السوريون في دمشق.. المدينة تتنظر أي شيء

السوريون في دمشق.. المدينة تتنظر أي شيء

01 مايو 2017
(ريف دمشق - حرستا، تصوير: عبد المنعم عيسى)
+ الخط -

منذ الهتاف الأول للحرية في درعا عام 2011، بدأ النظام السوري بتحركاته العسكرية من قتل واعتقال تسعفي؛ ما جعل سكان المناطق الساخنة يحزمون أمتعتهم ويتركون بيوتهم خوفًا على حياتهم، لتبدأ موجات من الهجرة والنزوح واللجوء، فمنهم من يملك حسابًا بنكيًا يمكنه من الحصول على تأشيرة سفر إلى بلد ما، ومنهم من استطاع تأمين ثمن رحلة من الرحلات البحرية إلى أوروبا، ومنهم من لم يستطع الذهاب بعيدًا فاكتفى بالنزوح إلى أحد البلدان المجاورة،  كلبنان أو الأردن أو تركيا.

لكن بعضهم لم تسمح لهم ظروفهم بالخروج من سورية، فنزحوا داخليًا إلى دمشق وريفها، التي بقيت لمدة بعيدة عن حمامات الدم التي تحدث في باقي المحافظات؛ إلا أن ذلك لم يدم طويلًا، فبدأت الدائرة الآمنة في دمشق تصغر تدريجيًا؛ ما اضطر من نزح إلى ريف دمشق أن ينزح مجددًا إلى قلب العاصمة.

اليوم، بعد ست سنوات، تنحصر المناطق الآمنة بعدد معين من الأماكن الخاضعة لسيطرة النظام السوري، وينقسم السكان فيها إلى قسمين؛ القسم المستفيد من تجار وأصحاب أموال قائمين على تشغيل البلد وأتباع النظام السوري وشركاؤه والعسكر، وقسم لم تمكنهم ظروفهم المادية والاجتماعية من السفر خارج سورية، ليبقوا عالقين من دون أي أمل، باستسلام كامل للواقع والظروف التي فرضت نفسها.

وبعد أن تفاقمت الأحداث العسكرية في الشهر الجاري، وعاش السوريون بالداخل خوف الضربة الأميركية، وشاعت على صفحات النظام أخبار تشير لاقتراب ضرب دمشق بالكيماوي؛ يبدو هؤلاء يائسين أكثر من أي وقتٍ مضى، وزادت الضربة الإسرائيلية لمطار دمشق الدولي الطين بلة، لتسيطر النظرة السوداوية للواقع على قاطني العاصمة السورية.

وقام فريق "جيل" بمحادثة بعض الأشخاص القاطنين في دمشق، حول آمالهم وتوقعاتهم لمستقبلهم في المدينة:

سعاد (42 عامًا) موظفة دولة: "منموت بضربة ترامب أو منموت بالكيماوي مو فارقة". هذا ما قالته سعاد عند سؤالها عن مخاوفها بالمرحلة المقبلة، وتسرد لنا سعاد قصتها: "منذ أربع سنوات فقدت منزلي بحرستا، بعد أن تم تدميره خلال العمليات العسكرية، ومنذ أربع سنوات وأنا أتنقل برفقة ابنتي بين بيوت أقربائي في دمشق، وإلى اليوم لم نتمكن من الاستقرار أو استئجار منزل بسبب غلاء الأسعار المتزايد، لقد قدمت كل ما أستطيع فعله، وليس بيدي أي خيار آخر سوى الخضوع للواقع"، ليبدو أن تفكير سعاد بتأمين لقمة العيش اليومية، يتجاوز حدود اليأس والخوف من الموت أيًا كان نوعه، وذلك هو حال أغلب النازحين السوريين، الذين قدموا لدمشق من ضواحيها في السنوات الماضية.

