أطفال الشوارع في مصر.. النظام يخترع لعبة "البلطجة"

أطفال الشوارع في مصر.. النظام يخترع لعبة "البلطجة"

25 اغسطس 2017
(في القاهرة، تصوير: هونغ وو)
+ الخط -

لا تخلو شوارع القاهرة من كافة التناقضات التي يمكن أن تصادفها في الحياة، بصورة فجة ومرعبة؛ فالمنتجعات السياحية والكمباوندات، التي تنعزل خلف أسوار عالية يعيش فيها نخبة من المجتمع تمارس الرفاهية، ولا شيء غيرها، منعزلين عن ضجيج القاهرة وشوارعها المزدحمة، وقلبها المتخم بالفوضى والعشوائية، بينما تتماس أطرافها مع صورة شديدة التناقض من الفقر والعوز، داخل الأحياء العشوائية، التي يرزح أهلها تحت الفقر والمعاناة المتواصلة.

مئات الأطفال، فوق الكباري وتحت الأنفاق وعند إشارات المرور، في القاهرة والصعيد والدلتا، بنسب متفاوتة، ويعملون في مهن عديدة؛ في ورش ومحال ومطاعم، وأمام أفران الخبز وصهر المواد المعدنية، يستنشقون المواد السامة والأبخرة، التي تحرق عيونهم وتنهش صدورهم، ويجمعون القمامة بأيديهم العارية، بدون قفازات تضمن لهم قليلا من الأمان وعدم التلوث ونقل الأمراض- لو تجاوزنا السن القانوني للعمل وشروطه- بينما يتعرّضون لمخاطر أخرى لا تقل عن سابقتها مثل تدافعهم عند إشارات المرور أمام السيارات لتنظيفها للحصول على جنيه أو اثنين مقابل ذلك وهو ما لا يعادل حتى نصف دولار

فتجد هؤلاء الأطفال التي تكفل لهم الدولة خطًا أخضر للاتصال والإبلاغ عنهم، لكنه معطلٌ بشكل دائم ومرفوعة عنه الخدمة، في حالة شديدة التواضع والمأساوية؛ وجوه ملطخة بالأتربة السوداء وملابس رثة وممزّقة، مفتوحة تكشف عن جسد عارٍ هزيل تبرز عظامه، دون أن تخلو من وجوههم تلك الابتسامة، التي تمزج البؤس باللامبالاة.

تشير إحصائيات المنظمات الحقوقية التابعة للأمم المتحدة إلى إصابة 25 في المائة من أطفال الشوارع بفيروس نقص المناعة المكتسبة (الإيدز)، بالإضافة إلى الكثير من الأمراض الأخرى التي يستعصي علاجها في بعض الأحيان، خاصّة، مع الرفض المتكرّر من المستشفيات استقبالهم بسبب عدم وجود ضامن أو بطاقة هوية، وعدم توافر مصاريف العلاج مما يؤدّي إلى تفشي الكثير من الأمراض.

وقدّرت دراسة أعدّها المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية في مصر، عدد أطفال الشوارع بنحو مليوني طفل، بينما حدّد المجلس القومي للأمومة والطفولة العدد بعشرات الآلاف فقط، فيما تؤكّد منظمة "اليونيسف" وجود مليوني طفل شوارع في مصر، وأن السبب وراء تفاقم الظاهرة الفقر والأوضاع الاقتصادية السيئة.

تتضاعف هذه المعاناة في ظل الحكومات المتعاقبة على مصر، وخاصّة مع حكم عبد الفتاح السيسي، الذي يعمد إلى استغلال هؤلاء الأطفال سياسيًا وحشدهم في مظاهرات مناصرة له في بدايات توليه الحكم بعد عزل الرئيس محمد مرسي.

لكن الأمر الأكثر غرابة هو استضافة فضائية مصرية، عدّة مرّات، أطفالا يعملون في الشارع في مهن صعبة مثل تصليح سيارات، وتقديمهم كأبطال ونماذج، يمكن الاحتفاء بهم والحديث إليهم بصيغة فخر وتحفيز، دون إدانة الواقع والظروف السياسية والاقتصادية والأسرية، التي تسببت في إنتاج هذه الصورة المشوّهة، في سياق المجتمع والطعن في المسؤولين عن ذلك.

يعمل الإعلام على تقديم هؤلاء الأطفال في صيغة "رجولية" وذكورية، باعتبارهم يعملون بكد وعناء مثل الرجال الكبار ويحقّقون ذواتهم مثلهم، ولا يعبؤون بمرح الطفولة كمن في أعمارهم، وكأن ذلك رفاهية وليس حقًا، تنبغي ممارسته بصورة طبيعية وتنشئتهم في صورة نفسية سليمة.

وفي ظلّ هذه الصورة التلفيقية التي يبرزها الإعلام، لا يلتفت إلى أزمات ترافق ظهور هؤلاء الأطفال وأهمية البحث عن أجوبة مصيرية وملحة حولها، مثل تسرّبهم من التعليم وترتيب سبل عودتهم لصفوف الدراسة، بالإضافة إلى الإحاطة بأسباب التفكك الأسري وعوامله التي أدت لخروج أطفالهم للشارع، ومدى سلامتهم النفسية والصحية جرّاء التعامل السلبي معهم في الشوارع من المجتمع ونظرته المتأففة لهم فضلًا عن التعامل القاسي والقمعي –للأسف- من القوى الأمنية، والذي يتعمد الإهانة والممارسات السلطوية والتعدي عليهم لفظيًا وجسديًا بالضرب.

تنبغي الإشارة إلى أن النظام الحالي تورّط في الاستغلال السياسي لأطفال الشوارع، للقيام بأعمال عنف والدس وسط المتظاهرين منذ مرحلة ما بعد ثورة 25 يناير وكل الحوادث التي تلتها، حيث كانوا يقومون بإلقاء الحجارة على المتظاهرين والزجاجات الحارقة والمولوتوف، وهو ما حدث في حريق المجمع العلمي وغيره؛ فقد كانت إحدى الحيل التكتيكية التي تستخدمها أجهزة الأمن المصرية لتشويه الثورة واتهامها بالعنف والعدوان وإيجاد مبرر لممارسة اعتداءاتها وتصفية نشاطها.

المساهمون