أطفال سورية: لاجئون بتوقيت دمشق

أطفال سورية: لاجئون بتوقيت دمشق

10 نوفمبر 2016
(طفل سوري على الحدود اليونانية، صورة: باسيفيك برس)
+ الخط -
ترتبط تسميّات العصور تاريخيًا بأبرز الأحداث التي شهدتها، وقد بدأ كتّاب وباحثون في العالم، بتسمية على العصر الحالي الذي نعيشه اليوم بـ "عصر اللاجئين"؛ فالأمم المتّحدة تقول إن عدد اللاجئين في العالم بلغ 65 مليون لاجئ، وباتت المنطقة العربية مؤخرًا من أكبر المصدرين للاجئين في العالم، في ظل الحروب والنزاعات التي تعصف بأكثر من ربع سكّان هذه المنطقة في دول العراق واليمن والسودان وسورية.

الحديث عن اللجوء يحيل إلى العديد من القضايا المهمّة أمام المنظّمات المعنية به، على رأسها تأمين المأوى والغذاء، كما يُواجه اللاجئ مشاكل عدّة كالاندماج والتأقلم ومباشرة الحياة الجديدة وسط العديد من الأزمات التي تعصف به؛ أبرزها أزمة الهوية والانتماء.

صحيح أن الحديث عن الهوية عند الأطفال ما زال مبكرًا، باعتبارهم لاجئين جدداً، ولو أن ملامح انتمائهم تبدأ بالتشكّل منذ مغادرتهم لأوطانهم؛ انطلاقًا منذ ذكريات الحرب التي تركوها هناك، إلى حالة القبول والتأقلم والاندماج في المجتمع الجديد، هنا، يطرح سؤال مباشر: لمن سوف ينتمي هذا اللاجئ؟ لبلده الأصلي أم للبلد المضيف؟ نقصد هنا؛ انتماء الواجب تجاه الوطن، وبناء الشخصية على معطيات تتعلّق بعادات وتقاليد المجتمع الذي يعيش فيه، هذه الأسئلة يطرحها كثير من اللاجئين السوريين، والذين يشكّلون 10% تقريبًا من تعداد اللاجئين في العالم.

يتوزّع اللاجئون السوريون على كل أصقاع الأرض تقريبًا، لكن أغلبهم يتمركزون في دول مجاورة لسورية مثل لبنان، والأردن، والعراق، وتركيا، أما شعور أبنائهم بالانتماء إلى وطنهم الأصلي فلم تتمكّن الدول المضيفة كالأردن ولبنان أن تحظى بذلك لعدة أسباب أبرزها الظروف المعيشية الصعبة، لكن تركيا وبسبب التحسن الاقتصادي الذي تعيشه، تمكنت من كسب حب الأطفال السوريين المدلّلين هناك، مع الأخذ بعين الاعتبار، صلة القرابة التي تربط سوريي الشمال مع أتراك الجنوب.

عدد المواليد السوريين في السنوات الست الماضية وصل إلى نحو 60 ألف طفل، سوف ينشأون جميعًا خارج سورية، في حين خرج من البلاد أكثر من مليوني طفل منذ عام 2011، يعاني هؤلاء من مشاكل في التعليم واللغة العربية والهوية.

نور يوسف، هي سيدة سورية تقيم في فرنسا، قالت إن مستوى أطفالها في اللغة العربية ضعيف جدًا، ولا يعرفون عن سورية سوى أنها بلد آبائهم، وتبرّر الوالدة، أن الأطفال يقضون معظم أوقاتهم في المدرسة وهم لا يلتقون إلا أطفالًا فرنسيين، بالإضافة إلى أنهم لا يعرفون مجتمعًا آخر غير المجتمع الفرنسي، وتتابع نور "نحن نحكي لهم عن بلادهم وجمالها وحضارتها وعظمتها، لكن الصور التي تصل من هناك لا تجعل كلامنا منطقيًا".

