مسبار باركر الشمسي.. الذهاب في رحلة إلى الشمس

مسبار باركر الشمسي.. الذهاب في رحلة إلى الشمس

29 يوليو 2017
(يوجين باركر يحمل نموذجًا للمسبار الشمسي، تصوير: سكوت أولسون)
+ الخط -
تبدو فكرة الذهاب في رحلة إلى الشمس فكرة مجنونة، لكن هذا بالضبط ما تعتزم وكالة ناسا الفضائية القيام به، حيث سترسل ناسا مسبارًا إلى الشمس ليحلّ لنا لغزًا قديمًا.

إن الاندماج النووي قد يكون أمرًا عمليًا ومفيدًا جدًا، كيف هذا؟ حينما تكون على سبيل المثال في حديقتك، جالسًا تحت أشعة شمس المساء الدافئة، فإن الاندماج النووي الذي يحصل على بعد مسافة حوالي 150 مليون كيلومتر منك هو ما يؤمن لك الدفء ويحميك من أن ترتعد بردًا.

يحرق نجمنا في كل ثانية ما يقارب الـ564 مليون طن من الهيدروجين ويحوله إلى 560 مليون طن من الهيليوم، وتصل درجة الحرارة على سطح الشمس - إن جاز التعبير - إلى 5500 درجة مئوية تقريبًا، وهذا ما يعتبر، بحسب بيرند انهيستر Bernd Inhester، من معهد (ماكس بلانك max planck) لأبحاث النظام الشمسي في (غوتنغن Gottingen)، "باردًا نسبيًا".

أما في هالة الشمس التي تبدو واضحة أثناء حدوث كسوف للشمس، يمكن لدرجات الحرارة أن ترتفع إلى أكثر من مليون درجة مئوية، إذ يقول انهيستر: "من الصعب فهم الديناميكية الحرارية في هذا القسم من الغلاف الجوي الشمسي، فلا نعرف من أين للغلاف الجوي كل هذه الكمية من الطاقة؟".

لم يستطع العلماء حتى الآن معرفة التفاصيل حول كيفية ارتفاع درجات الحرارة في هالة الشمس، لكن هناك العديد من النظريات التي تحاول تفسير ذلك، ويتوقّع البعض أن الموجات الصوتية تلعب دورًا في ذلك، فالشمس لا ترسل الإشعاعات الضوئية، وإنما تصدر أيضًا ذبذبات صوتية بشكلٍ منتظم.

لكن كيف تتمّ عملية النقل الحراري؟ وما هي مراحلها وتفاصيلها؟ في الحقيقة يوجد عدد كبير من مسابر الشمس أمثال SDO وSoho، لكن البعثة التي ستقوم بها ناسا ينبغي أن تجيبنا عن هذه الأسئلة، إذ إن المسبار الشمسي الذي سيطلق إلى الشمس سيقطع حوالي 150 مليونًا من الكيلومترات مقتربًا من الشمس إلى حدود مسافة تقارب 6.5 ملايين كيلومتر.

قد تبدو مسافة ستة ملايين وخمسمئة ألف كيلومتر للوهلة الأولى مسافة جيّدة، مريحة، وآمنة. لكن هذا غير صحيح مطلقًا، فحتى الآن لم تستطع أي مركبة فضائية أن تقترب من هالة الشمس إلى هذا الحد، إذ إنه لا يمكن لأي مركبة أن تحتمل حرارة الشمس المنبعثة منها، فحتى الآن سجلت مركبة "Helios 2" والتي كانت نتيجة برنامج ألماني أميركي مشترك، رقمًا قياسيًا في الاقتراب من الشمس، إلى أن حان الوقت لمسبار جديد لكي ينافسها ويحطّم الرقم القياسي الذي حققته.

كشفت وكالة الفضاء الأميركية عن بعثتها التي تحمل اسم مسبار باركر الشمسي "Parker Solar Probe"، مؤكدة أن البعثة ستجيب عن بعض الأسئلة التي تؤرقنا منذ حوالي ستة عقود حول الفيزياء الشمسية، وتؤكد الباحثة نيكولا فوكس Nicola Fox، أنها مركبة فضائية مزودة بأحدث التقنيات التي من شأنها أن تكشف الكثير عن أهم أسرار نجمنا.

