ألعاب الفيديو: اللعب بالمهاجرين (2 - 2)

ألعاب الفيديو: اللعب بالمهاجرين (2 - 2)

14 فبراير 2017
( ماتياز سلانيك)
+ الخط -

هناك نقاط مشتركة بين ألعاب الفيديو التي تضع المهاجرين كلاعبين أساسيين فيها، ويمكننا ذكر النقطتين الأساسيتين، على مستوى طريقة اللعب، فالألعاب تجعلنا نعيش تجربة الهجرة عن طريق مسارات فرديّة في أغلبها. وسواءً كان اللاعب يجسّد دور مهاجر أو مهرّب أو ضابط حدود، فهو يتبنّى وجهة نظر هؤلاء الأشخاص، ويقرّر من يمرّ ويدخل، ومن يعود ولا يدخل، وهنا تحدث قطيعة حقيقيّة مع التناول الكلاسيكي للهجرة، وهو تناول عامّ للغاية "إحصائيات، سياسات هجرة".

يشهد أحد مصممي لعبة Cloud Chasers في فيديو ترويجي: "هدف هذه اللعبة هو أن تفشل، مرارًا وتكرارًا، وأن تموت، لأن الغالبية العظمى من المهاجرين يموتون، لا يصلون قط سوى إلى الحدود، ونحن نسمع كلامًا عنهم فقط عبر الأرقام والإحصائيات".

ثم تقول الكثير من هذه الألعاب إنها بذلت جهدًا توثيقيًّا ضخمًا. فصنّاعها لا يتردّدون في العمل على قضيّة الهجرة بشكل دقيق متقصين أصولها، ومتوجّهين بالسؤال إلى الخبراء، وجامعين للشهادات.

فتح أبواب النقاش
في لعبة North، وهي من الأكثر نجاحًا من بين ما ذكرنا، يجسّد اللاعب أحد طالبي اللجوء في مدينة كئيبة وغير مضيافة.لا توجد إشارة واحدة تُرشد اللاعب في طريقه، حتى الشخصيات تكون غير مفهومة في البداية؛ تقع على عاتق اللاعب مهمّة اكتشاف المفاتيح التي تمكّنه من فهم هذا العالم ومن التقدّم في اللعبة.

إرادة مطوّري اللعبة هي أن "يواجه اللاعب مشاعرًا كالاضطراب والإحباط والضّجر"، كي يقرّبوه قليلًا من التجربة التي يعيشها طالبو اللجوء. تطوّرت لعبة North من بحث ومقابلات دقيقة ومُعَمّقة في مخيّمات اللاجئين كان من المفترض أن تتبلور في فيلم وثائقي على الإنترنت، قبل أن تتجسّد أخيرًا في شكل لعبة.

وأخيرًا، صُمِمَت معظم هذه الألعاب من أجل إيصال رسالة حول الهجرة إلى المجتمع. ودون أن تكون الألعاب مُسَيّسة، كما يقول لوكاس بوب، فهي مُلتَزمة. سواءً كانت ألعابًا واقعية (Frontiers) أو هزلية (Smuggle Truck)، هذه الألعاب تُريد، بشكلٍ خاص، توعية اللاعبين بالمشاكل التي يقابلها المهاجرون، بطريقة مُبتَكرة في التعاطي مع قضية الهجرة.

وبناءً على ذلك، وُلدت Smuggle Truck من رغبة صانعيها في "التحرّك عن طريق إنتاج هزلية تفاعلىة، من زاوية تهكميّة حول مشكلة حقيقية، أردنا ابتكار لعبة تكون مُسليّة وممتعة، وفي الوقت نفسه، تؤدّي إلى نقاشات حول سبل تحسين عملية الهجرة إلى الولايات المتحدة".


تجربة الهجرة
تمتلك ألعاب الفيديو قدرة تفاعل وغَمر رائعة؛ فاللاعب يكون في وضعيّة ممثل أكثر من وضعيّة مُلاحظ. اللاعب ينخرط، ويلتزم، الأمر الذي لا تستطيع وسائل الإعلام الأخرى تقديمه (الفوتوغرافيا، الأفلام الوثائقية)، كما تصف ميلاني سوالويل على موقع realtimearts: "أثناء اللعب، نحن ننسى الروتين والضغط، ونعيش في جو تنافسي. نرفع الرأس ونتقدّم إلى الأمام. ألعاب الفيديو تقدّم طرقاً مختلفة من الالتزام، وتساعد على رؤية الأشياء بطريقة مختلفة".

بعبارة أخرى؛ تساعد ألعاب الفيديو على إعادة إعادة نَسخ (حتى لو بشكل افتراضي) تجربة الهجرة: غير خطيّة، مليئة بالعقبات، بالذهاب والإياب، ومسارات غير مؤكّدة.

ففي اللعبة اليونانية Banoptikon، كانت الفكرة هي إظهار كيف أن آليات المراقبة على الحدود تهدف، بشكل رئيس، إلى إحباط الهجرة. يتعرّض المهاجرون لهذا النظام التحكميّ حتى في أجسادهم (مراكز اعتقال، أخذ البصمات الرقمية، إلخ). والهدف إذن هو إقحام اللاعب في هذا العالَم، وجعله يشعر بكل هذه القيود.