الأطفال المولودون في سورية يواجهون واقعًا مختلفًا، ولعل مشكلتهم أقلّ من أقرانهم، فهم يعرفون البلد، يملكون أوراقاً ثبوتية سورية واسمًا مسجلًا على دفتر العائلة، أصدقاء، أقارب، لغة، وذكريات أيضًا، لكن يبقى للأهل الدور الأكبر بحسب رُبى حنا الاختصاصية الاجتماعية المقيمة في تركيا، وهي أم لطفلة خرجت من سورية ولم تتجاوز تسع سنوات، إذ تقول:

"قضيت فترة طويلة من حياتي خارج سورية حتى قبل الثورة، لكن انتماء ابنتي هو سوري تمامًا، فقد كنت أحرص دائمًا على زيارة البلد ودائمة الحديث عن سورية وعن كل تفاصيلها، حتى في مرحلة الثورة كنت أحرص على ذهاب ابنتي إلى التجمّعات السورية والمشاركة مع الأطفال السوريين، وأعتقد أنها حين تكبر سوف تعود بكل تأكيد إلى سورية إذا سمحت لها الظروف".

لا يعيش جميع الأطفال السوريين واقعًا موحدًا، وبالتالي لا يواجهون المشاكل نفسها، لكن مشكلة الهويّة هي بحث متشعب، وله العديد من الجوانب التي يجب أن تطرح في المنزل وعن طريق الاختصاصيين الاجتماعيين والمعالجين النفسيين، وأوّل الخطوات تأتي بتعزيز الانتماء عند الطفل بحسب المعالجة النفسية هنادي الشوا، المهتمة بشؤون اللاجئين السوريين، إذ تقول: " أقابل العديد من اللاجئين السوريين في المركز الذي أعمل به، هم في الغالب أطفال يعيشون تشتتًا ذهنيًا كبيرًا إذا طُرحت عليهم مسألة الهوية، منهم من يشعر بالانتماء إلى تركيا أكثر من سورية، ومنهم من يتغذّى بالانتماء بشكل خاطئ ليصبح انتماؤه عائقًا لاندماجه".

وتستطرد المتحدّثة أن سورية أصبحت ترمز للموت والخراب، ومن الطبيعي جدًا أن تجد أطفالًا في هذه المرحلة لا يعترفون بانتمائهم لها، أو لا يحبون العودة إليها، لأنها تذكّرهم بتجارب قاسية، موضحّة أنه يجب على الأهل مساعدة أطفالهم من خلال تعزيز روح الانتماء لسورية الأرض والجذور قبل الوطن، وتلقائيًا سيدرك الطفل الانتماء الوطني عندما يكبر على حدّ قولها.

وتضيف الشوا أن تعزيز الانتماء عند الأطفال، يأتي بشرح الاختلاف بينهم وبين المكان الذي يعيشون فيه ليعرفوا أنهم قادمون من بيئة ومكان مختلفين، والتأكيد على تأقلمه مع المجتمع الجديد؛ إذ يجب بحسبها، أن يفهم الآخر المختلف، وأن دينه ولونه وعرقه هي حرّيات شخصية مقدسّة، لا يجب التدخّل فيها أو انتقادها، وذلك كفيل بأن يجعل الطفل يفكّر بأصوله وانتمائه، ويحترم في المقابل الدول التي تستضيفه ويندمج فيها.

بين الاندماج والانتماء يشكّل الأطفال السوريون الحلقة الأكثر حساسية في صراع الهوية، والذي بدأ يتعمّق مع امتداد سنوات اللجوء وضعف الأمل بالعودة إلى أرض الوطن، لتبقى الإجابة معلقة على ما سيحدث مستقبلًا، هل الملايين الذين هُجّروا من سورية وذاقوا عذاب ومرارة هذه الرحلة الطويلة سيعتبرون سورية وطنهم؟.

الموضوع ما زال مبكرًا للحديث عن انتماء الأطفال السوريين باعتبارهم لاجئين جدداً، ولو أنه لامس شيئًا من الحقيقة؛ وهي كره الأطفال لأوطانهم بسبب ذكريات الموت والخوف، لكن الموضوع ما زال بعيدًا عن مشكلة الهوية والانتماء.

المساهمون