العربية.

تضيف المتحدّثة عن بداية معرفتها بروايات رضوى: "سمعت عن رضوى عاشور بعد صدور رواية (الطنطورية)، وقد احتفى بها من أعرفهم من قرّائها ومجّدوا قدرتها على تمثيل النكبة ومحاكاة التجربة، بدأت قراءة النص بإقدام المتشكّك، أنتظر أن أجد ما يدفعني إلى التوقّف وإغلاق الرواية ليتوافق ذلك مع افتراضي بأنه لا يعكس الحقيقة كما ينبغي".

وتستطرد مصطفى: "ما أن انتهيت من (الطنطورية) حتى قررت أن أنتقل إلى (غرناطة)، ومنها إلى (فرج)، ثم إلى (أطياف)، وهكذا حتى انتهيت من كل أعمالها المنشورة في غضون أسبوعين تقريبًا".

وتضيف المتحدّثة، أنه فور انتهائها من كل الروايات قرّرت أن تكتب عنها، وبحكم دراساتها الأكاديمية قرّرت أن تتعلّق دراستها بالجانب التاريخي، كون رضوى كاتبة تاريخ أيضًا، موضّحة أن ما بين سطور الكاتبة شيء من تاريخنا وتاريخ أناس لا نعرفهم على حدّ تعبيرها.


رضوى والتاريخ
تصف أحلام مصطفى، الكاتبة رضوى بأنها تَبنّت الحكايات اليتيمة وجعلت من نفسها راعية لها، تمنحها صوتها حتى تصرخ للناس وتقول أنا هنا فلتسمعوني، معتبرة أن "رضوى تعرف أننا ننسى ولأجل ذلك قرّرت أن تكون هي التذكرة".

رضوى لا تكتب تواريخ الأمم والممالك، تكتب تواريخ من لا بواكيَ لهم، لا حكاواتيين يحكون آلامهم، لا سياسيين يذكُرونهم إذا ما اجتمع القوم. تكتب عن المنسيين الذي يعيشون التاريخ ولا يُسجَّلون فيه، وتكتب عن طعامهم وشرابهم ومنامهم، عن أحلامهم وآلامهم وأوهامهم، تكتب عن ما فقدوا وما حاولوا استرجاعه، تكتب عما نجحوا في تجاوزه من فواجع وما استلبهم حتى صار جزءاً منهم.

رضوى امرأة قرّرت أن تحرّر نفسها أولًا وتحرّر من يشاركونها هويتها، تاريخها، ووطنها الذي وجدته فيه، أن تحرّرهم جميعًا من أغلال التجاهل والتهميش، أن تعلمنا كيف وصلنا إلى هنا، وكيف أن الألم ليس جديدًا، وأن الحلّ ليس في التناسي ولا في الانغماس، هنا تتساءل المصري: هل نتعلّم من رضوى أن نتحرّر نحن أيضًا من أثقال الماضي الذي يقيّدنا؟ هل نتعلم أن نتخلى عن كبرياء يدفعنا إلى رفض الاعتراف بأن الهزيمة هزيمتنا؟ وتستطرد قائلة: "أنا امرأة عربية ومواطنة من العالم الثالث، وتراثي في الحالتين تراث الموءودة، أعي هذه الحقيقة حتى العظم، وأخافها إلى حدّ الكتابة عن نفسي وعن آخرين أشعر أنني مثلهم أو أنهم مثلي".


تشبه سليمة
شخصية رضوى عاشور لها وقعها عند فاطمة سعد؛ لأنها ظهرت في جيل صعب فيه ظهور المرأة، فهي تشبّهها بشخصية "سليمة"، إحدى أبطال رواية ثلاثية غرناطة، هي لا تستكين للظروف تصارعها وتنتصر عليها. وترى أن رضوى نموذج اكتمل فيه وصف النساء، فهي زوجة الشاعر مريد البرغوثي لتفي أنوثتها، وأم الشاعر تميم البرغوثي لتفي بأمومتها، ولم تنس نفسها في هذا الزحام فهي أستاذة جامعية وكاتبة روائية أصدرت الكثير من الأعمال لهذا الجيل، "أحيت به ذاكرتنا ووجدنا فيه ملاذاً للتائهين، إضافة إلى أنها ظلت تكتب حتى بعد مرضها بالسرطان وظلت مشاركة في عملها السياسي في الثورة المصرية وأطلت علينا برواية (أثقل من رضوى)".

"الصياغة الأدبية لروايتها تجعلنا نتقمص شخوصها، الأشخاص، فرواية "ثلاثية غرناطة"، في كل مرّة من المرّات الخمس التي قرأتها فيها، تقمصت شخصية مختلفة، فمرّة أشعر بأني سليمة، ومرّة أني مريمة وأخرى سعد".

تمزج رضوى، بين تفاصيل الأدب العربي والتاريخ، فهي الأديبة الوحيدة القادرة أن تحكي عن فلسطين من دون أن يساورك شك أنها ليست فلسطينية، أو تحكي عن غرناطة بتفاصيل امرأة أندلسية عاشت طول حياتها هناك، على الرغم أنها لم تزر إسبانيا سوى مرّة قبل كتابة "ثلاثية غرناطة".

ووصفت كتابات رضوى، بأنها روايات تشعر أنك ترى الأحداث بعينك وتعيش معها وتلمسها وتحدثها، مضيفه أن دورها لم يقتصرعلى ذلك فدورها كناشطة سياسية مؤثرة فيمن عاصرتهم يجعلها امرأة مختلفة في أعين الجميع.

المساهمون