إبراهيم حجازي... رهين الماضي وعدو المستقبل

إبراهيم حجازي... رهين الماضي وعدو المستقبل

20 سبتمبر 2017
إبراهيم حجازي (فيسبوك)
+ الخط -
قادم من زمن بعيد. عجوز يكره كل جديد. صلب تليد. لا تتزحزح قناعاته قيد أُنملة. عاد للشاشة بعد انقطاعٍ متسلحًا بالرفض وحالمًا بالعودة لعالمه المثالي قبل 25 يناير/ كانون الثاني 2011.

قبل أيام عاد إبراهيم حجازي الصحافي المصري المعروف إلى الشاشة مجددًا. عاد إلى مكانه المفضّل في استوديوهات التليفزيون الرسمي للدولة ببرنامجه "دائرة الضوء".

كثيرون عرفوا حجازي بمقاله الأسبوعي في جريدة الأهرام. عرفوه عبر الأهرام الرياضي التي ترأس تحريرها فترة طويلة. وكذلك عبر حرب أكتوبر التي اعتاد الحديث عنها مستدعيًا بطولات الجيش المصري وجنوده؛ لكنّ الحضور الأبرز له كان على الشاشة قبل نحو 8 أعوام خلال الفترة التي شهدت توترًا كبيرًا في العلاقات المصرية الجزائرية أثناء التصفيات المؤهلة لمونديال 2010.

وكان حجازي أحد أبطال الأزمة التي نشبت بين البلدين، وبدأت في القاهرة قبل مواجهة المرحلة الختامية من التصفيات حين قال لاعبو الجزائر إن الحافلة التي كانت تُقلهم تعرضت لاعتداء، ثم تمددت الأزمة لتصل السودان تحديدًا في أم درمان التي احتضنت المباراة الفاصلة بين المنتخبين وانتهت بفوز الجزائر وتأهلها للمونديال.


ونشيرُ هنا إلى أن الموقف المصري في هذه الأزمة لم يكن اجتهادًا شخصيًا من مجموعة من الإعلاميين في محاولة لبث الخوف والتوتر في المنافس وجماهيره فحسب؛ لكن يمكن القول إنه كان توجهًا عامًا للدولة. ويدلل على ذلك وصف علاء نجل حسني مبارك رئيس مصر الأسبق الجماهير الجزائرية التي حضرت المباراة الفاصلة بإنهم كانوا "مجموعة من الإرهابيين والمرتزقة" وقول أنس الفقي وزير الإعلام وقتها إن "الجماهير الجزائرية قامت بشراء السكاكين والخناجر فور وصولها السودان" وغيرهما من الشواهد.

الخلطة الحجازية
أول ما يلفت الانتباه عند قراءة مقالات حجازي أو مشاهدته على الشاشة هو صرامته وحدته. لوهلة تشعر أن الرجل لا يخشى أحدًا. ينتقد المسؤولين الحكوميين من دون هوادة. يُشهر قلمه ويطلق العنان للسانه غير مكترث بشيء.

الأزمات اليومية المعتادة في الشارع المصري مثل انفجار مواسير الصرف والازدحام المروري وتباطؤ رؤساء الأحياء في رصف الشوارع أو إهمال الألعاب الفردية وأبطالها تُمثّل مادة خصبة له لانتقاد المسؤولين والحديث عن الإهمال الحكومي. وهو انتقاد له "سقف محدود" كما يبدو. ويخرج من عباءة دعم النظام بمحاولة تقويمه لا معارضته سياسيًا ومحاولة تغييره.

يتحدث حجازي في موضوعات شتّى. السياسة والدين والرياضة والفن تتجاور على مائدته اليومية. تبدو الوجبة دسمة ومتنوعة وجاذبة لمختلف الأذواق لكنها كالوجبات السريعة تشعر بالجوع بعد انتهائها بدقائق قليلة.

لا ينفذ حجازي إلى العمق في أي مجال أو موضوع يتحدث فيه باستثناء حرب أكتوبر. لا يستطيع أن يجاري ضيفًا يتحدث في تفاصيلٍ دقيقة؛ حتى كرة القدم التي كان يتحدث عنها كثيرًا لا يستطيع مجاراة ضيف يتحدث مثلاً عن طرق اللعب أو تحليل سوق الانتقالات. يَرُدُّه سريعًا إلى الحديث عن نقاط عامة. مثل أهمية الرياضة في تزكية النفس وإبعاد الشباب عن المخدرات إلى غير ذلك.

حديثه أبويّ. قائم على توجيه النصائح للنشء قليل الخبرة. يؤمن حجازي بعظمة الإنسان المصري لأنه "فعل ما لم يفعله أي مواطن في العالم" في إشارة لحرب أكتوبر. ويوقن أن الخطر كله يأتي من دعوات التجديد والتطوير تلك التي تهدف "لهدم القيم المصرية" وتخريب المجتمع.

