حجب المواقع في فلسطين.. ولا أيّ اندهاش

حجب المواقع في فلسطين.. ولا أيّ اندهاش

21 يونيو 2017
+ الخط -

في الوقت الذي لا يزال فيه الشعب الفلسطيني يناضل من أجل تحرره من الاحتلال الإسرائيلي، طل علينا النائب العام بقرار حجب عدد من المواقع الإلكترونية الإخبارية، بحجة أنها مواقع تنشر الأكاذيب والافتراءات بحق النخب الفلسطينية، وكذلك تعكر صفو الأمة، بحسب التعميم الصادر عن مكتب النائب العام، للشركات المزودة بخدمات الإنترنت.

من المهم في هذا السياق النظر إلى الإطار العام الذي وضعت السلطة نفسها فيه منذ وقت طويل؛ لتجنب النظر بعين الاندهاش والمفاجأة لمثل تلك القرارات؛ حيث ما نجده الآن ما هو إلا شكل جديد من أشكال السيطرة والمراقبة، أي أنه امتداد للسيطرة والتحكم على أرض الواقع، وهو توسيع لفعالية سيطرة السلطة على الفضاء الموازي للفضاء الواقعي.

على صعيد آخر، يمكن فهم عقلية الإقصاء والقمع هذه من خلال محاولة تكريس ونشر الخطاب الرسمي حول المسألة الفلسطينية وعملية السلام، وكذا محاولة إثبات مدى نجاح القيادة في خلق رأي عام مساند لها في استجابتها للشروط الأميركية الجديدة التي تريد تفصيل الفلسطيني الجديد الذي يرفض فكرة المواجهة مع الاحتلال ويفرغ مفاهيم النضال من مضامينها.

ومع تزايد الرفض العام للخطاب الرسمي وفقدان ثقة الشارع الفلسطيني به، وانحسارها في صفوف المنتفعين، إزدادت الحاجة إلى تكثيف الضبط والمراقبة، لضمان عدم تشكل خطاب مضاد قد يزيد من ضعف الخطاب الرسمي الذي يراهن على الدول الغربية ولا يكف عن مطالبة المؤسسات الحقوقية والإنسانية في تمكين الشعب الفلسطيني من تقرير مصيره.

وصل عدد المواقع المحجوبة حتى الآن 22 مواقعًا، منها موقع الإخوان المسلمون وموقع وكالة تنظيم داعش "أعماق"، التي بالكاد يتصفحها عشرة مواطنين، في خطوة تبدو أنها مقصودة لتجنب المساءلة الحقوقية وتوفير غطاء دولي لعملية الحجب. هنا، نجدد القول إن فكرة حجب المواقع لا تنبع أساسًا من فكرة النزاع بين نخبة حاكمة وأخرى تحاول الوصول إلى الحكم، بقدر ما هي محاولة لبناء نظام سياسي واجتماعي جديد يخضع للشروط الدولية عبر تحييد أي فاعل من الساحة الفلسطينية.

وعلى طريقة الأنظمة العربية الاستبدادية التي فشلت في تحقيق أي جدوى من عمليات الحجب، تعيد السلطة تلك التجارب، وتمارس الوصاية على الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وفي تحديد أنماط حياته وطرق تفكيره، بعد عجزها عن اقناعه في الخطاب الرسمي السائد، مرسخة بذلك لمرحلة جديدة من الاستبداد الاستثنائي الفلسطيني.

رغم خصوصية المسألة الفلسطينية عن باقي النظم السياسية العربية، وانشغال فاعليها في تفكيك النظام الاستعماري ومحاولة البحث عن مواجهة مع الاحتلال، إلا أن هذا لا يعني بأي حال من الأحوال عدم النضج في المطالبة بالحقوق المدنية والشخصية التي تكفل له العيش بكرامة في الهامش الذي أبقته سلطات الاحتلال، فقد لاقى قرار الحجب على سبيل المثال تفاعلًا قويًا على شبكات التواصل الاجتماعي، وزادت المطالب بضرورة تنظيم وقفات احتجاجية في الساحات العامة لوقف القرار.

استطاعت السلطة، منذ تأسيسها، خلق قاعدة موالية لها تساندها في حال حدوث أي أزمة مجتمعية، وتبرر لها أي انتهاك مادي أو معنوي بحق الناس؛ عن طريق شراء الذمم والتحكم في مصائر عشرات الآلاف من الأشخاص في الوظائف الحكومية بتهديدهم بقطع رواتبهم، ما وفر حاضنة حقيقية لأي قرار يتخذ مهما كانت طبيعته.

المساهمون