المطلّقات في غزة.. الحِصارُ حصاران

المطلّقات في غزة.. الحِصارُ حصاران

29 ديسمبر 2016
(في شوارع غزة، تصوير: كريستوفر فورلونج)
+ الخط -
غزّة كغيرها من المجتمعات العربية؛ تربطها العادات والتقاليد وبعض صفات التعايش، لكنها أقرب للوصف بأنها سجن يسكنه أكثر من مليوني مواطن فلسطيني، ولا توجد خيارات كثيرة تجدد حياتهم وتواكب يوميّاتهم، لأن معظمهم لا يتمتّعون بحرّية التنقل داخل موطنهم أو السفر خارجه، غير أن المجتمع الذي يوجد تحت "رحمة السياسة"، لا يُنظر له إلا من خلال المواقف السياسية وتجاذبات الأحزاب، بعيدًا عن ظروفه الاجتماعية والضغوط اليومية التي يشهدها القطاع، ومن بين المشاكل التي يعرفها المجتمع الطلاق عند فئة الشباب.

تزداد نسب الطلاق في قطاع غزّة كل عام، حسب دراسات قامت بها مؤسّسات نسوية في القطاع، وبالرغم من ظهور عشرات المشاريع الخاصّة بالمرأة داخل مؤسّسات المجتمع المدني ومؤسّسات حقوقية، ومساهمة الفنادق والقاعات المحليّة بفتح أبوابها أمام ورشات عمل ومؤتمرات تنادي بحقوق المرأة وتنظّم الحملات التحسيسية لأجلها، إلا أن هذه المحاولات لم تُفلح في التقليل من حدّة نظرة المجتمع "السلبية" للمرأة المطلقة.

يُرجع الحقوقي أحمد العجلة في حديث إلى "جيل"، ظاهرة الطلاق عند الشباب في غزة، إلى تراجع مناصب الشغل والمشاكل الاجتماعية التي تحاصرهم، موضحًا أن كثيرا من الشباب يغرق في تراكمات الحياة اليومية ومتطلبات المسؤولية المادية.

ويستطرد المتحدث، أن هناك معادلتين متناقضتين في قطاع غزّة، وهما أن نسبة المتعلمين والحاصلين على شهادات عليا في القطاع، هي الأعلى من بين المدن العربية، ولكن في مقابل ذلك يفتقد العدالة الاجتماعية نظرًا لتزاحم الأحزاب الفلسطينية على المناصب على حدّ تعبيره، هنا، يقول الحقوقي، إن غياب الفرص لدى الشباب خاصّة النساء، يدفع المجتمع للنظر إلى الزواج على أنه الخلاص الوحيد للمرأة، ولكنها في النهاية تتحمل عبئاً أكبر أحيانًا مما يتحمّله الرجل.

يردف العجلة: "هناك قوانين وتشريعات نطالب بتعديلها منذ أكثر من 15 عامًا، واليوم في غزّة، صار الطلاق سهلًا لأن حقوق المرأة ضائعة أساسًا، حيث تسمح القوانين القديمة بتهرّب كثير من الأزواج من المسؤولية، والمماطلة في منح حقوق المرأة".

ما يزيد من معاناة المطلقات النظرة السائدة في المجتمع، وخصوصًا عند أولياء أمورهن، والتي تعتبر أنه من "العيب" على الشابّة المطلقة الخروج والمطالبة بحقوقها من الهيئات القضائية أو الأمنية، رغم أن جميع الحقوق التي تحصل عليها المطلقة توصف بـأنها "غير منصفة"، بناءً على اتفاقات وديّة بين العائلتين بعيدة عن التشريعات، ومنها ما يتمّ داخل أروقة العدالة قبل صدور حكم القاضي.

تركة اجتماعية
مُنعت الشابة آية (22 سنة)، من وظيفتها حيث كانت تشتغل سكرتيرة قبل ثلاثة أشهر من طرف أهلها بحجة أنها مطلقة، وعند إصرارها على الخروج للعمل ردّ عليها والدها قائلًا: "لا أريد من أحد أن يتكلّم عنك، ويقول عن ابنتي مطلقة وتخرج للعمل"، بعدها ألحّ عليها والدها في الزواج من رجل يبلغ من العمر 42 عامًا بنية "الستر عليها"، ورفضت تلبية رغبة والدها.

تقول آية في حديث إلى "جيل" من داخل أحد مراكز الرعاية النسوية: "كثير من النساء في الوقت الحالي يتمنّين أن يُرمّلن على أن يطلقن، لأنهن يُدركن تمامًا عواقب الطلاق في غزّة، والنظرات التي تلاحقهن أينما يتوجّهن، وبعد مفاوضات شائكة اقتنع والدي أن أتوجّه لمركز للرعاية وأشارك في الأنشطة النسوية، بعد أن تأكد من خلو المركز من الرجال".

