الموسيقى الإلكترونية في غزّة.. شباب أسرع من الكهرباء

الموسيقى الإلكترونية في غزّة.. شباب أسرع من الكهرباء

10 مايو 2017
+ الخط -


داخل غرفهم الصغيرة في شركات الإنتاج الموسيقي والفنّي، أو حتى في بيوتهم، يصنعون موسيقى عبر أورغ صغير إلكتروني، عليه يمكن أن يعتمدوا على رزقهم أو حتى يمكن له أن يساهم في شهرتهم ويفتحهم للعمل الخارجي مع موسيقيين أو منتجين للبرامج والأغاني، إذ في الساعات القليلة التي تتشغل فيها الكهرباء، يُمكن لهم أن ينتجوا موسيقى إلكترونية تعوّضهم عن استخدام العشرات من الآلات الموسيقية.

تعلّم بعض الشباب في غزّة الموسيقى الإلكترونية عبر المواقع الإنترنت، خصوصًا اليوتيوب، وبدأ كلٌ منهم يحاول إنتاج نوع موسيقي وأسلوب خاص به، ونجح بعض منهم بإنتاج أغانٍ محليّة ووطنية فلسطينية عبر هذه الموسيقى دون الحاجة لإمكانات إنتاج موسيقى كثيرة، ومن هنا ينتشرون عبر مواقع موسيقية عالمية ينتجون فيها موسيقى ويعرضونها للبيع، وأصبح لمنتجي الموسيقى في غزّة وسيلة في مشاركة إنتاجاتهم عالميًا، وهم يختلفون عن صنّاع الموسيقى في العالم كون الكهرباء أمامهم محدودة.

بشير بسيسو الملقب بـ "بيش"، وهو موزّع ومهندس صوت ومصمّم غرافيك، وواحد من الذين يصنعون الموسيقى الإلكترونية القلائل في قطاع غزّة، والذين لا يتجاوز عددهم سبعة أفراد، بدأ انفتاحه على عالم الموسيقى من خلال أغاني الراب وشغفه بهذا النوع من الأغاني الجديدة، والذي انتشر خصوصًا في عام 2003 في الوطن العربي وفلسطين.

بدأ "بيش" بالبحث في عالم الراب، وكيفية صناعة الموسيقى الخاصّة بها، وكان مع أصدقائه يحضرون أجهزة تسجيل بأسعار رمزية جدًا، وداخل منزله يسجّلون بعض الأغاني، وعبر موسيقى مجانية من شبكة الإنترنت يقومون بتقطيعها عند إنتاج الأغاني بشكل هاوٍ.

تطوّرت موهبة بسيسو مع أصدقائه من خلال البحث عن أساليب التسجيل والإنتاج الموسيقي الجديدة، عبر برامج مدفوعة الثمن ومن خلالها محاولة دمج الموسيقى الشرقية بالغربية. عندما وجد أنهم يستطيعون مزج الموسيقى الإلكترونية بالراب والشرقية وأيضًا الموسيقى الكلاسيكية.

بدأ بسيسو في عام 2013 بإنتاج الموسيقى الإلكترونية، عندما كان يعمل في شركة إنتاج فني، ويعرف الموسيقى الإلكترونية بأنها موسيقى صاخبة تستخدم في الحفلات الكبيرة غالبًا، وهي نوع من الموسيقى يتمّ فيه إنتاج الصوت إلكترونيًا، ويستخدم الملحنون معدّات إلكترونية لإنتاج أصوات لها علو وطبقة، ولون لحني مرغوب فيه.

ممّا يقومون به أيضًا تركيب الأصوات على شريط مغنطيسي لإيجاد مؤلّف موسيقي، وتعزف الموسيقى من خلال مضخّم صوت أو أكثر. واشتهرت هذه الطريقة بعد حفلات فرق "Tomorrowland" و"Ultra Music" التي حظيت بملايين المشاهدين والمشاركين في هذه الحفلات حول العالم.

