مصر.. العمّال في مواجهة "عسكرة الدولة"

مصر.. العمّال في مواجهة "عسكرة الدولة"

09 يونيو 2017
(عمال في شركة دقهليا للنسيج، الصورة: فرانس برس)
+ الخط -


ما زالت ذاكرة الحركة العمالية مثخنة بالآلام منذ أهدرت حقوقهم التنظيمية والنضالية في بناء نقاباتهم المستقلّة عن الدولة، والتي أعاقت قدراتهم على تحقيق مطالبهم المشروعة في تحسين شروط العمل ورفع المستوى المعيشي المتدنّي وربط الأجور بالأسعار، وضمان تأمين صحّي واجتماعي لهم وتوفير إجراءات السلامة المهنية، خاصّة، في الأعمال التي قد يتعرّضون فيها لإصابات جسمانية بالغة، والتعرّض لمواد سامّة وإشعاعية تتضرّر منها صحّتهم، مثل أعمال البناء والحفر فضلاً عن تطويرهم المهني.

فمنذ أُصدر قانون 1964 الذي جعل موافقة الاتحاد الاشتراكي التابع للدولة شرطًا أساسيًا لترشيح أي عامل لدرجة نقابية أعلى وتعليق معظم قرارات النقابة على موافقة الجهات الإدارية، ومن ثم، أصبحت عضوية النقابات واللجان إجبارية، حتى أصبحت للدولة سلطة مطلقة في حلّ اللجان النقابية وتوقّف النضال العُمّالي تمامًا في فترة حُكم عبد الناصر الذي شهدت بدايات حكمه تصفية للحركة العمالة وقمعها بإعدام العاملين في مصنع "كفر الدوار"، إحدى المدن الصناعية شمال القاهرة، خميس (19 عاماً) والبقري (17 عاماً)، بعدما قاما مع مجموعة من العمّال الآخرين بالإضراب عن العمل احتجاجًا على نقل زملاء لهم بشكل تعسفي إلى إدارة أخرى في مدينة مختلفة ومندّدين بتدني الأجور والحوافز.

ولا تزال الدولة إلى اليوم لا تعترف بالنقابات المستقلّة، وتعتبر التنظيم الرسمي للنقابات هو المنوط بتمثيل كل قطاع العمال، رغم إصدار وزارة القوى العاملة بالتعاون مع منظمة العمل الدولية إعلان الحرّيات النقابية الذي كان يهدف لوضع قوانين جديدة للنقابات، لكن شيئًا لم يحدث حتى الآن.

ليس غريبًا أن أوّل قرارات المجلس العسكري الذي تسلّم السلطة من مبارك إصدار مرسوم يحمل قانونًا يُجرّم حق الإضراب، ويحيل العمال المضربين للقضاء العسكري، وتم بالفعل فض اعتصامات سلمية للعمال بالقوّة، واعتقل العديد منهم، وتم تشويههم إعلاميًا بأن مطالباتهم "فئوية" ولا تنظر للصالح الوطني العام وتعمد إلى تعطيل عجلة الإنتاج، أو وصمهم حاليًا بالانتماء لـ"جماعة محظورة"، وهو الاتهام الرائج في ظل تعبئة الرأي العام ضد جماعة الإخوان ومحاربتها للإرهاب، والتي تهدف إلى تجميد دور الحركة العمالية عن أي نشاط سياسي أو تحويلهم إلى قوّة منظمة تربك السلطة وتؤثّر عليها فيما تظل خاضعة لشروط النظام المتحالف مع رجال الأعمال وسيطرة رأس المال ومصالحه.

"الإضراب حرام"، كان ذلك رأي القاضي الذي قام بمحاكمة 32 عاملًا بشركة "إسمنت طرة" في مصر، قبل الحكم عليهم بثلاث سنوات سجنًا مشدّدًا ومثله مراقبة، هذه المقولة التي وجّهها القاضي المصري للعمال لإدانتهم، من فوق منصّة العدالة، خلافًا للقانون الذي يبيح وفق المادة 15 من دستور 2014 بأن: "الإضراب السلمي حقّ ينظمه القانون"، في الوقت الذي ينظّم فيه قانون العمل رقم 12 لسنة 2003 الإضراب للخاضعين لأحكامه. لكنه، أقرّ ما يشبه "فتوى دينية" ليس لها مكان في المحكمة، ولا يعد هو الشخص المكلّف بإصدارها ضد العمال.

بدأت الأزمة عندما أعلن عمّال الأمن الإداري في شركة "إسمنت طره"، الاعتصام السلمي اعتراضًا على وضعهم المزري والمطالبة بحقوقهم المهدورة. وفي الثاني والعشرين من الشهر الماضي، أُلقي القبض على 22 عاملًا، ليزداد عددهم في اليوم التالي إلى 32، قبل أن تصدر محكمة جنح المعادي حكمًا ضد العمال بالسجن لثلاث سنوات.

التهم الموجّهة للعمال هي مقاومة السلطات والبلطجة والتعدّي على موظف عام أثناء تأدية عمله واستعراض القوّة واحتجاز مجندين. ومن ثم، احتكم القاضي للمواد 136 "أ" مكرر و375 مكرّر من قانون العقوبات المصري، والتي تنص على المعاقبة بالسجن من سنتين إلى خمس سنوات، في حالات البلطجة والتعدّي على السلطات، ولم يرد ضمن التهم أمر الإضراب سوى في "الفتوى" التي أباحها لنفسه القاضي، حتى يمكنه محاكمتهم وتفريغ القضية من مضمونها وتصفية شرعية نضالهم الحقوقي، والتواطؤ ضدّهم بحيل قانونية لإضعاف موقفهم القانوني بتهم مزيّفة.

ورصد تقرير دار الخدمات النقابية والعمالية 15 واقعة تنكيل وتعسّف في حقّ العمال، في الفترة من أوّل يناير/ كانون الثاني من العام الحالي، وحتى نهاية شهر مايو/ أيار الماضي، تراوح بين الفصل والمحاكمة أو الوقف عن العمل.

وأشار التقرير الذي صدر باسم "في نفق معتم"، إلى استمرار محاكمة عمال الترسانة البحرية أمام المحكمة العسكرية بالإسكندرية ومد أجل الحكم لأكثر من 11 مرّة متتالية، حيث يتعرّض هؤلاء العمال إلى الحكم في القضاء العسكري وليس المدني، وبالرغم من كون العمال مدنيين ويخضعون لأحكام القضاء المدني الذين ينبغي خضوعهم للمحاكمة وفقًا لقوانينه، لكن يحدث عكس ذلك بدعوى انتقال تبعية شركة الترسانة البحرية وهي شركة مدنية بالأصل تأسست في بداية عقد الستينيات إلى القوات المسلّحة.

وأخيرًا، ليست تلك المرّة الأولى التي يجري فيها قمع الحركة العمالية وتصفية نضالها وإهدار مطالبها، كما لم تعدّ المرّة الأخيرة، التي تمتد فيها العصا العسكرية إليهم على نحو مباشر وبطرق وحيل مختلفة، حيث جرى ذلك عند اعتصام عمال شركة "السويس للصلب"، ودُفع بالدبابات لساحة شركة المحلّة أثناء إضراب العمال، وأُمر باعتقال العمال المضربين لوقف إضرابهم.

المساهمون