مركبة مزودة بأحدث التقنيات
ينتمي الدرع الواقي من الحرارة المكوّن من ما يسمى بألياف الكربون المقوى إلى الميزات التقنية الأكثر أهمية التي تزوّد المركبة بسماكة تقارب اثني عشر سنتيمترًا، بحيث يستطيع أن يتحمّل درجات الحرارة التي تفوق 1400 درجة مئوية، إذ إن الأجهزة التي يستلزمها البحث لا يمكن لها أن تصمد في وجه الجحيم الشمسي وتحافظ على كفاءتها بدون هذا الدرع الواقي.

وكمصدر مزوّد للطاقة توجد الخلايا الشمسية – الأمر الذي يبدو مناسبًا – حيث إن هذه المركبة في مهمّة مسبار باركر الشمسي "Parker  Solar Probe" ستكون قريبة جدًا من الشمس، بالإضافة إلى وحدات خاصّة لمقاومة الحرارة، حيث تتمّ حمايتها من الدرجات العالية للحرارة عبر السوائل المبردة.

الاحتراق لا يتم بسبب الغاز 
يرى بيرند انهيستر، الباحث في مركز "ماكس بلانك"، والذي يعمل بشكل غير مباشر مع مهمّة مسبار ناسا: "لو استطاع المرء أن يمرر إصبعه عبر الغلاف الجوي فإنه سيحترق بفعل الإشعاعات، وليس بسبب الغاز"، لذلك على المرء أن يتصوّر الأمر كما لو أننا  نشوي قطعة نقانق، فهي لا تنضج بفعل التيار الهوائي الساخن، وإنما من الوهج الصادر من الفحم المحترق.

إن وظيفة أجهزة القياس في هذه المهمّة أن تجمع المعلومات عن ترابط الجزيئات وتوزّع سرعتها في الطبقة الرقيقة من الغلاف الشمسي، ما سيسمح بالتوصل إلى نتائج مؤكّدة حول بنية المنطقة الخارجية من ناحية، وأن يوضّح بشكل أفضل وبدقّة كيف تمنح الموجات الصوتية طاقتها للجزيئات شديدة التأيّن من ناحية أخرى.

ينبغي على المسبار أن يدور 24 مرّة حول الشمس على الأقل، حتى يصل إلى المدار الذي يستطيع إرسال المعلومات منه إلى الأرض، حيث يجب أن يبعد المسبار مسافة معينة عن الشمس حتى يستطيع إرسال المعلومات، كما أن جهاز الإرسال سيتوقّف عن البث (لأسباب تتعلّق بحمايته) عندما تصبح الحرارة عالية جدًا.

احتل مسبار "هيليوس2" مرتبة أسرع جسم صنعه البشر في الوصول إلى أقرب مسافة من الشمس، ومن المخطط أن يحطم مسبار "باركر" الشمسي هذا الرقم، إذ إن المسبار سينطلق بسرعة 200 كيلومتر في الثانية بفضل قوّة الجاذبية، ما من شأنه أن يفوق الرقم القياسي السابق بثلاثة أضعاف.

جدير بالذكر، أنها المرّة الأولى التي تطلق فيها ناسا اسم أحد الأشخاص الذين على قيد الحياة على أحد مسابيرها، وهو العالم في فيزياء الفضاء أويغين باركر Eugene Parker، ذو الـ89 عامًا، من جامعة شيكاغو، مكتشف الرياح الشمسية، وهي التيارات الجزئية التي ترسلها الشمس إلى كل مكان، والتي حملت اسمه أيضًا.

علقّ باركر على هذا المشروع "سيحلّق المسبار في أحد نواحي الكون التي لم نصل إليها قبلًا، وهذه أمر مشوق جدًا، إذ سنستطيع أخيرًا أن نلقي نظرة على هذه الأمكنة. كم كنت أود لو كان بوسعي الحصول على معلومات وتفاصيل أكثر دقّة لحسابات الرياح الشمسية. أنا واثق من أنّ ثمة مفاجأة في انتظارنا".

المساهمون