حصلت آية على دبلوم في السكرتارية الطبيّة، وتزوّجت مباشرة بعد تخرّجها في العشرين من العمر، وطُلقت بعد عام فقط، بسبب تراكم ديون طليقها، وحرمانها من العمل وتعرّضها للضرب، واليوم لا تخرج سوى إلى مركز الرعاية النسوية بالقرب من منزلها، وتسعى خلال الفترة القادمة أن تقنع والدها بالبحث عن وظيفة.


مرة أخرى
بيسان 25 عامًا مطلّقة منذ عامين، وكغيرها من المطلقات الشابات تقدّم لها شخص يبلغ 45 عامًا، فهو رغم أنه ميسور الحال ومستعد لتلبية جميع متطلّباتها على حدّ تعبيرها، وهي ترفض هذا الزواج مبدئيًا، وتفكّر في الوقت نفسه في نقيض هذا القرار، للخروج من قوقعة أهلها الذين يرفضون خروجها لوحدها، بحجّة "لن يتركك أحد في حالك لأنك مطلّقة".

لا تستبعد بيسان، أن تصطدم بالحياة بعد موافقتها، فهي تروي أن صديقة لها تعمل أخصائية اجتماعية، أخبرتها أن كثيرًا من الحالات التي تتشابه مع حالتها، انتهت بطلاق آخر.

هدى 34 عامًا، يختلف وضعها عن بيسان وآية، فهي ذاقت مرارًا نظرة المجتمع للمطلقة، حيث طُلقت مرتين، الأولى من ابن عمها الذي أجبرت على الزواج منه قبل 12 سنة، وطلقت بعد ثلاث سنوات، وتنازلت عن حقوقها بحجّة عدم تفكيك العائلة، فهي لا تتمتع بحرية رؤية ابنيها اليوم، وتزوّجت من رجل يكبرها بـ 15 سنة، ولكنها طلقت منه بعد عامٍ واحد.

المتحدّثة خرجت اليوم من عباءة نظرة المجتمع، وهي تعمل معلّمة في روضة أطفال بمدينة غزة، تقول: "أجبرت على الزواج في المرّة الأولى من قريب لي وأنا في الثانية والعشرين، وطُلقت ومُنعت من خروج البيت بحجّة واضحة، وهي أن الكل ينظر إليك بـ (سلبية)، وهذا ما نقوله في بيوتنا للمطلّقة، ومرّة أخرى أجبرت على الزواج بحجّة (السترة)، لكن طلقت وكان لابد أن أظهر شخصيتي وأخرج من النظرة الضيّقة للمجتمع".


12 مطلقة يوميًا
بحسب إحصائيات رسمية للمجلس الأعلى للقضاء الشرعي، فإن آخر إحصائية رسمية صدرت عام 2015، تعتبر العام الأخير الأعلى من بين الأعوام الثلاثة الماضية في معدلات الطلاق بقطاع غزة، حيث شهد 3288 حالة طلاق بمعدل 274 حالة شهريًا بنسبة تسع حالات طلاق يوميًا، في حال كان عمل المحاكم 30 يومًا في الشهر، ولكن باستثناء يومي الجمعة والسبت كإجازة في كافة المحاكم تصبح النسبة بما يعادل 12 حالة طلاق يوميًا، فيما شهدت محافظة غزّة أعلى نسبة طلاق ومحافظة الشمال حلت ثانيًا، وتشير الإحصائيات، أن قرابة النصف من حالات العام الماضي هن من فئة الشابات اللواتي مضى على زواجهن ما بين أقل من عام إلى عامين.

ترى الأخصائية النفسية هدى حلس، خلال إجرائها عدة دراسات نسوية على مدار ثماني سنوات، أن أسبابا كثيرة تؤدي إلى الطلاق معروفة منذ عقود طويلة في غزّة، وهي الزواج المبكر للشباب والفتيات والزواج بالإكراه، لكنها تشير إلى خطورة السنوات الحالية في ظل أن أكثر حالات الطلاق تتمّ في السنة الأولى من الزواج، والتي يحدث فيها التحوّل الاجتماعي لمسؤوليات الزوج والزوجة، وزيادة الأعباء المادية والاجتماعية على الزوجين.

تقول في حديث إلى "جيل"، "في المجتمعات العربية نرى أنّ هناك تحرّكات حثيثة بخصوص موضوع الطلاق، إذ نجد هناك تناميًا مستمرًا للوعي عند الشباب، لمرحلة ما بعد الزواج لتحسين السلوكيات والاختيار، بينما تكون الخيارات في قطاع غزّة محدودة جدًا، في ظل حكم الأحزاب للمجتمع الفلسطيني وتمثيلهم للنساء في المجالس التشريعية والمحلية وفق برنامجهم الخاص".

المساهمون