لا يملك حجازي السمات التقليدية لمقدم البرامج مثل ملاحة الوجه أو اللباقة وسرعة البديهة لكنّ سلاحه الأبرز للتواصل مع الجمهور كان العفوية تلك التي جعلت بعض متابعيه خاصة من كبار السن يشعرون بسعادة وأريحية لمشاهدة مقدم برامج يتصرف ببساطة فيأكل على الهواء ويطلب "كوباية شاي" من الإعداد دون حرج.

فجوة زمنية
بعد إنهاء مجموعة قنوات النهار تعاقدها مع حجازي نهاية العام الماضي، تردد أن الصحافي المخضرم سيعود لماسبيرو مرة أخرى وبالفعل في نهاية أغسطس/ آب عاود حجازي الظهور على شاشة التليفزيون المصري ببرنامج يومي يحمل الاسم المعتاد "دائرة الضوء".

العودة، بعد انقطاع دام قرابة 8 سنوات، تبدو في ظاهرها محاولة لبث الحياة في جسد التليفزيون الرسمي المتهالك. محاولة لجذب الواثقين في حجازي. في الماضي الذي يعبر عنه ويُخلص لقيمه.

وبالفعل، استهل حجازي عودته للشاشة بخطاب يعادي كل جديد عرفته البلاد منذ 2011. يعادي مواقع التواصل الاجتماعي تلك التي تسببت في "الهجوم على كل شيء جميل". ويقدم للشباب ما يشبه الكتالوغ للتعامل مع فيسبوك يقوم بالأساس على "نشر الإيجابيات" بدلًا من انتقاد الدولة ورموزها.

يعادي 25 يناير بقوة وصلابة. يردد ما دأب عليه اتباع النظام المصري وداعمي المجلس العسكري في الفترة بين يناير/ كانون الأول 2011 ويونيو/ حزيران 2012 من اتهامات كقوله إن "مؤسس الأولتراس هو مؤسس 6 إبريل هو أيضًا مؤسس كفاية".

لوهلة تشعر أن حجازي غرق في فجوة من الزمن؛ إذ إن الخطاب الرسمي لإعلام الدولة تغيّر بشكل جذرّي بعد سقوط نظام الإخوان المسلمين في صيف 2013 وأصبح انتقاد الجماعة وداعميها الإقليميين هو المحور الرئيس في الحديث عن معارضي النظام لا انتقاد الشباب الذي تحرّك ضد حسني مبارك.

ويبدو الأثر الاجتماعي لا السياسي لثورة يناير وما تبعها من زيادة تمرد الأجيال الشابة على الأكبر سنًا ورغبتهم في مزيد من الاستقلالية ما يزعج حجازي أكثر من أي شيء آخر؛ لكنّه يخرج من تلك الفجوة مدركًا أن الطبق الرئيس في الوجبة يجب أن يكون الحديث عن الإخوان المسلمين وهنا يستدعي حجازي وهو الصحافي المخضرم النموذجَ العكاشيّ (نسبة إلى توفيق عكاشة) الذي أبعد عن الشاشة قبل فترة فيردد مثلًا اتهامات شديدة الغرابة بلا أي رابط منطقي مثل أن حادث بورسعيد (حين قتل 72 من مشجعي الأهلي) تم بتدبير من الإخوان المسلمين ومحمد أبو تريكه لاعب الفريق لإحراج المجلس العسكري.

الحديث عن المؤامرة أيضًا لا يغيب عن حجازي؛ فالثورة كان من أهدافها سحب البساط من ماسبيرو على حد قوله. ومحاولة بثّ الوهن والضعف في جسد التليفزيون المصري حتى تصبح الساحة خالية أمام الفضائيات الأجنبية "لتعبث بعقول الشعب".

ووسط الحديث عن الخوف والمؤامرة هناك باب يفتحه حجازي للأمل لكنّه، وكما يتوقع، باب يتبع الدولة. فالنماذج الناجحة من المجتمع التي يستضيفها تكون تابعة لإحدى الهيئات أو الوزارات وإن لم تكن كذلك فهي تبادر بإعلان دعمها للدولة والنظام السياسي.

عودة حجازي للشاشة وللتليفزيون الرسمي بنبرته الحادة وخطابه الغاضب الذي يبث قدرًا من الخوف والحزن الممزوج بأملٍ ترعاه الدولة تجيء قبل أشهر قليلة من انتهاء ولاية الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وسط ما اعترف به الرئيس نفسه من تراجع شعبيته بسبب خطة الإصلاح الاقتصادي؛ التي بدأت في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي بتحرير سعر صرف الجنيه المصري ثم زيادة أسعار الوقود وما تبعهما من ارتفاع حاد في أسعار مختلف السلع.

العودة كما تهدف لبث الحياة في التليفزيون الرسمي تهدف أيضًا، كما يتجلى، لدعم النظام السياسي المصري بمحاولة استدعاء شرائح ربما أنهكتها التقلبات الاقتصادية لتجديد الثقة في النظام الذي يحاول بأقصى طاقته جذب المزيد من المناصرين داخليًا وخارجيًا إلى صفوفه قبل انتصاف العام المقبل وإجراء الانتخابات الرئاسية.

المساهمون