حلب بعد الحصار.. انتعاش سوق المتاجرة بالبشر

حلب بعد الحصار.. انتعاش سوق المتاجرة بالبشر

24 ديسمبر 2016
(على المعبر الحدودي جرابلس، الصورة: وكالة الأناضول)
+ الخط -
قُضيَ الأمر، ودخلت قوّات بشار الأسد وحلفائها آخر معاقل المعارضة السورية في القسم الشرقي من مدينة حلب، أكبر مدن البلاد وعاصمتها الاقتصادية، وخرج من المدينة تباعًا أكثر من 300 ألف مواطن سوري تعدّدت وجهاتهم وتوحّدت معاناتهم.

من سكان المدينة من قرّر البقاء في بيته والعيش تحت سلطة النظام، وهؤلاء يظنون أنّ لا أسماء لهم في قوائم المطلوبين لمخابرات الأسد، وقلّة منهم قصدت حلب الغربية، والبقية استقلت باصات التهجير الخضراء لتقصد الريف الغربي أو الشمالي أو إدلب ووجهات كثيرة منها الأراضي التركية المغلقة.

حكومة أنقرة كانت قد أغلقت الحدود في مارس/آذار 2015، ما خلّف مشكلة كبيرة خلال هجمات القوات الروسية المتتابعة على ريف حلب في وقت سابق، ولم تفتح تركيا الحدود لعبور المدنيين بعدها، إلا أنها بقيت تسهّل عبور الجرحى مع مرافق واحد فقط من عائلة الجريح.


تركيا، البلد الآمن
آية، شابة من مدينة حلب، هي إحدى الفتيات التي وصلت بها حافلة التهجير إلى الريف الغربي برفقة والديها وأختها وصديقتها التي كانت قد نزحت إلى بيتها تقول في حديث إلى "جيل": " في الريف الغربي الوضع غير مستقر، لقد هربنا من الموت إلى موت جديد، النظام يقصف بوحشية ومن المحتمل أن يقتحم المنطقة أو يحاصرها كما فعل في حلب، هو يتّبع الآن سياسة الأرض المحروقة، يتّبعها قولًا وفعلًا، والمكان الآمن الوحيد هو تركيا".

حال آية، هو حال الآلاف هناك في الريف الشمالي لحلب وريف إدلب أيضًا، خيارات النظام وحلفائه غير محسومة بعد بشأن الوجهة القادمة بعد حلب، والاحتمال الأكثر وضوحًا هو الريف الغربي، وربّما يأتي الدور على الشمالي وإدلب.

الأوضاع المادية سيئة وأسواق الاستغلال قد فتحت أبوابها، إيجارات البيوت وصلت إلى 400 دولار أميركي في مناطق الريف الشمالي، وانتعش بالطبع سوق المتاجرة بالبشر، حيث تتابع آية لـ جيل: "الحصار أنهك كل سكان حلب، لقد خرجنا بالملابس التي نرتديها تقريبًا والعبور إلى تركيا سوف يكلّف 400 للشخص الواحد، قال لنا المهرّب، إن هذا التهريب هو الطريقة الوحيدة المضمونة".


تجارة مربحة
أُغلق معبر باب الهوى الحدودي قبل نهاية تهجير بقيّة المدنيين من حلب بأيّام، والأسعار على المعابر بحسب أحد المهربين العاملين هناك تأتي على الشكل التالي:

400 دولار، يكون التهريب مشيًا على الأقدام لمدّة ساعة ونصف ونتائجه مضمونة.

400 دولار، ويكون التهريب بقطع مسافة 300 متر بعد الحصول على إذن عسكري مضمون النتائج.

700 مشيًا على الأقدام لمدّة نصف ساعة تقريبًا ومضمون النتائج.

1600 دولار مقابل الحصول على خدمة التهريب الأكثر أمنًا وضمانًا، عن طريق سيارة تمرّ من المعبر دون قطع مسافة سير على الأقدام، ويعامل كل ثلاثة أطفال معاملة راكب واحد.

تعتبر هذه المعابر، أبواب التهريب المعتادة ولكنها شهدت ارتفاعًا محسوسًا في الأسعار فضلًا على أن الأزمة على الحدود فتحت أبوابًا جديدة للمهرّبين؛ منها باب "تهريب المنظمات"، حيث يحقّ لكل منظمة إنسانية مرخّصة في تركيا وتملك معاملات مالية في الأراضي التركية، أن تسجل على اسمها خمسة أشخاص على كل معبر، وبحكم وجود معبرين متاحين هما "باب الهوى" و"جرابلس"، يحقّ لكل منظمة إلحاق 10 أشخاص في كل مرة، وبحسب مصادر موثوقة لـ "جيل" فإن وضع اسم على قائمة المنظمات يباع حاليًا بـ 300 دولار دون أن تكترث هذه المنظمات إلى موظفيها الملزمين بتوصيلهم إلى برّ الأمان.

