باسل الأعرج.. ضدّ المرحلة

باسل الأعرج.. ضدّ المرحلة

06 مارس 2017
(الشهيد باسل الأعرج)
+ الخط -

فاقت اليوم فلسطين على خبر استشهاد الناشط الشبابي باسل الأعرج، في مدينة البيرة بعد أن داهمت قوّات الاحتلال المكان الذي كان يتخفّى فيه منذ أن أفرجت عنه السلطة الفلسطينية التي اعتقلته في إبريل/نيسان 2016 بتهمة التدبير لعملٍ فدائي ضدّ إسرائيل.

بذل الأعرج جهده في دراسة تاريخ القضية الفلسطينية والتأريخ الشفوي عن جرائم الاحتلال والعصابات الصهيونية. انشغل بالبحث في أهم مراحل القضية، وفي تفاصيل العمليات البطولية ضد الاحتلال الإسرائيلي. هكذا، نجد له كثيرًا من الفيديوهات على يوتيوب مثلًا؛ واحدٌ يتحدّث فيه عن بطولة الشهداء العراقيين في مقبرة جنين، وآخر يتناول عملية زقاق الموت التي نفذها ثلاثة شبان في البلدة القديمة بالخليل.

لم يخضع الشاب الذي قضى عن 31 عامًا للثقافة الرائجة حول المقاومة، ولم يتأثر بالخطاب السياسي العام حول الكفاح المسلح، وثقافة الأمر الواقع التي أنتجتها أوسلو. كان هذا واضحًا لكل من عرف باسل أو حتى سمع عنه؛ فكان رافضًا لمن يقول بعبثية المقاومة المسلحة، وعمل على نشر تصوّره الخاص عن المواجهة مع العدو.

في ظل التزاحم الشديد على صناعة المقولات السياسية والإنسانية الخاصة بالقضية الوطنية التي تتناسب مع خطابات مؤسسات حقوق الإنسان والخطاب الغربي، اختار باسل أن ينحت مفهومه الذي آمن به ودعا إلى العمل على تعزيزه كي لا يفقد المناضل الأمل في جدوى نضاله وهو ما بقي باسل يردده: "المقاومة جدوى مستمرة وكل ثمن تدفعه في المقاومة، ستحصل على مقابله إذا لم يكن في حياتك فستأخذه لاحقًا".

مع غياب الأفق الوطني وانعدام الحراك الشعبي الشامل في المواجهة، لم يأبه الأعرج بالخطاب الرسمي الداعي للمقاومة السلمية والاستسلام، ولا لمؤسسات "الإن جي أوز"، ولا لأي مؤسسة دولية أخرى، تريد أن تصنع مقاومة العصر الحديث كما تراها وبما يناسب إنسانيتها المزيفة، بل كان يدعو لوجوب خلق حالة خاصة من المقاومة يكون فيها المقاوم الفرد، والمقاوم المجهول الذي يؤرق دولة الاستعمار. كان يُردّد: "عش كنيص وقاتل كبرغوث".

وفعلًا، عاش ساخطًا على المثقف المتفرج ومثقف السلطة، ولم يفهم يومًا ما الحاجة الوطنية للمثقف خارج المواجهة؛ فكان يعوّل على المثقف الواعي بدوره في خلق حالات الاشتباك وفي رفض الواقع الاحتلالي، منطلقًا من مقولته: "بدك تصير مثقف، بدك تصير مشتبك. ما بدك تشتبك بلا منك ومن ثقافتك".

ولعل أزمتنا جميعًا، وأزمة باسل أيضًا، في ضياع ثقافة المقاومة وعدم منطقيتها بالنسبة للكثيرين؛ فبعد أوسلو وانتشار خطاب السلام، عرفنا نمطين من المثقفين، نمط ثقافوي يرى المقاومة كشعار ضروري تفرضه سلطة المثقفين، لا كمفهوم وكقيمة تحتاج لنضال ودفع ثمن، ونمط آخر مناصر أو حتى لا يمكن أن نصنفه كذلك، فهو لا يرى الحياة إلّا من زاويته الفردانية المتأثرة بالخطاب الليبرالي في المؤسسات الدولية.

ببساطة بالغة التعقيد، يكتب باسل وصيته، يقول فيها" "أنا الآن أسير إلى حتفي راضيًا مقتنعًا. وجدت أجوبتي"، تاركا لنا الساحة للحث على المقاومة والبحث عن الأداة والفكرة وكل ما أمن به؛ ضرورة المواجهة والبحث عنها وعن أسئلة أخرى شغلت باسل فوجد جوابها وتركنا بلا جواب.