منّة الله..مقاتلة كاراتيه تتذوّق الهواء

منّة الله..مقاتلة كاراتيه تتذوّق الهواء

19 فبراير 2017
(منّة الله البيطار في صالة التدريب)
+ الخط -
في عالم مسلسلات الكرتون، كان اللغز في انتصار الطفل سامبي لاعب الكنغ فو بالضربة القاضية على الألماني البحار العملاق الملاكم شتاينر، رغم فقدان سامبي البصر نتيجة عشرات الضربات الثقيلة التي تلقّاها على وجهه؛ هو اعتماده على "الإدراك الحسي" واستشعار الهواء الذي يأتي تعويضًا عن حاسّة البصر وفقا لما علمه إيّاه مدرّبه العجوز الثمل.

هنا، فكرة استشعار الهواء والإدراك الحسّي باعتبارهما أحد وسائل الفنون القتالية التي تعتمد على الصوت وحفظ الاتجاهات والحركات، فقهها مدرّب الكاراتيه حسن الراعي جيدًا ، فهو يدرّسها الآن بدقة للطفلة المكفوفين منة الله البيطار، في صالة نادي المشتل الرياضي الواقع في منتصف المدينة المحاصرة في غزة.

يبرهن المدرّب الراعي (37 سنة)، أنه سيصل بالطفلة الكفيفة منّة (13 عاما) للمحافل الدولية، رغم المبالغة في تطلّعات المدرّب، إلا أن تفادي منّة لضرباته بمهارة التي باغتت وجهها ومناوراتها للكماته وقفزها في الهواء برشاقة دون تعثر، وهي تؤدّي باحتراف حركات الدفاع عن النفس وهبوطها بسلام تعزّز حضور تطلّعاته.

ينادي المدرّب بمصطلح في لغة لعبة الكارتيه على منة، فتعود أدراجها وتجلس على الركن الأيمن من الصالة الرياضية بجانب زملائها الذكور المكفوفين البالغ عددهم عشرة أطفال، أعمارهم تتراوح ما بين (7 أعوام إلى 16 عامًا) بينهم ثماني حالات إعاقة كلية واثنان جزئية.

استغلالًا لدقائق الراحة، أجرى "جيل" حوارًا سريعا مع المدرّب؛ يمسح عرقه المتصبّب على جبينه ثم يقول: "لدينا في النادي أطفال وفتيان مكفوفون يمارسون رياضة الكاراتيه، لكن منّة الله أول لاعبة عربية من فئة الإعاقة البصرية الكاملة تمارس هذه الرياضة، واصفًا إتقانها للحركات بالمثير للدهشة.

ويجرى تدريب الطفلة منة، وفق برنامج معد مسبقًا يعتمد على الحركات والألفاظ التي تتناسب إعاقتها البصرية، ومدّة التدريب بمعدّل ساعتين موزعة على ثلاثة أيام في الأسبوع. بحسب الراعي مدرّب المنتخب الفلسطيني للكاراتيه، ومدير عام أكاديمية المشتل للألعاب القتالية.

ويشار إلى أن منّة أحد طلبة مركز تأهيل المعاقين بصريًا التابع لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في غزة، والذي أطلق في صيف 2015 بالشراكة مع نادي (المشتل) الرياضي ولأوّل مرّة، المشروع التجريبي لتدريب رياضة الكاراتيه لذوي الإعاقة البصرية.

وبحسب إحصائية أخيرة لـ "الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني"، فإن عدد الأفراد الذين يعانون من إعاقة بصرية في غزة يبلغ 6905 فردًا.

وتستعد الطفلة منّة الله، بعد شهر من الآن، من التدريب المتواصل للتخرّج من المرحلة الأولى "الحزام الأبيض"، أملاً في الوصول إلى مراحل متقدّمة من مستويات القتال.

لم تكتسب لاعبة الكارتيه المكفوفة، هذه الثقة العالية وحُب الرياضة على طبق من ذهب، بل جاءت بالتدرّج، ففي أوّل أسبوع من التحاقها بالنادي تسلّل إليها ما يشبه الاكتئاب أو الإحباط نتيجة عدم انسجامها وسيطرة الإعاقة عليها، إذ تقول وهي تعدّل حجابها: "عدم فهمي للعبة في بداية الأمر كان يفقدني الثقة بنفسي، لكن أهلي ومدرّبي وهمّتي العالية، عوامل جعلتني أنتصر على الإعاقة".

على الركن القريب من بوابة الصّالة تجلس والدة منّة، وتدعى الأم صابرين إلى جانب عدد من الآباء الذين حضروا لمساندة أطفالهم، تصفّق لها بين بين اللحظة والأخرى، وتكرّر عبارة: "بطلة يا حبيبتي..الله معك".

وفرّت عائلة منّة البسيطة الدخل، والمكونة من ثمانية أفراد، كامل الدعم لابنتهم، حيث يحضرون لمشاهدة تدريبات منّة، كما أن الأم صابرين تفرّغ أغلب وقتها لابنتها للاستماع إليها، ولا تتوانى في توفير متطلّبات طفلتها المكفوفة، بحسب تصريحها.

انتهت حصة التدريب التي دامت لساعتين؛ بعد تلك الفترة جاء موعد الفريق الثاني من لاعبات الكارتيه، فور دخولهن يطلب المدرب الراعي ممازحًا: "يلا يا بنات، مين جاهز لمبارزة منة؟". ترد إحداهن: "منّة قوية وعنيدة، لا أنصح أحدًا بمنازلتها".

المساهمون