أبو نضال "السوري".. رجل لا يؤمن إلا بفيروز

أبو نضال "السوري".. رجل لا يؤمن إلا بفيروز

19 نوفمبر 2016
(على أنقاض مدينة حلب، الصورة: وكالة الأناضول)
+ الخط -


حين ترى أبو نضال فاعلم أن الموت يبعد عنك مسافة طويلة، فرغم الموت والحصار الذي تعيشه مدينة الزبداني، منذ أكثر من عشرة أشهر على أيدي قوات النظام السوري وحزب الله اللبناني، يصرّ أبو نضال الخمسيني على نذر نفسه كمسعف وحيد في المدينة التي لم يبقَ فيها إلا 170 شخصًا يصارعون للبقاء على قيد الحياة وسط ظروف معيشية صعبة.

"أعشق كل حجرٍ في الزبداني، ولي في كل شارع صديق شهيد، وإن كان عليّ أن أنتظر الموت فسأنتظره في المكان الأجمل، لن أرحل ما دام بوسعي إنقاذ روح واحدة، تكفيني هنا الزبداني وفيروز وشهداء المدينة". يقول أبو نضال بثقة.


البنّاء المسعف
مع بداية الثورة السورية، كان أبو نضال من أوائل من شاركوا في الحراك السلمي في المدينة، وبعد مرور عامٍ عليها، تحوّل من مهنته السابقة كعامل بناء، وآثر التطوّع مع الفريق الطبي في مدينته، وهو مدرك تمامًا مدى خطورة مهمّته وأنها قد تحول بينه وبين رؤية عائلته يومًا ما.

يتابع: "كان لابدّ لي من تقديم يد العون لأهالي مدينتي، واجهت في البداية صدمة سقوط أوّل برميل متفجّر ألقيَ علينا، وخلت أن البراميل ستمنعني من أداء مهمتي، لكني أدركت فيما بعد أن المدينة ستكون بحاجة لي أكثر، ومع مرور الوقت تأقلمت مع القصف والجوع".

أبو نضال أب لأربعة أولاد، اعتاد التجوال بسيارته" البيكآب" بين الركام وتحت خطر القصف، على أمل إنقاذ المزيد من الأرواح، ورغم الهدنة الموقّعة بين قوّات النظام وفصائل المعارضة في سبتمبر 2015، والتي شملت أيضًا بلدتي كفريا والفوعة المواليتين للنظام، ما زالت الزبداني ترزح تحت وطأة القصف، ومازال أبو نضال أمينًا على أرواح من تبقى فيها كمسعف ورئيس حالي للهيئة الطبيّة.

"أكثر ما يرعبني حاليًا هو التهجير، فاتفاق الهدنة الموقع ما هو إلا اتفاق كارثي هجّر العديد من أهالي المدينة فأصبحت شبه مهجورة، نعاني هنا أوضاعًا مأساوية للغاية، نتيجة نقص الإمدادات الطبية والغذاء، ومقتل آخر طبيب في المدينة عقب استهدافه من طرف حزب الله اللبناني"، يضيف أبو نضال بأسى.


أرواح المدينة
لأبو نضال مكانة هامة في ذاكرة الأهالي، الجميع يعرف هذا الرجل الذي أبى مفارقة مدينته، رغم نزوح ورحيل عائلته منذ عام ونصف، أحد مرافقيه شاب من المدينة اسمه محمد، تعرف عليه منذ بداية مسيرته، وشاركه شهورًا طويلة من الجوع والحصار كما يؤكد: "كان بإمكان أبو نضال النزوح برفقة عائلته، أو الرحيل بعدّة طرق، لكنه رفض ذلك، لذا نناديه بـ"السوري"، أذكر جيّدًا كيف كان يسعف أحد الجرحى ويمازحه قائلًا لن تموت اليوم، ربّما ستموت من أجل "لايكاتك" الغبيّة على فيسبوك أو بسبب جرعة زائدة، هذا هو الرجل الذي كتبت على يديه النجاة للعديد من أهالي المدينة".

يستحضر محمد حادثة فريدة من نوعها على حدّ وصفه، فمع بداية النشاط الثوري لأبو نضال، تعرّض للابتزاز على أيدي قوّات النظام السوري، حيث قامت باعتقال ابنته مدّة شهر كامل، واشترطت للإفراج عنها وقف الوالد لأيّ عمل ثوري، فوجد أبو نضال نفسه مضطرًا للموافقة على عقد مصالحة مع النظام، إلا أنه كان يعي تمامًا أنها مجرد مصالحة شكلية، وما إن تم إطلاق ابنته حتى عاود عمله السلمي من جديد.

يضيف المتحدّث بامتنان: "بالنسبة لي أبو نضال هو الثورة، ومهما تكلّمت عنه فلن أفيه حقه، هذا الرجل الذي ينظر مع كل يوم إلى نواصي المدينة، ويبكي سرًا كل من عاش معهم وودّعهم، "السوري" الذي لا يؤمن إلا بفيروز ويشرب شايًا بمزيد من السكر، يدفن الشهداء بيديه، السوري الذي لا يحمل روحًا واحدة وإنما أرواح المدينة بكاملها".

المساهمون