اليمن.. نساء في عدسة القناص

اليمن.. نساء في عدسة القناص

06 ديسمبر 2016
(تصوير: محمد حويس)
+ الخط -

في ذاكرة الحرب اليمنية، تحضر المرأة ضمن ملفات وفصول القتل والنزوح والحصار، التي ظلت، على مدى عامين، وما تزال، هي العنوان الأبرز، في حياة شعب بأكمله، وضعته جماعة الحوثي في واجهة حرب لا نهاية لها.

ولأن الحرب لا تفرّق بين صغير وكبير، ولا يلتزم أطرافها بالقوانين الدولية المتعلقة بالمدنيين؛ فقد وجدت المرأة اليمنية نفسها في مربع الاستهداف، وفي واجهة العنف بكل وسائله المستخدمة في الحرب، بعد أن حُرمت من كل أساسيات البقاء في الحياة.

خلال عامين من الحرب، أصبحت المرأة قتيلة وجريحة، ومكلومة على فقدان زوج أو ابن أو قريب. ليس هذا فحسب، بل صارت نازحة، أو حبيسة في المنزل، بعد أن أصبح الخروج منه صعبًا للغاية، في ظل تساقط القذائف على المدينة من حين لآخر، فلم يبقَ ألم، إلا وجربته النساء في اليمن، خصوصًا في مدينة تعز (جنوب غربي البلاد).

ففي تعز، كما في كل مكان في اليمن، ظلت المرأة في عداد الفئات الأشد ضعفًا إلى جانب الأطفال والمعاقين والمهمشين، فأتت الحرب وأدخلت كل من لا يحمل السلاح ضمن الفئات الأشد ضعفًا. تقول شبكة الراصدين المحليين في مدينة تعز، إن 794 امرأة تعرضن لعمليات قتل أو جرح في المحافظة، برصاص مسلحي جماعة الحوثيين وقوات صالح، منذ مطلع العام الجاري 2016.

وأكدت الشبكة في تقرير لها مقتل 105 من النساء مع جرح 689 أخريات، عن طريق القصف العشوائي الذي شنه الحوثيون على الأحياء السكنية وسط المدينة، وعن طريق القنص، إلى الشوارع وإلى أسطح المنازل.

وقال التقرير إن "النساء في تعز تعرضن لانتهاكات حقوق الإنسان بكافة أنواعها، وأنه تم القضاء على كل مفردات حقوق الإنسان التي يتغنى بها العالم والمجتمع الدولي ويتبجح بها نظام حكم 36 سنة؛ بل حتى الأعراف والعادات العربية والإسلامية المرتبطة بكرامة المرأة واحترامها غابت كلية".

تقول الناشطة السياسية والحقوقية أسوان شاهر، في حديثها مع "جيل"، إن "المرأة جزء من الشعب اليمني الذي ذاق جميع أفراده ويلات الحرب التي أعلنتها مليشيا الموت والخراب وحليفها المخلوع صالح على الجميع، ولم تستثنِ منهم أحدًا، غير أنها دائمًا كانت الحلقة الأضعف، وهي الخاسر الأكبر من دوامة الحروب والصراعات، ليس لكونها تتحمل أعباء الحرب الاقتصادية ومواجهة احتياجات الحياة الأولية، التي يصعب الحصول عليها أثناء الحروب، وإنما أيضًا لكونها أختًا، وأمًا، وزوجةً، وابنة، وفقدان العائل يجعلها أمام مسؤوليات مضاعفة، فضلًا عن الحزن، والحسرة التي تتكبدها النساء أثناء الحروب، بسبب القتل، والإعاقات التي تطاول ذويهن".

تشير شاهر إلى أنه في تعز نال المرأة ما نال كثيرين من انتهاكات وجرائم ممنهجه، وخلال عام 2016، قتلت جماعة الحوثي وصالح وجرحت ما يقارب الـ800 امرأة في تعز وحدها، قنصًا، وعن طريق زرع الألغام. كانت المرأة هدفًا مباشرًا من قبل المليشيات الحوثية وقوات المخلوع التي جعلت قناصيها يستهدفون كل ما يدب على الأرض بدون مراعاة للمدنيين، وبدون مراعاة لكون هذا المستهدف رجلًا أو امرأة أو طفلًا، كما أن الألغام أيضًا حصدت الكثير من الضحايا كانت للنساء حصّة كبيرة منها.

وتعتب الحقوقية شاهر على النخب النسائية التي لم تكن بحجم المسؤولية. فبرأيها، كان جهدهن في الغالب يصب باتجاه المحاصصة، والبحث عن موطئ قدم لهن في أي حكومات، أو تسويات قادمة، من دون النظر إلى الضحايا من النساء ومتطلباتهن، خاصة في مناطق النزاع، وهذا ما ضاعف أيضًا من معاناة النساء في تعز وغيرها، ممن وجدن أنفسهن من دون ظهر أو سند، لا من حكومة، ولا من منظمات، ولا من ناشطات.


