محمد سيد زكي.. بيان التصفية

محمد سيد زكي.. بيان التصفية

07 ديسمبر 2016
(تصوير: محمد الشاهد)
+ الخط -

لم يتوقعا حين سارا معًا، أن يكون ذلك اللقاء الأخير. لم تنس زوجته - التي أضحت أرملته -  تلك الرعشة التى أصابتها حين همّوا باختطاف رفيق الدرب، محمد سيد حسن زكي، الباحث في مركز البحوث الزراعية في بني سويف. أخذوه من بين يديها وتركوها هائمة في شارع الهرم كي تحيا أم الدنيا.

نظرة أخيرة ألقتها عليه، لم تشف شوق زوجة اخُتطف منها زوجها قبل أن يتما وجبة العشاء في مطعمهما المفضل. بقيت بعدها قرابة الشهرين تبحث عنه بلا جدوى، يُدوّن أصدقاؤه ومعارفه عنه، عسى أن تسهم كتاباتهم في ظهوره، أو حتى حمايته من البطش الأمني.

59 يومًا قضاها الجميع في بحث دؤوب عن الزوج والأخ والصديق. لم يمل صديقه المقرب منه؛ طلب من الجميع النشر، وسعى لدى الحقوقيين والنشطاء، باحثًا عن بصيص أمل عسى أن يُبعد عن صاحبه الشبح الذي كان يشم ريحه من بعيد.

يوم أمس فقط، أتى الفصل الأخير؛ فاكتملت المأساة في الساعة السادسة مساءً، عبر منشور قرأته الزوجة على الفيسبوك، عرفت منه أن زوجها المختفي منذ أربعة أشهر قد تمت تصفيته على يد قوات الأمن. يوم أمس، أتمّ زكي عامه الثالث والثلاثين.

لم تستوعب الصدمة، حسبت أن الأمر شائعة ربما، لكن جاء بيان وزارة الداخلية المصرية ليحسم الجدل: "المدعو محمد سيد حسن زكي قد تمت تصفيته في مدينة منفلوط مع اثنين آخرين أثناء تخطيطهم لعملية إرهابية تابعة لحركة سواعد مصر- حسم". بهذا الادّعاء، حسمت الشرطة المصرية الأمر، وانتهت دعوات الرجاء للباحث الشاب بفك الكرب، وبدأت صلوات الصبر والاحتساب.

توافرت "المعلومات" لدى جهاز الأمن الوطني المصري، بعد شهرين من اختفاء محمد سيد زكي، وبرغم كل الإنكار الذي واجهت به الداخلية من اتهموها بخطفه وإخفائه قسريًا، خرج بيانها يؤكد تصفيته واثنين آخرين، هما علاء رجب أحمد عويس، وعبد الرحمن جمال. سبقا زكي في الاختفاء القسري بشهور قليلة، لكن جمعهما ادّعاء الداخلية وبيانها:

"أفادت المعلومات بأن عناصر مطلوبة من الجناح العسكري للإرهابية قد اتخذت من أحد العقارات بقرية منفلوط بمحافظة أسيوط مقرًا لاختبائهم ولقاءاتهم والإعداد والتخطيط لعملياتهم المسلحة في الوقت الراهن. وبمداهمة المقر، فوجئت القوة بإطلاق الأعيرة النارية تجاهها ما دفعها للتعامل مع مصدرها فأسفر ذلك عن مصرع الثلاثة".

ليست المرة الأولى التي تتوافر فيها المعلومات لدى أجهزة الأمن المصرية، ولم تكن محاولة الهجوم على قوة الاقتحام سيناريو متفردًا، فهكذا تُصاغ البيانات في كل مرة؛ لم يختلف بيان تصفية زكي ورفاقه، عن ذلك البيان الذي أصدرته الداخلية في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي تعلن فيه مقتل محمد كمال عضو مكتب الإرشاد ورفيقه ياسر شحاته.

حينها، زعمت المعلومات أن المذكورين اتخذا من شقة في مدينة المعراج بالبساتين مقرًّا لهما للتخطيط لعمليات إرهابية، وتكررت ذات المداهمة التي تمت في منفلوط قبلها بشهور في البساتين بالقاهرة؛ إذ تبدأ بمواجهة مزعومة وتنتهي بجثث وسلاح وربما أموال من دون إصابات في فرقة المداهمة جراء المقاومة.

كلا البيانين اختتما بذات النهاية؛ فتم إخطار نيابة أمن الدولة العليا بهذا الشأن لتتولى التحقيقات من دون متهمين ومن دون شهود عيان ومن دون أدلة إثبات أو نفي. ينتهي الأمر فقط بكلمتين: "مداهمة وجثث".

قبل 100 يوم، اختفى قسريًا محمد الشافعي؛ الطالب في الفرقة الخامسة بكلية طب القصر العيني. ربما كان من حسن حظ أهله أن الداخلية اقتنعت بعدم جدوى إخفائه مبكرًا، فقررت أن تعلن عن مقتله بعد احتجازه في مقر أمن الدولة بالزقازيق دون تفاصيل.

لم يكن الشافعي هو الطالب الوحيد، لكن سبقه أحمد مدحت، الطالب في كلية هندسة، وبعدهما كان الرصاص في انتظار الطالب عمار أحمد جلال تلميذ الصف الثالث الثانوي الذي اختفى مع والده لعدة أيام ثم خرجت الداخلية ببيان مقتله دون الحاجة لشرح أو تبرير، فقد أتتها تعليقات زائري صفحتها الإلكترونية تدعوها لاستكمال المسيرة وإتمام الخلاص.

محمد سيد زكي


"حد ضامن يمشي آمن أو مآمن يمشى فين". كلمات أحمد فؤاد نجم هذه، من قصيدته "كلمتين لمصر"، كانت في عام 2010 هي أبلغ ما يقال مع كل حادث اختفاء قسري؛ تنشط بعده البيانات ويشتد النزال الإلكتروني في محاولة للضغط على النظام، إلا أن اللعبة التي تتوقف حينًا تعود من جديد أنشط ما يكون.

في أغسطس/ آب 2015، حاول بعض النشطاء والحقوقيين وقف الاختفاء القسرى وعمليات التصفية عبر مبادرة المفوضية المصرية للحقوق والحريات تحت شعار "أوقفوا الاختفاء القسري". حثت المبادرة الجميع للإبلاغ عن حالات الاختفاء وتدوين حكايات المختفين، والتضامن مع ذويهم ماديًا ومعنويًا ومكافحة إفلات مرتكبي الجريمة من العقاب من خلال دفع الدولة للتوقيع على الاتفاقية الدولية لحماية الأشخاص من الاختفاء القسري لكن الدولة لم تستجب، ولا تزال التصفية مستمرة.

المساهمون