ألعاب الفيديو، من جهة أخرى، تقدّم إمكانيات إبداعيّة عديدة (تصميم اللعبة، رسوم متحرّكة، تفاعل) لبناء عالَم حقيقي أو افتراضي يناسب فكرة التحدّث عن الهجرة. في لعبة Cloud Chasers على سبيل المثال، يعبر أب وابنته صحراء واسعة حيث الموارد نادرة، آملين في الوصول إلى أرض مُعيّنة، تزخر بالموارد وتقع فوق السحاب. هدف اللاعب هو محاولة البقاء على قيد الحياة في ظروف بالغة الصعوبة، في عالَم مُصَمَم بشكل مبتكر وأصيل للغاية، الأمر الذي يُعطي منظورًا جديدًا للهجرة.


الألعاب.. كيف تُستَقبَل؟
بشكل عام، نقد ألعاب الفيديو ليس واضحًا كباقي الحقول الثقافية؛ فهو لا يزال حِكرًا على المجلات والمواقع والمنتديات، ولا يزال ينظر الناس إلى ألعاب الفيديو بوصفها مجرّد تسلية. لا يوجد حتى الآن "نِظام بيئي" واضح المعالم ومنظم لإدخال ألعاب الفيديو في المجال الاجتماعي والثقافي – إذا ما اقتبسنا بتصرّف من أوليفييه موكو.

إذا كانت الألعاب حول الهجرة قد نجحت نقديًا وليس تجاريًا، بل وأحيانًا نجحت تجاريًا (بيعت حتى الآن 1.8 مليون نسخة من (Papers, Please)، فإنه لا يزال من الصعب قياس تأثيرها ومداها في المجتمع.

ومع ذلك، فهي تتصدّر صحف الجرائد، لأنها تثير جدالات ونقاشات سياسية أو توتّرات كامنة في المجتمع. في 2008، صدرت لعبة Iced، ونرى فيها خمسة أشخاص من طالبي اللجوء تلاحقهم السُلطات الأميركية وهدفهم أن يتجنّبوا الطرد وأن يحصلوا على حقّ الإقامة في الولايات. اللعبة تربويّة، لتوعية الجمهور بالمصاعب التي يواجهها المهاجرون في محاولات الاندماج في المجتمع.

وسائل الإعلام الأميركية المحافظة أو بعض تعليقات مستخدمي الإنترنت، عبّروا عن كل ريبتهم تجاه ما تشعر به أقليّة في المجتمع تجاه هذه الألعاب "الاجتماعية". والأقل عنفًا كانوا يدينون تحريضًا على الهجرة غير الشرعية، نقرأ في أحد التعليقات:

"اللعبة مُصَممة، أساسًا، لتلقين الطبقة الوسطى الأميركية فكرة أن الهجرة غير الشرعية هي مسألة تتعلّق بحقوق الإنسان، ولا يهم أن نفتح حدودنا لتدفّقات من الناس تأتي من العالم الثالث".

الألعاب والسياسة
في لعبة Escape from Woomera، يحاول الأبطال الهروب من مركز اعتقال أسترالي. السُلطات الأسترالية في اللعبة، تهدّد أحد اللاجئين بإرجاعه إلى إيران التي هرب منها لدوافع سياسية. فلم يبق أمامه إذن إلا الهروب من هذا المعتقل.

سياق اللعبة في وقتها كان متوترًا، لأن النقد كان موجهًا لأستراليا في ما يخص ظروف مراكز الاعتقال. المتحدثون الرسميون باسم اللاجئين رحّبوا من جانبهم بنجاح هذه اللعبة حول الاحتجاز الإلزامي.

وإلى جانب هذا الجدال، سمحت هذه اللعبة لكثير من الأستراليين باستكشاف ما يدور في المعتقلات من الداخل، وهي فرصة لم تتوفر لهم على مدار التاريخ القصير للألعاب السياسية، يؤكّد جوليان أوليفيه أن "مراكز الاعتقال ليست فقط معزولة ومُحصّنة للحيلولة دون أي محاولة فرار، ولكن أيضًا للتأكّد من أن الناس سينسون وجودها أصلًا".

الهجرة قضية مجتمعية، وقد تناولتها ألعاب الفيديو بتنوّع وابتكار لا يمكن الشكّ فيهما. تولّى صنّاع الألعاب هذا الموضوع نظرًا لموهبتهم، ولعملهم التوثيقي، ولكن أيضًا لقناعاتهم الشخصية. لقد نجحوا في تَوليد تجارب في ألعاب ناجحة: السفر، العزلة، عبث البيروقراطية، الاحتجاز، إلخ.

على نقيض السينما مثلًا، فألعاب الفيديو ليست راسخة الجذور بَعد في الحقل الثقافي، كي تأخذ شرعية الحديث عن هذه المواضيع السياسية والاجتماعية. الألعاب التي ذكرناها هنا، تأتي في طَليعة هذه الصناعة التي عادة ما تكون موحّدة الطابع. ومع ذلك، كما يصف بشكل رائع أوليفيه موكو، فإن الأشياء آخذة في التطوّر وتُثبت "الوصول إلى نوع من النُضج في ألعاب الفيديو".

المساهمون