وبالنسبة لماريا (24 عامًا) وهي طالبة في كلية الإعلام، تقول: "الإحساس العام يشبه تمامًا إحساس الدواب قبل الذبح، قطعان تعلف في حظائر تنتظر يومها الأخير". وعن حالها تقول: "لم أستطع السفر بسبب وضعي المادي، اليوم أستكمل دراستي في كلية الإعلام وفقًا لمنهج مُسيّس، لا يوافق تفكيري. وعندما أتخرج، فإن فرصتي الوحيدة هي العمل ضمن وسائل الإعلام الوطنية التي أرفضها، فلا أستطيع اكتساب خبرة عملية ولا أستطيع التقدم للفرصة للعمل خارج البلاد من دون خبرة، باتت أحلامي تبحر في واقع مؤلم جدًا". فالمعارضون في دمشق باتوا يعانون أكثر من أي وقتٍ مضى من التضييق بفرص العمل، لتزيد هذه الأزمة من أزمات العيش المشتركة في دمشق.

أما أبو هيثم (61 عامًا) وهو موظف متقاعد، يعيش وحيدًا بعد أن سافر أبناؤه إلى أوروبا، فهو يقول: "رح نموت، رح نموت بكيماوي أو بغيره"، ويضيف: "لدي إيمان بحكمة الله وبقدره، ففي كل يوم يحدث تفجير، أو تسقط قذيفة هاون في دمشق، لا يمكننا الهروب من الموت، وعندما نموت ليس مهم كيف متنا إن كان بكيماوي أو بغيره"، ليبدو أن المسنين في دمشق قد سلموا بشكل نهائي لقدرهم، وهم ينتظرون الموت فيها ليس إلا.

وبالنسبة لأحمد، (29 عامًا) مصمم أزياء، وهو شاب فلسطيني سوري، وحيد، ويعتبره الآخرون محظوظًا لأنه معفي من خدمة العلم، يقول: "كيماوي أو هاون ما بقى خاف من الموت، الخوف بس أنو أفقد حدى بحبه".

عن حاله يقول: "رغم أنني وحيد، إلا أنني أصبت بـ"فوبيا الحواجز"، جعلتني لا أتحرك من البيت إلا للضرورة القصوى، فعند مروري على أغلب الحواجز يستهزئون بي بطريقة استفزازية لإعفائي من الخدمة، وتكليفهم هم بالخدمة، وفي بعض الأحيان يتم إيقافي على الحاجز تعسفيًا من دون أي سبب. لذلك اعتكف بالبيت فقط للخياطة لتأمين مصاريف أسرتي، وسط  الأسعار المتزايدة، ولم أستطع السفر لأنني فلسطيني سوري".

وأما خليل (35 عامًا) خريج التقنيات البصرية والتصويرية، وهو مطلوب لخدمة العلم، ومتخفٍّ في منزله، يقول: "كيماوي أو غيره، المهم موت مبتسم". ويقول عن حاله: "حياتي عبارة عن سجن صغير، عدت إلى سورية قبل الأزمة بعام واحد فقط، ولم أكن قد التحقت بالخدمة الإلزامية بعد، وعندما بدأت الثورة، بدأ التشدد وسحب كل متخلف للقتال على الجبهات، عملت على التخفي ودراسة الأماكن التي يمكنني الوجود فيها، إلا أن الدائرة صغرت تدريجيًا بسبب كم الحواجز الهائلة، التي تزداد يومًا بعد يوم، واليوم أنا سجين بيتي، وبعض الحارات التي يمكنني المرور خلالها ورؤية بعض الأصدقاء، ورغم مرور كل هذا الوقت، أخاف دومًا أن يكتشف أمري، وأن أساق للاقتتال، فأنا عالقٌ هنا، لا أستطيع السفر خارج سورية ولا أستطيع أن أعيش حياة طبيعية".

يبدو من الواضح أن النظام السوري قد استطاع أن يشغل أفكار القاطنين في دمشق بمعاناتهم اليومية المتمثلة بلقمة العيش والعمل والمرور على الحواجز، وبات التفكير في مصيرهم وخوفهم من المستقبل نوع من الترف، ينسوه حتى تحل المصيبة.

المساهمون