الطلبة السوريون في الأردن.. التخرّج من مخيّمات اللجوء

الطلبة السوريون في الأردن.. التخرّج من مخيّمات اللجوء

29 ديسمبر 2016
(في مخيّم الزعتري، الصورة: Jordan Pix)
+ الخط -
توقّفت حياة مالك القويدر الجامعية، حين ساءت الأوضاع الأمنية في مدينة درعا السورية عام 2012، ووصل به الحال إلى حد الاختيار ما بين الموت ومواصلة الدراسة، فاضطر لتجميدها في العام نفسه، بعد أن قضى أكثر من أربع سنوات دراسية في تخصّص الصيدلة بالجامعة السورية الخاصّة، ولم يجد مناصًا من الانضمام إلى مئات الآلاف من اللاجئين السوريين في الأردن.

يتذكّر مالك جيدًا تلك الأشهر الثلاثة الأولى، التي عاشها لاجئًا في مخيّم الزعتري، شمالي الأردن، ويصف كيف التصقت به ثيابه التي خرج بها من درعا، ولم ينزعها طيلة شهرٍ كامل، لأنه لم يجد بديلًا عنها، حتى أنه كان يضطر لنشرها على بساط داخل الخيمة التي أقام بها، بعد تبلّلها بالعرق من شدّة الحرارة.

"ليس عيبًا أن يكون وطنك الجديد مخيمًا، فأنت لا تختار طريقة حياتك، ولا تملك مفاتيح تدبير شؤونك الخاصّة، ولكن أوّل ما يجب عليك أن تفعله هو أن تنتمي للوطن (المخيّم)، وأن تتعلّم كيفية إحياء الطموح والأمل، التفكير بهذه الأمور داخل المخّيم، أشبه بتراجيديا لا نهاية لها"، يتحدّث مالك لـ"جيل"، بهذه الكلمات، محاولًا استرجاع لحظات طعم الخيبة، التي عاشها في أيّامه الأولى في مخيم اللاجئين السوريين.

الخبز أوّلًا
لم يقوَ المتحدّث، على الرغم من قسوة الحياة في المخيّم، من احتمال فكرة التخلي نهائيًا عن حُلمه في مواصلة دراسته الجامعية، حاله حال المئات من الطلبة السوريين اللاجئين القاطنين بالمخيّمات الأردنية، ليبدأ فصلًا جديدًا من حياته كلاجئ، بالبحث عن بارقة أمل، سعيًا لاستدراك ما فاته.

يؤكّد مالك أنه طرق أبواب كل الجهات التي من الممكن أن تعيده إلى مقاعد الجامعة، بما في ذلك المنظمات الدولية الإنسانية، التي كان موظّفوها يطوفون شوارع المخيّم لإطعام اللاجئين، إلا أن كل تلك المحاولات، يوضّح المتحدّث، باءت بالفشل، ولم يلقَ استجابة نظرًا لانشغال الجميع حينها، بتوفير أساسيات العيش في حدّها الأدنى لأسر المخيّمات، وفكرة دعم الدراسة وتمويلها لم ترقَ لأولويات المانحين في ذلك الوقت، على حدّ تعبيره.

وعلى الرغم من تمكّن شباب سوريين من الالتحاق بالجامعات الأردنية ومواصلة الدراسة في الأيّام الأولى لفترات النزوح السوري إلى الأردن، إلا أن ذلك، يوضّح طالب الصيدلة، كان بسبب تحجّج أولئك الطلبة بفكرة الالتحاق بالجامعة وليس باللجوء. من جهته، النازح السوري أحمد، استطاع الوصول إلى الأردن بحجّة الدراسة، ويسجّل في واحدة من الجامعات الأردنية، كانت وسيلته الوحيدة للعبور والاستقرار في المملكة.


الدراسة هي الحل
ليس أحمد وحده من لجأ لهذه الطريقة للوصول إلى الأردن، فأحد اللاجئين بالمخيم - رفض ذكر اسمه - لم يجد سبيلًا لإحضار زوجته إلا تسجيلها في جامعة أردنية، حيث قام بدفع القسط الدّراسي الأول، الأمر الذي أعطاه سببًا قانونيًا لعبور زوجته من سورية إلى الأردن، بحسب ما أكده في حديثه لـ"جيل".

بعد مرور أكثر من سنة في سعيه الدؤوب، لاحت لمالك فرصة لتحقيق حلمه، بعدما قرأ صدفة عن منظمة دولية، تبحث عن الراغبين من السوريين في مواصلة الدراسة في الجامعات الأردنية، إلا أن هذه الفرصة خلقت المزيد من العوائق أمامه.