ضحايا يومية
لا يكاد يمر يوم في تعز إلا ولأبنائه حكاية أليمة مع الحرب والقصف الذي يظل مستمرًّا على المدينة لساعات طويلة.

الكاتب الصحافي والراصد الحقوقي عبد العالم بجاش يقول، في حديثٍ إلى "جيل": "النساء والأطفال، في تعز، هم الفئة الثانية على لائحة ضحايا مليشيا الحوثي وصالح، جراء عمليات القصف للأحياء السكنية والقنص، وهذه إحصائيات ترصدها المنظمات العاملة في الميدان، وتعلنها في تقارير شهرية؛ حيث تقول التقارير إن قذائف المليشيا وعمليات القنص التي تمارسها، تقتل أو تصيب يوميًا بين امرأتين إلى أربع في تعز المدينة وريفها".

في هذا السياق، تشير التقارير الحقوقية إلى أنه في كل يوم يستقبل مستشفى الثورة العام في تعز، وهو المشفى الحكومي الوحيد الذي لا يزال يعمل جزئيًا، يستقبل يوميًا ضحايا بينهم نساء، امرأة واحدة على الأقل، وهذا يحدث منذ عام وعشرة شهور.

يعتبر الكاتب بجاش أن كفاح المرأة في تعز خلال هذه الحرب، له طابع ملحمي، وأن كثيرات من النساء يعتقدن أن حرب المليشيا قد تجاوزت كل حدود العقل والمنطق، وينبغي لليمن الخلاص منها بأي ثمن؛ فكلما زادت جرائم المليشيا التي تحاصر المدينة، زادت القناعات رسوخًا في أوساط الأمهات، خصوصًا بضرورة الاستمرار في المقاومة، حتى دحر مليشيا الانقلاب التي تقصف المدنيين وتقتل الأطفال.

الراصدون الحقوقيون، والمراقبون السياسيون، يؤكدون أن المرأة والطفل، أكثر فئتين معذبتين في اليمن. عملية التنكيل الواسعة، التي استهدفت المرأة والطفل، في المدن المحاصرة، إشارة واضحة المعالم إلى جرائم حرب، المدنيون وقودها، وهو انعكاس لبشاعة تجار الحرب، الذين قنصوا الدولة اليمنية، ويقنصون المرأة اليمنية، وهذه الذهنية انقلبت على كل السمات الحضارية للشخصية اليمنية، وكل الأعراف المدنية، والسياسية، والاجتماعية.


وحشية القنص
كثيرة هي قصص النساء التي تُروى في تعز بسبب الحرب، والحصار، والقنص، والتي وثقتها التقارير الحقوقية والإنسانية، وتؤكد فيها بعض الفتيات بأن المعاناة كبيرة. فعلى سبيل المثال، فرض الحصار وتقطع الطرقات، جعلا النساء يواجهن صعوبات كثيرة؛ بعضهنّ يلجأن إلى عربات الخضار كوسيلة مواصلات، بعد أن منع الحوثيون الناس استخدام وسائل المواصلات المعتادة. وتشير بعض النساء إلى أن الحوثيين ينتشرون في زوايا الطرقات والشوارع والأحياء، ويقومون بالقنص للعابرين نساء وأطفالا ورجالا.

تقول الناشطة الحقوقية في تعز؛ منال الذبحاني، إن الحرب أثرت على كل شرائح المجتمع، لكن ما كان صادمًا، هو ما لاقته المرأة اليمنية بشكل عام والتعزية بشكل خاص، من محاولات حاقدة لامتهان كرامتها.

توضّح أن الحرب أسقطت كل القيم الأخلاقية التي كنا نعول عليها. يتجلى ذلك في معبر الدحي في الحصار الأول لمدينة تعز؛ حيث تم استهداف المرأة التعزية بشكل مباشر، من قبل القناصة الذين ظلوا وما زالوا ينتشرون في جميع زوايا المدينة، الأمر الذي يوضح كيف أن الشعارات الدينية والقبلية هي للاستهلاك الإعلامي فقط.

الملفت أن المعاناة لم تتوقف عند هذا الحد من الجرائم، وعند هذا الحد من الأرقام، فحسب، بل إن النساء مستمرات في السقوط والتعرض للعنف باستمرار الحرب وبقائها مشتعلة، سواء في تعز أو غيرها من المحافظات اليمنية التي ما تزال تشهد حربا مفتوحة.

المساهمون