السيسي.."الثورة الدينية" نحو الإسلام العسكري

السيسي.."الثورة الدينية" نحو الإسلام العسكري

22 مايو 2017
(أمام المحكمة الدستورية العليا، تصوير: خالد دسوقي)
+ الخط -

ثمّة عائق ظلّ يرافق كل محاولات الإصلاح الديني، على امتداد تاريخ مصر الحديث، في مواجهته القوى الأصولية والسلفية، التي تعتمد الدين في صراعها السياسي وضدّ خصومها الفكريين، حيث لم تكف الدولة عن مصادرة الدين وتوظيفه لخلق شرعية وشعبية لها، تستمدّ منه نفوذها، وتبرّر إجراءاتها السياسية وانحيازها، وحتى قمعها لقوى المعارضة.

وبقدر ما حاول جميع الرؤساء في فترات ولاياتهم التأكيد على عدم خلط الدين بالسياسة، ونفي هذه الصفة عنهم، كانوا يمارسونها بالدرجة نفسها، حيث تستخدم الفتوى والمقولات الدينية لتعزيز مواقفهم السياسية، وتأكيد نسبهم ومدى قربهم من الشرع. وبالتالي، تُصبح معارضة أيّ منهم، خلافًا في الدين ذاته، وخروجاً على ثوابته وصحيح الإسلام.

وتصفية هذا الدور للدين من استغلاله النفعي والأيديولوجي بين الدولة ومؤسّساتها الدينية، وتحريره من كل صراع على السلطة، هو بداية فضّ هذا النزاع الملتبس وغلق دائرة العنف والتكفير باسم الدين، ومن ثم، نجاح فكرة تجديد الخطاب الديني وتخليصه من الجمود والطائفية.

وقد ظلّت الرمزية الدينية فاعلًا مهمًا في تكريس صورة القائد الملهم المؤيّد من الله والذي يبارك قراراته، حيث يكثّفها الإعلام ويبرزها بصورة تكرّس من هذه الصورة المثالية التقليدية المتكرّرة مع كل مستبد.

وبينما يدمج السيسي نفسه عضويًا مع الميراث الشعبوي الديني للمصريين ويؤكّد تماهيه معهم في تعلقهم ببعض الرموز الدينية القريبة من وعيهم، عندما عرّف نفسه في أحد اللقاءات الصحافية، هكذا: "أنا مصري متديّن وسطي يعشق وطنه. تشكّل وجداني في ربوع الأزهر والحسين متأثرًا بالشعراوي، والشيخ صادق العدوي".

ولم يتردّد السيسي في الوقت نفسه، في تبرير إطاحته بحكم الإخوان واستيلائه على السلطة من خلال استدعائه للدين والذي يتجلّى من خلال ضميره "الديني" وتقواه الشديدة، من خلال تكرار مقولات مؤثّرة ينضح فيها بنبرة يختلط فيها الديني بالسياسي، على هذا النحو: "كان صعب عليّ أرى الناس بتتألم وخايفة إن الدنيا تخرب في مصر وأسكت. يا رب يكون ده عمل يرضي ربّنا. يا رب يكون لنا أجر في إننا حمينا الناس في مصر وحمينا الإسلام كمان. يا رب يكون ده عمل يرضي ربنا، ويجعل فيه الخير كله".

منذ تولّي عبد الفتاح السيسي السلطة، تحديدًا، في ذكرى المولد النبوي، مطلع العام قبل الماضي، لا يكف عن طرح قضية تجديد الخطاب الديني في كل خطاباته، باعتبارها أولوية ملحّة أمام الأزهر وعلمائه لمواجهة التشدّد الديني، والآراء غير المعتدلة، والدعاة غير المؤهّلين وفحص الأفكار المتطرّفة في المناهج الدراسية وتعديلها، حيث ذكر "أن الخطاب الديني أصبح منفصلًا عن جوهر الإسلام، لذلك فإن مصر في أمسّ الحاجة إلى تجديد الخطاب وتصويب مفاهيم خاطئة تراكمت بفعل مرور الزمن، وفاعلين أرادوا إخفاء نوايا الشرّ وراء خطاب مقدس، ليفسدوا في الأرض ويسبّبوا كثيرًا من الدمار".

وعمد السيسي إلى الإشارة إلى أن ظاهرة الدعاة غير المؤهّلين بدأت منذ تأسيس جماعة الإخوان المسلمين، والتي أدّت إلى ظهور دعاة يحضون على الصراع بين أطياف المجتمع.

وقد بنى الرجل العسكري جانبًا واسعًا من شرعيته على معاداة جماعة الإخوان المسلمين، واتهامهم بالضلوع في أعمال عنف وإرهاب متعدّدة، بالإضافة إلى التصدّي لخطابهم الذي يجعل من الدين مرجعية، يستمدّون منها مشروعيتهم في العمل السياسي، وتعبئة وحشد الجماهير في صفوفهم لمواجهة خصومهم.

ولطالما حشد السيسي في خطابه السياسي عبارات دينية وآيات قرآنية وأحاديث نبوية، بصورة لافتة وأحيانًا مفرطة، لا يتردّد في تثبيت الدين في مواقعه التقليدية كأداة دفاعية وتبريرية تمنحه الشرعية والنفوذ والسند المعنوي. فقد وصف إطاحته بجماعة الإخوان من الحكم بأنها "حماية للإسلام ومصر معًا"، وهو ما يحصر الدين كمجرد أداة دفاعية يتمّ تطويعها لنفي عدة تهم تروج ضد النظام، تحشد لها كافة الوسائل والدعاية لنجاحها، في مهمّة محدودة وقاصرة، ما يؤدي إلى وقوعها في فخ تبنّي الأفكار غير العلمية عن الدين والترويج للخرافات والتي لا تخلو من طرافة أحيانًا؛ مثلما ذكر السيسي في أحد خطاباته مناجيًا الله: "يا رب أنت عالم بينا ومُطلع علينا، وناس كتير عشمانة فيك. ربنا هيساعدنا". ومرّة أخرى يطلب مساعدته: "يا رب إحنا ظروفنا صعبة، يا رب حضرتك تساعدنا".

كما لم يتوان عدد من شيوخ الأزهر عن دعمه وتأييده من عدّة منابر ومنصات، إعلامية ودينية، عبر وصف جنرال مصر أو بالأحرى تشبيهه بـ"الفاروق" عمر بن الخطاب، وهو الكلام المنسوب لمظهر شاهين، خطيب مسجد التحرير. وبلغ بأستاذ الفقه المقارن في كلية الشريعة والقانون، بجامعة الأزهر، سعد الدين الهلالي، وصفه بأنه: "رسول من الله".

لا ينحرف تصوّر السيسي حول تجديده للخطاب الديني عن مجمل خطابه السلطوي العام، والقائم على تأميم ومصادرة المجال العام بكل فضاءاته السياسية والاجتماعية والدينية، وعدم السماح لأي قوى بأن تتمدّد بخطابها، ومن ثم احتكاره للدين وتوظيفه السياسي له، لفرض مقولاته على المجتمع ووصايته على المواطنين، حيث لا تكون تبعية الخطاب الديني في حيازة أحد خلافه.

و"الثورة الدينية" التي يتزعمها السيسي، لم تتحمّل خطابات لا تبدو جادة وهشة، لكن بالرغم من ذلك سقط في امتحان ضعيف يشبه غيره في باب الحريّات والحقوق المهدرة، عندما واجه مثقفون تهماً من نوعية ازدراء الأديان، في حالة إسلام بحيري، وخدش الحياء العام التي اتهم بها الروائي، أحمد ناجي.

المساهمون