يقول بسيسو في حديث إلى "جيل": "تعلمنا الموسيقى لوحدنا، وشدّدنا انتباهنا على الألحان والتركيز على آلات العزف، وكلّه تعلّمناه عن طريق مواقع شبكة النت، ونقوم بإحضار أغنية عالمية أو عربية معروفة، ونقوم بإعادة صياغتها بموسيقى إلكترونية معاصرة ونخرجها برؤية شبابية حيوية".

لكن صانعي الموسيقى الإلكترونية على الرغم من قلتهم، لا يجدون أن كثيراً يتفهّمون طبيعة النوع الموسيقي الذي يقدّمونه داخل فلسطين وقطاع غزة بالتحديد، نظرًا لمواجهة مجتمع منغلق ولا يوجد تغيير في بعض قدراتهم الفنية بما يواكب العالم وحداثة أجهزته وتقنياتها، هذا ما دفعهم لأجل أن يقرّبوه أكثر من الناس إلى أن يدخلوا اللحن العربي فيها ودمج الألحان الغربية، لتصبح موسيقى مرغوبة، وهم أيضًا يعبّرون عن حبّهم لطريقتهم في العمل فيها بكل حرية ويعتبرون أن نوعها يمنحهم الحرية أكثر من أنواع الموسيقى الأخرى التي تطلب بعض نقاط الالتزام بالألحان.



مشكلة انقطاع الكهرباء هي المشكلة الرئيسية في غزّة، وبسببها يمكن أن تتضاعف أوقات العمل عند صانعي الموسيقى الإلكترونية، ويتصادف أن تتعرّض الأصوات الموسيقية لخلل بسبب ضعف الكهرباء وانقطاعها، وفي بعض الأحيان يضطرون لإنتاجها داخل منازلهم وعلى أجهزتهم الخاصة كما يفعل بسيسو وصديقه محمد سالم وهو صانع آخر للموسيقى الإلكترونية.

محمد سالم الملقب بـ "ميدو"، موزّع موسيقي وهندسة صوتية، نشأ وسط أسرة موسيقية تعزف على آلات موسيقية متنوّعة، وبدأ العزف على البيانو كيبورد في عام 2009، ودخل عالم الموسيقى الإلكترونية في 2012 بشكل بدائي، محاولًا تقليد ما يسمع، يصف الموسيقى الإلكترونية بأنها تجعل العازف يعيش الحياة التي يريدها بالموسيقى، خصوصًا كشبان في مجتمع قطاع غزة، حيث يجد الانطلاق فيها على الرغم من كل القيود التي تلتف حول حدود مدينته.

يعتمد سالم على برنامجين أساسيين لإنتاج هذا النوع الموسيقي، وبرامج عدّة للتحكم في الخامات الصوتية والإيقاعات، غالبيتها يحصلون عليها عبر الإنترنت بشكل مجاني، ويستغرق في إنتاج كل مقطوعة موسيقية قويّة كما يصف ومدتها ثلاث دقائق، ما بين ثلاثة إلى سبعة أيام، ويجد أن بيته أكثر مكان ملائم يمكن أن يصنع فيه الموسيقى التي يحبّها.

ويقوم "ميدو" بالاشتراك مع مواقع ببيع الموسيقى وعرض مقطوعاته الموسيقية، ويقوم بعض المنتجين من دول الولايات المتحدة والسويد والدنمارك وإنكلترا بشراء مقطوعاته. ويقول في حديث إلى "جيل": "نقوم بإضافة بعض الأصوات الطبيعية من عزف الكامنجا والبيانو أو الغيتار ونحاول إيصال فكرة أن الموسيقى الإلكترونية شيء جميل، ونلاحظ أن الشباب العربي هم الأكثر استماعًا للموسيقى الإلكترونية لكنهم لا يعرفون تصنيفها".

هكذا أصبحت اليوم بفضل بعض الشباب تدمج الموسيقى الإلكترونية في بعض الأغاني الوطنية والأغاني الترفيهية وحتى الأجنبية، والتي تعبّر عن قضايا الحرية والاجتماعية، وهي موجّهة للجمهور في كل العالم كما يشير بسيسو وسالم.

المساهمون