العاملون في المجالات الإغاثية والإعلامية، حتى لو كانوا أفضل حالًا من الآخرين إلا أنهم يواجهون مشاكل عديدة تبدأ بعدم امتلاكهم وثائق سفر، وعن هذا تعترف زين الملاذي، نائب المدير التنفيذي لمنظمة "فسحة أمل"، إحدى أكبر المنظّمات الإنسانية الناشطة في حلب، أنه يحقّ فعلًا لكل منظمة تسجيل خمسة أسماء في كل معبر لكن الحكومة التركية تشترط وجود وثائق سفر نظامية وسارية المفعول وأغلب المهجّرين لا يملكونها، والمنظمة مثلًا تمتلك 30 موظفًا 4 منهم فقط لديهم وثائق سفر".

الهجرة ليست حلم الجميع
من جانب الإعلام والصحافة خرج أيضًا، عدد من المراسلين الصحافيين والمصوّرين من حلب، منهم من يودّ البقاء في سورية ولا يريد الخروج، وآخرون يبحثون عن طريق يصلون به إلى برّ الأمان، فقد نال التّعب منهم على حدّ وصف المصور الصحافي، أمين الحلبي، والذي يقول في حديث لـ "جيل" إن البقاء في سورية ليس مستحيلًا "لكني تعبت وأود أن أبعد أسرتي عن القصف، أريد الدخول لـتركيا ومن بعدها محاولة اللجوء إلى أوروبا، المؤسّسات الإعلامية التي كنّا نعمل لديها لم تتواصل معنا، وأنا نجحت بتأمين مبلغ التهريب عبر منظمة دولية لحماية الصحافيين، كنت قد قدّمت طلبًا لديهم خلال الحصار، لكن بقية الزّملاء ممن يودّون الخروج لا يملكون حتى مبلغًا لسد رمق الحياة"، وهذا واقع عمّال الإغاثة والنشطاء والصحافيين في المدينة، يأتي مع قيام عددٍ من المنظمات والمؤسّسات الإنسانية على وجه الخصوص بإنهاء عقود موظفيها في حلب خلال فترة الحصار، ربما تحسبًا للفترة التي تليه.

مع نهاية مسلسل الحصار في حلب، سجّل العديد من الناشطين وأعضاء مجلس المدينة دخولهم إلى تركيا، تاركين خلفهم المدنيين والفقراء والبسطاء، منهم من أمنته الجهة التي يعمل لديها وآخرون ساعدتهم مبالغ كانوا يدّخرونها، أما مجلس المدينة بطبيعة الحال فهو يستطيع الدخول والخروج متى شاء على المعابر.

هناك أيضًا، حالات منحتها الحكومة التركية تأشيرة العبور إلى المناطق الدافئة، من بينهم الطفلة التي عُرفت بنشاطها على تويتر، بانة العابد وعائلتها، ما يفتح سؤالًا ملحًا بلا إجابة عن الحكومة التركية: "ما هو الفرق بين بانة العابد وباقي أطفال سورية؟، لماذا لا تفتح الحدود في وجه الجميع؟"، هذا السؤال وجهه ناشطون في غازي عنتاب ( جنوب تركيا )، إلى السيد عدنان كي جي جي، مندوب وزارة الخارجية التركية في عنتاب وقنصل تركيا في حلب سابقًا وكانت الإجابة: "هذا ملف أمني، لكني أعدكم بتوصيل هذا الطلب للحكومة في أنقرة". بحسب زين الملاذي، التي حضرت الاجتماع.

يُشرف شهر ديسمبر/ كانون الأول على نهايته، وهو دائمًا أخف وطأة من برد الأشهر القادمة، ما ينذر بكارثة إنسانية ضمن مناطق المعارضة السورية الحدودية مع تركيا، وقد سجّلت بالفعل حالات وفياة نتيجة البرد في الأيام الماضية، فهل تفتح تركيا الحدود للمدنيين السوريين، أما أن الاتفاق التركي الأوروبي يبقى في قمة الأولويات التركية في ما يتعلّق بالحدود البرية والجوية وقرار الفيزا؟.

المساهمون