المراقبة الأمنية في مصر.. سجنٌ على امتداد الوطن

المراقبة الأمنية في مصر.. سجنٌ على امتداد الوطن

15 مارس 2017
(أمام البرلمان المصري، تصوير: مروان نعماني)
+ الخط -

منذ إطاحة الجيش بالرئيس الأسبق محمد مرسي في يوليو/ تموز 2013، تصاعدت عملية قمع المعارضة وتنوّعت أساليبها، إلا أنها ظلّت في إطار الأساليب التقليدية؛ الحبس الاحتياطي، محاكمات بتهم واهية، الإخفاء القسري، وغير ذلك.

في الآونة الأخيرة، لوحظ استخدام السلطة لأسلوب جديد للتضييق على السجناء والمحبوسين احتياطيًا الذين يُخلى سبيلهم؛ هذا الأسلوب يدخل في إطار "تدابير المراقبة الشرطية"، التي جاءت كتكملة للعقوبة بالنسبة لمن صدرت ضدّهم أحكام قضائية نهائية أو كبديل للحبس الاحتياطي بالنسبة لمن لم تنتهِ قضاياهم.

ماذا يعني الإفراج بتدابير احترازية؟
أتاح القانون رقم 145 سنة 2006، لجهات التحقيق أن تستبدل الحبس الاحتياطي للمتّهمين بأحد التدابير الاحترازية الآتية: 1- إلزام المتهم بعدم مبارحة مسكنه أو موطنه، 2- إلزام المتّهم بأن يقدّم نفسه لمقرّ الشرطة في أوقات محددة، 3- حظر ارتياد المتهم لأماكن محدّدة. وإذا خالف المتهم الالتزامات التي تفرضها التدابير، جاز حبسه احتياطيًا. ويسري في شأن مدّة التدابير أو مداها والحدّ الأقصى لها واستئنافها القواعد نفسها المقرّرة بالنسبة للحبس الاحتياطي.

وفق منظمة حريّة الفكر والتعبير الحقوقية، فقد بدأ استخدام الإفراج بتدابير احترازية في كانون الأوّل/ ديسمبر 2015، في قضية المصوّرة الصحافية إسراء الطويل، والتي أخلت محكمة جنايات القاهرة سبيلها بتدابير احترازية، نظرًا لظروفها الصحيّة، وذلك بعد تعالي الأصوات المنتقدة لاعتقالها والمطالبة بالإفراج عنها.

ومع دخول النصف الثاني من عام 2016، تزايد استخدام هذا الأسلوب، حيث تم الإفراج عن عدد من المتّهمين في قضايا سياسية مع اتخاذ تدابير احترازية كانت عبارة عن قضاء عدد من الساعات في قسم الشرطة يوميًا في معظم الحالات.

ومن أمثلة من أفرج عنهم بتدابير: أعضاء فرقة "أطفال الشوارع"، وبعض المتّهمين في قضايا "تيران وصنافير"، وبعض المتهمين بالانتماء إلى جماعات أسّست على خلاف القانون كمحمد الظواهري شقيق زعيم تنظيم القاعدة، والداعية السلفي الشيخ محمود شعبان.

كما أتاح القانون أن تفرض قرارات الإخضاع لمراقبة الشرطة كعقوبة تكميلية إلى جانب الحكم القضائي بالسجن، ومن أشهر مَن فُرِضت عليهم المراقبة الأمنية كعقوبة تكميلية؛ مؤسسا حركة شباب 6 أبريل الناشطان أحمد ماهر ومحمد عادل، حيث يقضي الإثنان 12 ساعة يوميًا في أقسام الشرطة التابعين لها، كجزء من الحكم الذي صدر في حقهما في كانون الأوّل/ ديسمبر 2013.


السيّئ والأسوأ
تقول منظمة حريّة الفكر والتعبير، إن تغير اتجاه الجهات القضائية عن استخدام الحبس الاحتياطي إلى البدائل القانونية، جاء بعد مطالبات عدّة من داخل أروقة المحاكم وخارجها، وعلى الرغم من أن بدائل الحبس الاحتياطي تمثّل قيدًا على الحريّة الشخصية إلا أنها أقل قسوة من الحبس الاحتياطي الذي يُعد عقوبة سالبة للحريّة.

ورغم أن التدابير الاحترازية تبدو أفضل بكثير من الحبس الاحتياطي، إلا أنه قد يُساء استخدامها بشكل يجعلها كابوسًا حقيقيًا، فعلى سبيل المثال حرّر قسم شرطة بولاق الدكرور مذكّرة هروب في حق زيزو عبدو، الناشط السياسي المفرج عنه بتدابير احترازية على ذمّة قضية "تيران وصنافير"، بسبب تأخّره عن الحضور في موعد المراقبة الأمنية المحدّد رغم أن تأخره كان بسبب إلقاء جهة أمنية أخرى القبض عليه.

وبالنسبة لمن طبّقت عليهم المراقبة الأمنية كعقوبة تكميلية؛ فإن الأمر أصعب بكثير، إذ يقضي بعضهم فترات تصل إلى 12 ساعة يوميًا في أقسام الشرطة، ولمدّة تصل إلى ثلاث سنوات، مثل ما يحدث مع أحمد ماهر ومحمد عادل، وهو ما يعني أن حياتهم الطبيعية ستكون معطّلة طوال مدة المراقبة.

كما تعرّض بعض النشطاء لمضايقات ومعاملة تعسّفية خلال قضائهم المراقبة الأمنية، إذ حظر قسم الشرطة على الناشط محمد عادل، استخدام هاتفه المحمول أو أي أجهزة أخرى خلال ساعات مراقبته، فيما أُجبر أحمد ماهر، خلال الأيّام الأربعة الأولى من فترة مراقبته، على الجلوس في ممر مظلم أمام زنزانة في قسم شرطة "التجمّع الخامس"، دون فراش أو بطانية أو ضوء، بحسب محاميه.

وانتقدت منظمة العفو الدولية الوضع قائلة "إن السلطات الواسعة وصلاحية الاجتهاد في تحديد الأوقات الممنوحة للشرطة بلا حدود، قد حوّلت قرارات المراقبة، بعض الحالات، إلى عمليات احتجاز فعلية، وقوّضت الغرض الذي أقرّ تدبير المراقبة من أجله، كتدبير غير احتجازي.

وتسهِّل تدابير المراقبة كذلك وقوع المزيد من انتهاكات حقوق الإنسان، من قبيل الاحتجاز التعسّفي وسوء المعاملة وفرض قيود تعسفية على الحقّ في حريّة التنقل وحريّة التعبير، ضد الناشطين الذين يستهدفون في سياق قمع السلطات للرأي المعارض. كما تعرقل التمتع بحقوق أخرى، بما في ذلك الحق في العمل وفي التعليم وفي مستوى معيشي مناسب.

المساهمون