المقاومة الرقمية.. أو حين يطل عليك أفيخاي

المقاومة الرقمية.. أو حين يطل عليك أفيخاي

04 نوفمبر 2016
(أمام مقر اليونيسكو في غزة/ وكالة الأناضول)
+ الخط -

"للقلم والبندقيّة فوّهة واحدة"، هكذا تختَزِل العبارة مفاهيم أخرى وأبعادًا أشمل للمقاومة خارج إطارها الشعبي أو الميداني أو حتى الفدائي، معبّرةً عن إسهام الفكر كتابةً وتدوينًا في التصدّي للعربدة الصهيونيّة على الأرض المحتلة، وكذلك محاولات الامتداد والتغلغل في المنطقة العربية ضمن سياقات التطبيع. ولئن كانت قصائد درويش أو سميح القاسم وكتابات غسان الكنفاني وغيرهم تجسيدًا للمقاومة الفكرية والابداعية، فإن عصر الميديا الجديدة ومنصّات التواصل الاجتماعي، أفرزت جيلًا إلكترونيًا للمقاومة كتابةً وتدوينًا، اصطلح على تسميته بـ"المقاومة الرقمية" حسب خبراء الإعلام والاتصال.

روان الضامن، إعلامية فلسطينية ومؤسسة لمشروع "ريميكس فلسطين"، شدّدت خلال لقائنا معها على أن الصّمود في حدّ ذاته مقاومة، وأن المقاومة ليست فقط حمل السلاح أو قذف الحجارة؛ بل هي أيضًا أن تصمد وأن تنقل فكرتك إلى العقل الآخر، مضيفةً أن المقاومة الرقمية في هذا العصر أصبحت موجودة في جيب كل شخص، فالوسائط الإلكترونية الحديثة ليست للاتصال مع الأصحاب والعائلة والاستمتاع بالوقت فقط، بل هي كاميرا وميكروفون وإمكانيات تتيح كتابة النصوص ونشرها آنيًا، أو حتى القيام ببثّ مباشر منها، "لذلك وددت أن أنتقل خلال العامين الأخيرين إلى العالم الرقمي لأنني وثقت أنّ هذا العالم يتغيّر وأنّه يتوجّب علينا مجاراته".

تستشهد الضامن بأعمالها الوثائقية التي أخرجتها حول القضية الفلسطينية، وتؤكّد أنها أنتجت أكثر من 25 فيلمًا وثائقيًا طويلًا عن فلسطين، وحوّلتُ جزءًا منها إلى موقع "ريميكس فلسطين"، و تحوّلت الأفلام إلى أعمال رقميّة متاحة للجمعيّات وللشباب ومواقع التواصل الاجتماعي، بإمكانهم استغلالها للتعبير عن فكرة المقاومة.


معركة بلا أسلحة 
في خضم معركة واسعة النطاق، يشنّها الصهاينة عبر شبكات التواصل الاجتماعي والمواقع الاتصالية، للتسويق لأفكارهم التوسعية وكسب التعاطف الشعبي والترويج لأكاذيبهم وترّهاتهم، فإن التصدّي لهذه الهجمة الشرسة، يتطلّب تمكّن الشباب العربي من آليات الثقافة الرقمية وتوظيفها في هذه المعركة، دفاعًا عن القضايا العادلة، بحسب خالد الوليد، مستشار العلاقات العامة وحقوق الإنسان بلندن، معتبرًا أن المقاومة الرقميّة، هي الفضاء الأوسعُ لدعم حقوق الفلسطينيين ودعم القضية الفلسطينيّة ككل.

ساهمت المقاومة الرقمية، في استقطاب شرائح واسعة من شباب العالم العربي والغربي، والتعريف بالقضايا الإنسانية، لسهولة الاطلاع على محتوى الرسائل وسرعة وصولها إلى الجمهور في الوقت المناسب، لأنّها عمليّة تسمح بتكييف التقنيات مع المضمون.

إذا كان حقّ الفلسطيني في المقاومة مشروعًا، فلكلّ شخص الحريّة في اختيار أداة المقاومة التي تناسبه، فالمقاومة الرقمية أداةٌ أخرى، تصل إلى جماهير واسعة بغضّ النظر عن إمكانيّاتهم، ويمنح هذا الأسلوب للمتلقي، فرصة لسماع الطرف الآخر في معادلة الصراع، وإن اختلفت عن أساليب عن المقاومة المسلّحة على الأرض.


مخدّر موضعي
إن مجرّد اختزال فكرة النضال في سبيل فلسطين عبر مدوّنة تتغنّى بـ"انتفاضة السكاكين" أو هاشتاغ عن غزة المحاصرة، أو عملية فدائية تُشنّ هنا وهناك، هو تسطيح لمفاهيم النضال والتضحيات التي يقدمها الشعب الفلسطيني والعربي منذ النكبة إلى اليوم، هكذا لخّص سيد اسماعيل (31 سنة) طالب فلسطيني بجامعة تونسية قراءتهُ للمصطلح الجديد الذي صار متداولًا اليوم؛ ألا وهو المقاومة الرقميّة، مضيفًا أن هذه المقاومة هي من أخطر الأسلحة وأهمّها على الإطلاق.

يستطرد سيد اسماعيل: "هنالك فهم خاطئ للمقاومة الرقميّة خاصّة في الوطن العربي من وجهة نظري؛ لأنّ المشكلة أنّ المواطن العربي صار ينشر مجموعة من الصّور أو يكتب تدوينات يظنّ أنّه قد أنهى مهمّته وانتهى الأمر، المفروض أن تُفضيَ المقاومة الرقميّة إلى حراك على أرض الواقع تمامًا كما يحدث في الدّول الغربيّة، الآن صار يتحتّم علينا أن نقوم بحملات دعائيّة بالوسيلة الرقميّة ونستخدم الهاشتاغ لنشرها بقوّة، وبالتالي يحصل حراك على أرض الواقع تتبعه حركيّات ومظاهرات أو ندوات أو غيرها، للأسف، هنا في العالم العربي تجد حراكًا في العالم الرّقمي ولكن في الواقع لا تجد شيئًا، ويعتقد كثيرون أنهم أنجزوا مهمّتهم بنجاح".

ويضيف سيّد إسماعيل، أن المقاومة الرّقميّة تصبح مسكّنا موضعيًا أحيانًا، وتمتص غضب الشارع وتحوّله إلى العالم الافتراضي وتتلاشى فكرته في مواقع التواصل الاجتماعي، ويتساءل المتحدث: في السّابق ما الذي كان يقوم به المواطن العربي؟ ويجيب: " كان ينزل إلى الشارع ويصرخ على امتداد ساعتين في مظاهرة في السنة أو مظاهرتين، ثمّ يعود إلى بيته وهو مقتنع بأنّه أدّى واجبه تجاه فلسطين، وفي اعتباري أنّ المقاومة الرّقمية يجب أن تكون جزءًا من نظام تفاعليّ كامل ومتسلسل، ولا يصلح ولا يصحّ بأن نقوم بمقاومة رقميّة بمفردها تكون منغلقة على ذاتها، يجب أن تكون واجهةً لحراك على وجه الواقع ولا تكون لغوًا أو محض كلام فارغ."

المساهمون