كرة القدم والاغتراب.. ليست رياضة طبيعية (2 – 2)

كرة القدم والاغتراب.. ليست رياضة طبيعية (2 – 2)

30 مارس 2017
+ الخط -

هذه مقابلة أجراها لوي مارتينيز مع سرجيو لفنسكي، أحد كبار الكتّاب في كرة القدم، وقد ألّف كتابًا عن مارادونا من بين كتب أخرى.

لوي مارتينيز: إن ظواهر مثل الهووليغانز، وَالبارا برافا، والتورسيدا (البرازيل) -وهي في أميركا اللاتينية- أدت إلى انقسامات جديدة بين الأفراد، أيّ أنها أفرزت وهمًا بأن عدو المشجّع هو مشجّع نادي آخر.

تعزز الصناعة الرياضية وملّاك الأندية وقنوات التليفزيون مواقعها، في حين يتناحر المشجّعون فيما بينهم، وهم في النهاية عمّال، أو طلاب، أو عاطلون، بسبب هوية متلاعَب بها. لا يعي المشجعون والأولتراس أنه بإمكانهم الاتحاد للمطالبة لا بتحسين كرة القدم-الاستعراضية، ولكن بتدميرها، واضعين بالتالي حجرًا في البناء الثوري.

سرجيو لفنسكي: في نظام منحرف وفاسد مثل كرة القدم - الاستعراضية، يصعُب تصوّر وجود اتحاد بين المشجعين للمطالبة بتحسين الاستعراض. هذا يمكن أن يصير، وقد صار بالفعل، بفضل مجموعات أقلية في الدول المتقدمة حيث يوجد مستوى ثقافي.

يجب أن نضع في حسباننا فكرة أن العُنف في الملاعب يُخيف المشجع العادي، ويدفعه إلى البقاء في المنزل لمتابعة المباراة أمام التليفزيون بدلًا من الذهاب إلى الملعب، حتى أن بعض قنوات التليفزيون الكبرى التي تملك حقوق بث المباريات، مثل Televisa وTv Globo وTorneo y competencias، تستفيد، بشكل غير مباشر، من هذا العنف.

ونلاحظ في الأرجنتين ظاهرة تُصَدّر بسبب التليفزيون، وهي العنف "بين" الأولتراس، عنف بين مشجعي الفريق نفسه. هذا مردّه الصراع على التذاكر التفضيلية التي يمنحها رؤساء الأندية، وبيع المخدرات، والأسفار والتنقلات، وفكرة أن زعامة مجموعة أولتراس إنما يمنح سلطةً إعلامية ونفوذًا سياسيًا. أذكر حِكمة تعلمتها من رافا ديو زيو -القائد السابق لأولتراس بوكا جونيورز- وهي: "امتلاك السلطة هو أن يكون معك أرقام تليفون هؤلاء من يمتلكون السلطة".

بصفة عامة، الصراع بين الأولتراس ينمّ عن تغيّر سياقي عميق، لأن طقس المباراة لم يعد ضروريًا لتبرير العنف.

لوي مارتينيز: على ضوء العناصر الدينية التي ذكرتها، كيف ترى العلاقة الملحمية بين شعبِ (أو مشجعين) وناديه أو منتخبه الوطني؟ يحضرني برشلونة عندما لعب ضد ريال مدريد في زمن فرانكو، أو فوز الأرجنتين على إنكلترا في كأس العالم 1986، بعد حرب المالفيناس، أو السنغال التي انتصرت على فرنسا في مونديال كوريا واليابان ب 2002.

سرجيو لفنسكي: وقت المباريات الحاسمة، فالتمثيليّة تكون أهم من أي وقت آخر؛ وكرة القدم، أكثر من أي رياضة أخرى، هي نوع من الحرب السامية. إن القمصان والأناشيد، وتخطيط ملعب المواجهة، والصراع الجسماني بين المنتصرين والمنهزمين، كل ذلك يُثير فكرة "الحرب".

انطلاقًا من هذا المعنى، يذهب المفكر الإسباني فيسنت فيردو إلى القول إن إحراز هدف ما هو إلا تحقيق النصر على أرض العدو، ثم العودة إلى أرضنا لسَرد هذا النصر. وهذا صحيح، بوصفه أسطورةً. فاللاعبون هم الحاملون الرمزيون لتطلعات ولخيالات الشعوب.

في أثناء كأس العالم 1986 بالمكسيك، الذي نُظّم بعد حرب المالفيناس بأربع سنوات، احتُفِل بالانتصار الأرجنتيني على الإنكليزي بطريقة خاصة: كان بمثابة الانتقام من الشعب "العدو"، و"يد الرب" لدييغو مارادونا كانت، بطريقة ما، "أن تسرق السارق"، فعوّضت إذن الشعور بالظلم.

لوي مارتينيز: بخصوص عملية تسليع الصورة، وإنتاج رموز فيتيشية، كيف نقوم بقطيعة بين كرة القدم والرأسمالية؟ يبدو لي أن برشلونة نايكي Nike لا يختلف كثيرًا عن ريال مدريد آديداس Adidas. بعبارة أخرى، فإن سُلطة العلامات التجارية، وحضور رأس المال، أدّيا إلى إفساد أحد أكثر النشاطات شاعريةً على وجه الأرض: كرة القدم.

سرجيو لفنسكي: بلا شك أن كرة القدم مفرطة الاحترافية هي، اليوم، جزء من صناعة ضخمة شُيّدَت حول رياضة أصبحت استعراضًا، أولاً المباريات ثم المحادثات التي تدور حولها: دائمًا ما يثير أوبرتو إكو هذه الجدالات الكروية، التي أصبحت تُتابَع ككرة القدم نفسها، بالشغف نفسه. طالما وُجدَت الرأسمالية، لا يمكننا اعتبار كرة القدم رياضةً طبيعية تُسهم في ازدهار الإنسان. فمبدأ الدفع مقابل اللعب يحوّل هذا النشاط الترفيهي إلى عمل، وبالتالي يعتمد البقاء في هذه الصناعة على نتائج هذا العمل (أي الفوز والخسارة). هذا التوتر يلغي تمامًا فكرة "اللعب".

كلامي قد يكون صادمًا، ولكني أؤمن بأن كرة القدم الأكثر نقاءً، الأكثر متعةً، يمكن فقط أن نراها في الحدائق والميادين، لا في الملاعب قطعًا. لأنه في الملاعب، هناك مصالح أخرى تُلعَب.

المساهمون