يقول مالك، وبينما كان يهم بحجز موعد جديد لإجراء مقابلة بالمفوضية السامية لشؤون اللاجئين، "وقع بصري فجأة على إعلان يتحدث عن منحة دراسية تحت مسمى (منحة DAFI)، بدعم من ألمانيا وإشراف المفوّضية، فسارعت مباشرة لتقديم الطلب، ونلتها عقب المقابلة".

حصل مالك على المنحة عام 2013، ليكون بذلك أوّل طالب، بمخيّم الزعتري يحصل على منحة دراسية كاملة، ويلتحق بكلية الصيدلة في جامعة العلوم والتكنولوجيا (شمال الأردن).

يتوقّف المتحدّث كثيرًا، وهو يصف أولى معاناته الدراسية، والمسافة التي كان يقطعها مشيا على الأقدام حتى يصل إلى الجامعة، حيث كان يسير مسافة ثمانية كيلومترات ذهابًا وإيابًا، بعد أن يضطر لأخذ الموافقات الأمنية الضرورية من إدارة المخيّم.

هذه المعاناة لم تدم طويلًا، حين سُمح للطلبة السوريين القاطنين في المخيمات، بالحصول على إجازات شهرية من قبل إدارة المخيمات الأردنية، استطاعوا بفضلها الإقامة بالمدن الأردنية المجاورة لجامعاتهم، وترك عائلاتهم داخل المخيمات.

تهمٌ أخرى
الخروج من المخيم، يؤكّد الطالب السوري عامر من مخيم "الإماراتي" بالقرب من مدينة الزرقاء الأردنية، في حديث إلى "جيل"، أنه ممنوع لغير الطلبة الذين منحوا من قبل السلطات إذنًا بأخذ إجازة شهرية قابلة للتجديد، حتى يتمكنوا من إكمال دراستهم، واعتبر طالب الطب البشري حاليًا في جامعة العلوم والتكنولوجيا، أن هذه التسهيلات وفّرت الكثير من الجهد.

يستأجر مالك شقة صغيرة متواضعة في مدينة إربد الشمالية، ويُنهي فصله الدراسي الأوّل، ليقع في "مطب" آخر، يتمثل في وجوب جلب أوراقه الجامعية الرسمية من سورية، ليتسنى له معادلة سنواته التي أمضاها في جامعته الأم، الأمر الذي يُحتّم عليه العودة إلى سورية، وهو ما وصفه بحفر قبره بيديه، ما اضطره إلى إعادة دراسته من الصفر.


العودة مستحيلة

استمعت "جيل" للعديد من الطلبة السوريين حول مأزق الأوراق الرسمية الثبوتية، التي تركوها خلفهم قبل نزوحهم من سورية، ما ألجأهم لمناشدة أقرباء ومعارف لهم في الداخل السوري بغية إرسالها لهم، بعد تحصيلها من جامعاتهم، وهو ما لم يتحقّق لكثير منهم.

يروي حامد، طالب التربية الخاصة في جامعة آل البيت في مدينة المفرق، عملية اختفاء أحد أقربائه، الذي حاول الحصول له على أوراقه الرسمية من جامعته في دمشق، واعتقاله والتحقيق معه ومن ثم اختفائه، مرجحًا اعتقاله من قبل النظام السوري.

لا يزال مالك يواصل دراسته مع دخولها السنة الرابعة، في ظل ظروف مالية صعبة جدًا، تعصف بالعائلات السورية المقيمة بالمخيمات، عقب تصاعد صيحاتها في الآونة الأخيرة من مصادر أردنية رسمية، حول ازدياد أعداد اللاجئين السوريين في المملكة.

وتبرّر تلك الدعوات بازدياد العبء المالي على الدولة، في ظل تقلّص المساعدات والمنح الدولية، ما دفع الجهات المسؤولة لاتخاذ تدابير واشتراط معايير صعبة لالتحاق سوريين آخرين بالجامعات الأردنية.

غير أن العديد من المنظّمات الدولية المانحة تعمل على حل الإشكاليات الكثيرة التي تعيق الطالب السوري من أن يتم دراسته، من ذلك مثلا، العمل مع الجهات الحكومية الأردنية على تعديل المواد للطلاب الذين أمضوا جزءًا من دراستهم في جامعات سورية، من خلال توفير منح في مراكز تقوية اللغة، وفق ما أكدته لـ"جيل" سلام، طالبة الصيدلة في الجامعة الأردنية (عمّان).

ما يجب ذكره أخيرًا، هو أن هؤلاء الطلبة، سواء الذين ما زالوا على مقاعد الدراسة أو أولئك الذين أنهوها، باتوا في الفترة الأخيرة، يواجهون عائقًا جديدًا، وهو مماطلة موظفي سفارة النظام السوري في العاصمة الأردنية عمان، في تصديق شهاداتهم، مدّعين أنها مزوّرة أو غير صالحة، ما يجعل الطالب في خطر خسارة المنح الكثيرة التي سيتقدّم للحصول عليها.

المساهمون